د. زياد الحكيم - الأدب وعالم الحيوان

لعبت الحيوانات دورا مهما في الادب منذ الاف السنين. وحتى قبل ان يسجل الانسان قصصه وحكاياته كان القدامى يروون القصص عن الحيوانات عن طريق الرسم على جدران الكهوف التي كانوا يسكنونها. وهذه الامثلة القديمة من التاريخ الادبي كانت تنطوي على عناصر دينية واسطورية قوية. ففي القرن السادس قبل الميلاد لعبت حكايات ايسوب دورا مهما في التوجيه الاخلاقي مستعملة سلوك الحيوانات كأمثلة على ما يعتبر اخلاقيا وما لا يعتبر كذلك. واستعمل المصريون والاغريق القدامى الثيران والاسود بالاضافة الى الحيوانات الخيالية وجعلوها تقوم بادوار مهمة في تطوير الاساطير التي تركت اثرا عميقا في كل شيء ابتداء من القصص المروية الى دراسة النجوم والافلاك السماوية.

كما ان الكتب الدينية مثل الانجيل ادخلت رموزا مختلقة الى الادب. ففي العهد القديم والعهد الجديد نقرأ قصصا رائعة عن الحيوان الذي له خصائص بشرية مثل الافعى والخروف. واستعملت الثقافات الهندية المحلية قصصا عن الحيوانات لتشرح الجوانب المبهمة من الحياة والكون. وهذا ما فعلته ايضا الثقافات الاسيوية والافريقية والامريكية اللاتينية.

وفي القرن السابع نقل عبد الله بن المقفع كتاب "كليلة ودمنة" الى العربية عن الفارسية. والكتاب مجموعة من القصص ذات طابع يرتبط بالحكمة والأخلاق يرجح أنها تعود لأصول هندية مكتوبة بالسنسكريتية. معظم شخصيات قصص الكتاب عبارة عن حيوانات برية فالأسد هو الملك و خادمه ثور اسمه شتربة. وتدور القصص بالكامل في الغابة وعلى ألسنة هذه الحيوانات .

وفي اواخر القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر - أي في عصر التنوير - تطور القصص الاخلاقي الى نوع ادبي جديد هو الهجاء الذي يتناول العيوب في الشخصية الانسانية والفساد السياسي. وكانت حالة العالم قد اغضبت الهجائين فاستعملوا – كما فعل جوناثان سويفت – بعض خصائص الحيوانات للتعبير عن الخصائص البشرية وانتقادها. وكان عصر الرومانسية قد ظهر في القرن التاسع عشر فكتب شعراء من امثال وليام وردسوورث وبيرسي بيش شيللي ولورد بايرون وجون كيتس عن جمال الحيوان واحساسه بالحرية في البراري وامكانية ان يطلق الانسان امكاناته الابداعية بتقليد الحيوان.

وفي العصر الفيكتور في انكلترة وفي الولايات المتحدة اتخذت الحيوانات في الادب معاني اكثر ادبية ، ويعود بعض ذلك الى نشر تشارلس داروين كتابه "اصل الانواع" 1859 الذي نص على ان الانسان لم يخلق بمعزل عن الحيوان من اجل ان يأمر وان يهيمن ولكنه نشأ من الحيوان، وقال داروين ان الانسان ما هو الا حلقة في سلسلة عمرها ملايين السنين. وبعد هذا باكثر من قرن من الزمان مازالت نظرية داروين تمثل نقطة خلاف بين مؤيديها ومنتقديها. ولكن النظرية على أي حال اثارث كثيرا من الفوضى في جانب كبير من المجتمع الغربي اذ راح البعض يشكك في معتقداته الغيبية بسببها.

وعندما رفع العلم من شأن الحيوانات فجعلها بمستوى جديد في عالم الانسان والعالم الميتافيزيقي، وعندما راحت الثورة الصناعية تستغل الانسان والحيوان معا، اصبح الرفق بالحيوان مشكلة اجتماعية وانسانية كبرى. فانتشرت قصص القسوة التي يعامل بها الحيوان، وركزت هذه القصص على ان الحيوان ضحية من ضحايا الجشع الانساني والجهل والثورة الصناعية التي لا تعترف الا بالربح المادي.

وفي القرن العشرين اتجه كثير من الكتاب الى قصص الحيوان فانتجوا اعمالا ثورية بافكار حديثة مثل البرانويا والجنون واللاجدوى. وكتب جورج اورويل "مزرعة الحيوان" 1945 وفيها تقوم الحيوانات بثورة ضد صاحب المزرعة، ويتولي الخنازير القيادة، ولكن شيئا فشيئا تعود الامور الى ما كانت عليه قبل الثورة، وتنهار مبادىء الثورة الواحد بعد الاخر. واحيا جيمس جويس عناصر من الاساطير الاغريقية التي جعلت من الحيوانات ابطالا في قصص رمزية. واستعمل فرانز كافكا اسلوب قصص الحيوان الرمزية للتعبير عن مشكلات الانسان في القرن العشرين. وفي السنوات الاخيرة من القرن العشرين اصبحت الحيوانات من حيث هي رموز ادبية على جانب كبير من الاهمية في الادب الانثوي. وتخيلت النساء انفسهن في صراعهن من اجل المساواة مع الرجل في عالم مادي ظالم اشبه بالكائنات المحبوسة في قفص تحرم فيه من التعبير عن نفسها، كتلك الحيوانات التي كتبن عنها في كتبهن.


لندن - بريطانيا
[email protected]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى