ظافر الجبيري - حدث في مكة

خيّم حزن مفاجئ على مرتادي القهوة ، شخصتْ أبصارُهم بصمت إلى القادمين من جهة البناء الجديد المجاور لبيت العمدة ، توقف البِناءُ وها إنّ كومة الطين في سبيلها إلى أن تجفّ، وقد مسح الطيّان عرقًا ممتدّا من الجبين حتى الأقدام. البنّاءُ فوق الجدار نفَضَ يديه من تراب الدّنيا ، وتراءت الأقدارُ من علٍ كشمس صاهدة تحرق كل شيء، ظلّ الجاروف مغروزًا في وسط كومة التراب المعجون بالّلِبن ، فيما إبراهيمُ قد غرز موتُ أخيه نصالًا لا حدّ لها في قلبه.

وصل النبأُ الحزين، تحرك أبناءُ الحارة المكّيّة محوْقِلين ، وقد هبّوا لتغسيل الريّاعي الذي سقط من على سقالة البِناء المتهالكة ، فقد حياته بزلّة قَدَمٍ خاطفة !
كان أخوه يسير صامتًا خلفهم، دموعه تسابق خطاه ، محاذِرًا أن تُرى . كان جيبه فارغًا كما جيب أخيه الراحل للتوّ. الغسيل والكفن والدفن يحتاج إلى نقود لا يملكها، مصاريفُ لم يجمعها بعد، ولم يعهدها في قريته الزراعية التي غادرها ملتحقًا بأخيه ليخلّفه الموتُ وحيدًا في( شام) الغربة مردّدًا بصمت:

"يالشام* لاعادكْ ولا عاد خيركْ فلم يفرّق بين الأحباب غيركْ"
بعد العشاء اغتنم الصمت والظلمةن تسلل إلى المقبرة ، وأضاءت عبراتُه الليل والمكان.



* الشام : (مكة والطائف وجدة )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى