محمود البريكان - فقدان ذاكرة.. شعر

ضائعٌ في الزمان
ضائع في العوالم
فاقد للبصيص من الذاكرة
سادر في شوارع لا يتذكر أسماءها
تائه في زحام المدن
يتبعثر في حدقات العيون
عسى أن يرى ذات يوم صديقاً
قديماً سيعرفه
ويعرفه باسمه
ويساعده في الوصول إلى بيته
والى أهله الشاحبين
* * *
إلهي . إذا كان هذا عقابك
دعني اجتزْ عذاب الثواني سريعاً
إذا كان هذا اختبارك
هبني الشجاعة أن أتأمّل وجهي الغريب
أعنّي لكي أتنفّس ثانية في سمائي
لكي أستعيد روائح أرضي
أعِنّي لأعثر يوماً على روحيَ الضائعة
أعِنّي لكي أعبر الفاجعة
* * *
ضائعٌ في العراء
يتفرس في عري صحرائه ،
واختفاء المعالم
مقبرةٌ لا شواهدَ فيها
هنا يفقد الميّتون ملامحهم
ويُضِيعون في الريح أسماءهم
ضاربٌ في العراء الفسيح
الذي يتوهج في الشمس أو يتقلص تحت صقيع القمر
غائب في متاه العصور
يتعثر بالكائنات المهشمة الفاحمة
وشظايا النيازك
منزلقاً كشبح
في طريق الصخور
* * *
أكنتُ صديق الوحوش القديم ؟
ربيبَ الكهوف التي أغلقتها الزلازل
أو دفنتها الرياح ؟
أكنتُ الحكيم الغريب على ضفة الكنج
يأوي إلى عزلة في سكون الزمن ؟
أكنتُ الصغير النحيل الذي قاده
الجند وسْط الصخب
ليُلقى إلى حَلَبات الأسود
بملعب روما ؟
أكنتُ المغنّي الذي كان يُنشد أشعاره
لذئاب البوادي ؟
أكنتُ الأمير الذي
أحبّ الأميرة في مصرَ ؟ حتى تمدد في جوف تابوته
وهي ترقد في جوف تابوتها
إلى جنبه ؟
يتحول في غرفة الدفن ، ينتظر البعث
بعد ألوف السنين ؟
* * *
بازغاً في الضباب
مثقلاً بعصور من الحزن
يرنو طويلاً إلى وجهه في الماء
ويخطو إلى الأفق المنكسر
أينَ شاهدَ من قبلُ هذي العلامات ؟
أين تحسّسَ هذا الجمال وهذا الفزع ؟
يستديرُ إلى منزلٍ هادئ
ويُصيخ إلى ضجةٍ لصغارٍ بباحته يلعبون
ويشم روائح حقلٍ قريب
( هل رأى مثل هذا المكان
مرة في الحلم ؟ )
ويقاوم لهفته للبكاء
وهناك تخرُّ على خده
قطرةٌ واحدة
تتشتت في شعر لحيته الأبيض المنتثر .
( ايلول 1991 )
أعلى