نورالدين عزيزة - فِي رِحَابِ اللَّيْلِ المُزْمِن.. شعر

أُغْنِيَة
شَغَفِـي بِعَيْنَيْـكِ يُغَـنِّي أَتْعابَهُ ويُعـيـدُ:
تَرَاكَمْ هُنَا، أَيُّها اللَّيْـلُ، إِنَّ الصَّباحَ بَعِيـدُ
كُلُّ مَا فِي جَسَدي البَـارِدِ صَحْـوٌ جَريحٌ
تَلْهُو بِهِ رِيحٌ، وَيَرْشَفُ خَفْقَهُ الدَّامِي جَلِيـدُ
إِنَّهُ الصَّـدَأُ الخَـلاَّبُ يَحُـطُّ عَلَى صَدْرِهِ
يَتَهَامَى، وَتَعْـلُو فَـوقَ السُّـدُودِ السُّـدُودُ
بَلَـغَ الدَّاءُ الدَّفِـيـنُ أَجِنَّتَهُ، وَاسْـتَـوَتْ
أَنْهَارُهُ وَقِفَارُهُ وَالوَحْلُ وَالأَشْوَاكُ وَالوُرُودُ
طَـالَ عَلَى وَطَنِ الخِصْبِ جَفافٌ فَجَفَافٌ
وَسَـادَ تُرَابَهُ صَمْتٌ كُهُـوفِـيٌّ حَدِيـدُ

1
شَغَفِي السَّاكِنُ في عَينَيكِ الغَائِبَتَيْنِ بِأَنْفَاقِ السُّكُون
شَغَفِي السَّاهِرُ الصَّاخِبُ في الصَّمْتِ الكُهُوفِي
يَنْبُتُ تَحْتَ الرَّصيفِ.. وَفَوْقَ الرَّصِيفِ..
يُظَلِّلُنِي ضِيَاءً.. يُعَرِّي وَطَنَ الجُدُرَانِ وَالخَوْفِ
يُشَكِّكُنِي في تَاريخِ السَّيْفِ..
وَفي وَهَجِ الشَّمْسِ وَسِحْرِ الحُضُورِ
شَغَفِي الصَّاعِدُ المُتَصَاعِدُ في حَلَكِ اللَّيْلِ
سَحَائِبُ أُخْرَى وَوُعُودٌ تَتَوَالَدُ بالرَّغْمِ من حَرَسِ الحُدُود
مِنْ بَحْرٍ آخَرَ في فَصلٍ آخَرَ، يَمْلأُ بِالشَّمْسِ كِيَانِي
فَلْتَسقُطْ هَذِي السَّراديبُ عَلَيْكِ وَهَذِي السُّدُود
لا خَوفَ مِنَ المَوتِ علَيكِ..
الموتُ في الموتِ حَيَاة

2
كَمْ رُفِعَتْ عَزيزَتي حَولَكِ أَسْوَار
وَهُدِّمَتْ أَسْوَار
كَمْ دَخَلَتْ عُيُونَكِ الخَضْراءَ عَنْوَةً وَأَضْرَبَتْ كَتائِبُ التَّتَار
وَكَمْ بَغَتْ في صَدْرِكِ الطيِّبِ أَنْهَارٌ مِنَ الأَحْقادِ وَالدَّمار
وَكُنْتِ دائِماً جَليلَةً جَلاَلَ قَطْرَةٍ مِنْ مَاء
تُغَالِبينَ اللَّيْلَ هَذا الضَّارِبَ الأُجاجَ.. تَعْرُجينَ فِي الفَضَاء غَيْمَةً.. تُفَتِّحِينَ أَبْوَابَ السَّماءِ
فَإِذا الهَوَاءُ يُصبِحُ وُعُودًا وَوَعِيدَا ..
وَإِذَا الأَرْضُ تَطِيرُ فَرَحاً جَدِيدَا

3
أَعْرِفُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هَاهُنا يَسْكُنُهُ السُّكُونُ
وَالكِتْمَانُ الآن
وَيَرتَدِيهِ الزَّيْفُ والبُهتَانُ وَالحيطانُ العَالِيَهْ
أَعْرِفُ أَنَّناَ نَخَافُ اللُّجَّةَ الهَوْجَاءَ كُلَّ الخَوْف
نَحْنُ الَّذِينَ نَدَّعِي عُنْوَانُنَا أَرْضُ العُيُونِ الصَّافِيَهْ
يَا جُرْحَنَا المُزْمِنَ يَا بَليغَ الجُرحْ
مَتَى سَيَبْدَأُ السُّقُوطُ السَّمحْ ؟
مَتَي، مَتَى نَسْقُطُ مِنْ هَذِي الأَعَالِي الخَاوِيَهْ
أَيَّتُهَا الحَبِيبَةُ الأُولَى.. مَتَى نَسقُطُ مِنْ حَالِقِ هَذِي
الهَاوِيَهْ ؟
أَدْري لِمَاذَا خَبَّأَتْ غَابَاتُكِ الوَلْهَى هَوَاءَهَا وَمَاءَهَا
وَغلَّقَتْ في وَجْهِ كُلِّ طَائِرٍ طَارَ سَمَاءَهَا
وَسَحَبَتْ ظِلاَلَها الغَنَّاء
لَكِنَّنِي المَفْطُومُ كَالنُّورِ أَنَا عَلَى الرَّحِيل فيك
هَذَا جَوَازُ سَفَرِي الجَمِيل..
بَعْضُ صَفْحَةٍ خَضْرَاء..
مِنْ عَيْنيك

4
أَخْرُجُ أَنَا الصَّدِئُ مِنْ جِلدَتِي
مِنْ كَابُوسِ هَذَا الجَبَلِ المَطْعُونِ الوَاقِف
عَلَى الضِّفَّهْ
أَتَعَرَّى كَأَجْملِ صَفْحَهْ
أُحَلِّقُ فَوْقَ النَّارِ فَرَاشَة
أَدُكُّ جُدْرَانَكِ بِالعَوَاصِفِ وَالأَمْطَار
أُعِيدُ إِلَيكِ.. بِحَرَارَةِ يَدَيَّ.. وَكُلُّ العِشْقِ في عَيْنَيَّ
وَهَجَ عَيْنَيك..
وَلَذَّةَ العُنْفِ عِنْدَمَا يُفَاجِئُ العُنْفُ الجَمِيلُ
كَتِفَيك
أُقَلِّدُكِ حُمَّى الأَسْفَار
أَجِيئُكِ عَبْرَ ضَوْءٍ لاَ يَمُوتُ،
مِنْ هُمُومِ العِشْقِ..
مِنَ التُّخُومِ أَجِيءُ.. مِنَ الأَقَاصِي..
مِنْ خَرَائِبِ النُّجُومِ.. وَمِنْ أَجِنَّةِ النُّجُوم
عَبْرَ شَارِعٍ يَبَاسٍ..
لاَ تَدْخُلُهُ رِيَاح
لاَ يَسْكُنُهُ غَيرُ الحُرَّاسِ وَالأَصنَام
عَبْرَ هَذَا الشَّارِعِ الحَرَام
أَجِيئُكِ كَالعَاصِفِ يَجتَاح
أَزْرَعُ وَجْهَكِ الذِي تُرِيدُ أَنْ تَهُدَّهُ الأَيَّام
بِالخِصبِ وَالأَفْرَاح
نَخْرُجُ يَوْماً عَلَى الدُّنْيَا عَالَمَيْنِ فِي عَالَم
خَطِيئَتَيْنِ فِي وَاحِدَة
نَأْتِيهمْ مِنْ تَاريخٍ لَمْ يُؤَرَّخْ
نَبْزُغُ مِنْ تَارِيخِ الرَّوْعَة
نَحْضُرُ هَذَا الحَفْلَ المُتَقَادِمَ حَفْلَ الجَمَاجِم
لاَ نَجلِسُ عَلَى كُرْسي..
لاَ نَقِفُ..
لاَ نَقْنَع..
نَظَلُّ خَارِجَ الصَّفِ المُهَتَرِئِ المُقَنَّعْ
نَدْخُلُ نَسْغَ الأَنْقَاضِ..
نَفْسَخُ تَارِيخَ كُلِّ مَنْ فِي الحَلَبَهْ
وَنَبنِي بَيتاً.. كَالسَّفَرِ بِلاَ بَابٍ
وَلاَ عَتَبَهْ
جُدرانُهُ هَذِهِ الأَحْلاَمُ
وأَرْضُهُ عَرَبَهْ

2/1/1981م

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أُلقيَتْ في أمْسية شعرية بمدينة وهران/الجزائر يوم 22 - 5 - 1981م
ونُشِرَتْ بجريدة الجمهورية الجزائريّة يوم الاثنين 25 - 5 - 1981م
أُعيد نشرها في مجلة الحياة الثقافيّة (تونس)العدد 16– 17 / 1991

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(فِي رِحَابِ اللَّيْلِ المُزْمِن، تليه الكوريدا أو أسماء أخرى للموت واسم للحياة، ص 11 - 20)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى