نزار حسين راشد - من مفكرة موظف.. قصة قصيرة

اتركي أورقك تنام على المكتب،وارفعي بصرك لتشاهدي العالم في تقلُّباته المدهشة،لا ترتكبي الخطيئة التي ارتكبتها أنا، قبل أن أُطرد من جنّة الأوراق،إلى هامش الإهمال والإنكار!

اتركي أوراقك بيضاء ناصعة، لأنّ تسويدها يزعجهم،يقاطع مخططاتهم الماكرة في منتصف الطريق،ويعيدها إلى أول الطريق ليرسم لها مساراً جديدا،وحيث أنّ السواد لا يُمّحى بدون أن يترك أثراً،فسيجدون أنفسهم مضطرين وقلوبهم مملوءة بالغيظ،أن يعيدوا ترتيب الأشياء،وفق ما خطّته يدك،ويخسرون صفقاتهم،ولذا فسيكيدون لك كيدا،وستنتهين حيث انتهيت أنا في أسفل سُلّم الطموح،وستصابين بصدمة،بحكم طبيعتك الحسّاسة،وإحساسك المرهف!

أمّا قصّة نجاتي من هذا المصير المؤلم،فسيسرّك سماعها على أيّة حال،فبعد أن وجدتٌ نفسي منبوذاً على شاطيء مهجور ،وحيداً ومتعباً، بعد أن خسرت معركتي لقطيع الثعالب والذئاب،وانسحبت مرغماً،أخذتني غفوة في ظلّ رضا الله وراحة الضمير،وهي المكافأة الوحيدة التي فزت بها في نهاية هذا السباق المرهق،وصحوت من غفوتي بلاندم،ولكنّي نظرت خلفي،إلى جراب حياتي الفارغ،لا حُبّ كبير،لا رصيد أمان يقيني غوائل الأيام،فابتسمت بلا ندم معانقاً قدري،وراضياً تماماً عمّا فعلت،فعلى الأقل كشفت عنهم الغطاء،وملأت قلوبهم غيظاً،وقلت موتوا بغيظكم،وكنت سأقنع من الغنيمة بالإياب،حين سمعت حفيف خطواتك،وهي تتعالى حثيثاً وكأنها متّجهة إلى مقرّي النائي،الذي لا يقصده القاصدون،من أصحاب الحاجة،ولا حتى الأخلّاء والأصدقاء،فلم يعد لأحد حاجة بي!

لعلّه كان يومك الأوّل،وكنت تستفسرين ببساطة المبتديء عن شيءٍ ما،غمرني حضورك بالسعادة،آنسني كثيراً هذا الحضور،وكنت سعيداً بإرشادك وإسداء نصائحي المجّانية،تلك التي تُشعر الموظّفين القدماء بالتفوق،فيتقمصون دور الخبراء!

أما المفاجأة الكبرى،فكانت حين وضعوك على مقربة مني، وكأن يد القدر قد طوّحت بي إلى هذا المُعتزل ،لُتهيّئ لنا كُلّ أسباب اللقاء،وأصبحتُ ألعب دور مرشدك الروحي،الدور الذي تبدّل شيئاً فشيئاً إلى دور العاشق،على غفلةٍ مني ودون وعيٍ لسرّ هذا الإنجذاب والمثابرة على زيارة عُشّك الصّغير،وحين تهدلين بالترحاب،كحمامةٍ جميلةٍ بيضاء،يرقص قلبي فرحاً!

لا زال قلبي يهزج بقصائد حُبّك بعد كُلّ تلك السنوات،وكأنّ شيئاً لم يحدث، وكأنّك لم تمضِ في طريق حياتك،خارج خطوط خريطتي،لا بأس، فقد كان صعباً أن تتوحّد طرائقنا،ويُحتّم علينا أحياناً أن نستسلم للظروف،ولكنّي كنت أنا الذي قدّم لك تلك النصيحة الصّغيرة عن الفجوة التي يصعب ملؤها،حين سألتني ببراءة طفوليّة لم تخلُ من مكر، عمّا إذا كانت مثل تلك الفروق تعني شيئاً،أو تقف عقبة يصعب القفز فوقها!

على أية حال،فأنا لم أكُفّ عن حُبّك أبداً وإن افترقت طريقانا،ولا أزال أشعر بالمسؤولية نحوك،ولذا سأقدّم لك نصيحتي الذهبيّة،لا تسرفي في الإخلاص والتفاني حتّى لا تنتهي إلى ما انتهيتُ إليه أنا.ولأنّك لن تُغيّري العالم،فلا تعطيهم الفرصة ليحطّموك،فأنا كان أمامي بدائل، رُبّما لا تتاح لك،وربّما كنتِ أنت منقذي دون أن تعي أو أعي!

ارفعي بصرك واستمتعي بمشاهدة العالم وتقلّب أحواله،ولا تدفني رأسك في الأوراق الكئيبة،ولا تملأي الحواشي بالتعليقات والتصحيحات،فأنت في غنى عن كراهيتهم لك!

وأخيراً أنا في انتظار إشعارك باستلام رسالتي لأني على

يقين إذا وصلتك فإنّك ستفهمين ما أقول وستعملين به حقّاً!مع تمنّياتي بالسّعادة كُل السّعادة،وأرجو أن أكون قد رسمت لك طريق النجاح!

نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى