مهند يونس - شواطىء القدس..

"ابنتي العزيزة ، أعلم أنكِ عندما تصحين من أثر المخدر ، لن تجديني بجوارك ، وأنتِ تعلمين كم يؤلمني ذلك، اني خَجِلٌ من نفسي أمامك ، خجل من شعري أمام شعرك الناحل ، وجسدك الهزيل ، وعيناك الغائرتين . لا أستطيع مهما حاولت أن أبرر عدم وجودي بجانبك بعد الآن ، أتمنى لو كنت أمنية محققة لكِ ، أو صلاة لا تردها السماء ، أتمنى لو كنت قويًا كالموت ، كالقهر، كالعجز، كاليأس . أتمنى لو كان بابانويل حقيقيًا ، لو كانت جنية الأسنان حقيقية ، لو أن المرض يضطر للهروب من جسدك قبل منتصف الليل كسندريلا . لو أن البحر يمتد حتى مستشفى المقاصد لتطلي من شباك غرفتك علية وتريه ولو لمرة واحدة كما تمنيتي دائمًا ، لو أن دموعي تكفي لبحر . حبيبتي ، كيف بامكاني أن أكون جميلًا مثلك ، كنت دائما ما تقبلين رأسي ، وأنا الآن خَجِلٌ من تقبيل رأسك ، كنت أجد يدًا تداعب وجهي كل صباح وتقول لي : بابا قوم على شغلك . والآن لا أملك يداي لتداعبا وجهك الملائكي ، أخاف أن تستيقظي و تتذكري الألم . أريدك أن تعودي لكي تفعلي كل الأشياء التي كنت أوبخك على فعلها ، أريد أن تكسري كل الأواني ، وتقطفي كل ورود الحديقة ، وتسكبي العصير على السجادة .

أريد أن تعودي لنفعل كل تلك الأشياء المؤجلة سويًا ، في كل مرة كنت تطلبين مني أن أصطحبك لمدينة الألعاب وأنسى لانشغالي ، تعالي سنقضي العمر كله هناك ، في كل مرة كنت تطلبين دفعة اضافية على الأرجوحة ، عودي أرجوك، سأدفعك حتى يأكل صدأ الأرجوحة يداي ، فقط عودي .

أراكِ في كل طفلة فَرحة بشعرها ، وأقول في نفسي ، شعر ملاكي كان ليكون أجمل ، أراك في الأطفال العائدين مصطحبي شهاداتهم ، وأقول في نفسي ، ملاكي كانت لتكون متفوقة أكثير ، أراكِ في مرح الأطفال ، أرى جزءًا مفقودًا من الطفولة في عيونهم ، أراك في زهر اللوز المتناثر . حبيبتي ، لا أريد أن أفقدك ، بل لا أستطيع أن أفقدك ، كنت أتمنى لو أقيم لكِ احتفالا بالتخرج من الثانوية ، لو اصحبتك للجامعة ، ولو أقمت لكِ زفافًا ، لا يمكن أن يكونوا كاذبين أولئك من قالوا لي : تشوفها عروسه حلوة ان شاء الله. أنا ذاهب الآن ، لأكون كل ما تمنيت أن أكونه ، ولأن الشعور بالعجز يقتلني كل يوم . ابنتي الحبيبة ، أنا آسف على كل اللحظات التي لن أستطيع قضاءها معك ِ ، لأنها لن تأتي أبدًا . أنا آسف ، لكني سأكون دومًا بالقرب منكِ . هل تتذكرين حين كنا نصعد سوية للسطح ، وأرفعك على كتفي لكي تلتقطي النجوم ، كنتِ تسألينني حينها ، أين نذهب حين نموت ، فأشير لكِ الى السماء المطرزة بالنجوم ، فتبتسمين ، سأكون هناك يا حبيبتي ، فقط لا تجعلي شيئًا يسرقك من الحياة ، واذا افتقدتينني يومًا ، فقط ارفعي ناظريك الى السماء.

"ترك الرسالة ثم مضى . كان مجبرًا أن يمضي ، ذلك الأب المقدسي ، الذي كان بين نارين ، اما أن يبيع منزله لليهود أو أن يهدمه بنفسه . كانت ابنته الصغيرة تعاني من السرطان ، وهو بأشد الحاجة للمال .

سمع المسئول الفلسطيني يقول عبر الفضائيات بأن الحكومة تدعم أهالي القدس ، توجه لمكتبه ، فرده خائبًا . في طريق عودته أراد أن يصلي بالمسجد الأقصى ، فغُلقّتِ أمامه . أطلق عدة رصاصات في وجه الجنود ، ثم مضى ، كان مجبرًا أن يمضي

. ***** مهند يونس*

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى