فتاح خطاب - مرايا بلياتشو.. شعر

خرج بلياتشو
من باطن الطبيعة الأم المثلى
وهو يضحك في العلن
رغم الداء والاعداء
ويبكي خفية
بصمت وإباء
***
نزل بلياتشو
مخّيراً والكتاب بين يديه يتجلى
كتاب تنبض فيه أبجديات الحياة
الحياة كما أبدعتها آلهة الخير والخصب والجمال ..
لم يمسها جنون البشرية
لم تقننها شرائع الجاهلية
لم تنل منها الشطحات الجنونية الفردية
لم تشوهها نظريات اللاجدوى
لم ترهنها إرادة القوة
المستبدة، لقاء كل صولات وجولات
تخريبية، دموية
في حروب وغزوات عقائدية
***
فكانت النفوس والأرواح فيها زرقاء صافية
كالبحور والسماوات اللازوردية
والاحلام وردية كما الرؤى الطفولية

***
ارتقى بلياتشو
والاضواء تتباهى بإيماءآته الجذلى
وبراءته الفضلى
لينشر بين الناس
كل الناس، بلا تفرقة او حسبان
عصارة فكره ومكنونات قلبه
من مشاعر الحب والجمال
وقدسية إنسانية الإنسان
فتصور أي مهرجان يضاهي
لقاءآت المحبة والتكامل والمناشدة
من القلب إلى القلب
كُتل، تشكيلات وثنائيات منسجمة، متجانسة
من الذكر والأُنثى
كما خلقهما الله
ليتعارفوا، يتحابوا ويختاروا
بلا وكيل او مسيطر او خذلان
حياة أمّا هي
وجوه مشرقة شفافة
عيون تضحك
قلوب تخفق
شفاه تعتسل فرحاً
وأيادي طليقة تلوح شوقاً وإعجاباً
وتصفق ثناءً وإمتنانا
......
وإذا بالأعلام السود ورايات القراصنة
تلقي بظلالها على مشارف المدينة المسالمة
والحناجر الخشنة تصم الآذان
ما جعلت الحمامات تهجر إعشاشها
والأطفال ملاعبها
والصبايا عشاقها..
خوفاً وفزعا

***
ها هو بليادشو
يدخل معترك الحياة مسيّراً
بين اُناس، عاديين، سُفليين
متنافرين، عدوانيين
***
لم يكن يعلم بأن الحياة السفلى
ستقوده إلى مالا تحمد عقباه
والناس تشمت بأنه
قد نزل في زمن ليس بزمانه
زمن يرتقي فيه ذوو القلوب الغليظة ،المتحجرة
ممن ثقلت ضمائرهم بالأثام والجرائم الكبرى
ورجال مقنّعين بالرياء والنفاق والمهادنة
أمّا الذين في جنباتهم قلوب تنبض حباً، خيراً، جمالاً وإنسانية
يُتركون في الظل بهمومهم، خيباتهم، أرقهم وأحلامهم المسروقة
مصلوبين على جدار الصمت والانتظار المميت
***
أجال بلياتشو بنظره فلم يرى سوى
أُناس بلا وجوه، وجوه بلا عيون، عيون بلا رؤية
مموهين، مواربين، متصنعين
ضحك بلياتشو في سره وهو يقفز في الهواء
ثم يستقر كالرمح، ماشياً على يديه
فأنقلبت الدنيا في ناظريه
أحذية تعلوا
قبعات تنكس
ضحك بلياتشو مقهقهاً
فأثار فضول المارة
تجمعوا.. تسائلوا..
إذ لم يروا مخلوقاً من مخلوقات الله التعسة
يضحك.. يضحك ويمشي على يديه
ضارباً كل التقاليد والأعراف عرض الحائط
والضحك بلا سبب من قلة الأدب
فكل من لا يشبه الآخرين، هو كائن ساقط
فأنبرى بلياتشو دفاعاً عن وجهة نظره
ملفتاً أنظارهم إلى مخلوقات الله الجميلة
من الطيور والزهور والزواحف والدابة
فالطيور على أشكالها تقع وترفرف
والزهور بألوانها وطيوبها وفوائدها تُعرف
أمّا أنتم، في الشكل والمضمون
كألحاد القبور تتشابهون
والشبه هو الموت والإنعدام بعينه
***
خرج من بين الجموع أشطرهم
ليمارس هوايته القديمة
ألا وهو البحث عن النفائس والعجائب من الاشياء
ليقدمها إلى الباب العالي، لقاء عطايا مجزية
فخاطبهم الشاطر بكلمات ملغزة
وفور ما غمزهم أنفض الناس من حوله
ماهي إلآ نظرة، ضحكة ،عناق ومشية
حتى وصلا إلى الباب العالي
ومن هناك بدأ المشوار
***
استلطفه الأب الروحي ودعاه إلى خلوته
موضحاً له إلتزاماته
* عدم الخروج من قصر الرئاسة
* عدم التكلم في السياسة
* تبديل الأقنعة حسب أمزجة الأخوة الاعداء
والتعامل معهم بكل أدب وكياسة
ومرت الأيام والشهور والاعوام
حتى مات الأب الروحي من الضحك الدائم
خائراً، مهزوماً
أمام شرارة عيني بلياتشو
أمام تساؤلات بلياتشو
أمام بلاغة بلياتشو
أمام مرايا بلياتشو
أمام إنسانية بلياتشو
مات مفتوح العينين، مزموم الشفتين
مستلاً بيده اليمنى مقبض سيفه
وكل الدلائل تشير بأنه
قد مات نادماً..
نادماً على مسألة تخص بلياتشو
L’image contient peut-être : une personne ou plus

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى