روزيت حداد - حياة مؤجلة.. قصة قصيرة

في كل مرّة أزورها، أجد ملامح الخيانة بادية على وجهها، أُهمِلها، أبتعد عنها، لكن كيف أعود، في أي ظرف أعود، لماذا أعود….حتّى الآن، لم أستطع سبر هذه العلاقة المزعجة بيني وبينها ولا كُنْه الاشتياق إليها.
لزيارتي طقوس لا أستغني عنها، لها صلة في توطيد أواصر الودّ أو عكسه: أصفّف شعري، أضيف بعض المساحيق على وجهي، وأحمر الشّفاه، أرتدي ثياباً أنيقة، حتّى أنّي أنثر أجمل عطر لدي، أنتعل الكعب العالي. أطمئنّ على مظهري وأخطو إليها، أمسد شعرها الذي مازال حريريّاً، أزيل حزنها لغيابي، أحدّثها، تتمعّن في كل كلمة أقولها، تتأمّلني بشفقة، مما يزعجني، تسألُني مؤنّبة: -لماذا أنت وحيدة؟
ماذا أجيبها؟. هل أقول لها أنّ من أحبّني بصدق غادر بلا عودة، ومن أحبّني لمصلحة، أخذ كلّ شيء ولم يعد لدي ما يجذبه، هل أقول أنّ الآخرين لهم حياتهم ومشاغلهم الكثيرة ممّا يحرجني أن أشكو لهم وحدتي…..
في زيارتي الأخيرة لها، كانت تجاعيد وجهها عميقة وشاحبة، وكانت عيناها غائرتين وباهتتين؛ تحسّست وجنتيها وخصلات شعرها المشاغبة، اعتذرت لها عن قسوتي، هممت بتقبيلها؛ تشظّت على الأرض، كل قطعة منها فيها بعض منّي، حاولت إعادة ترتيبها كلعبة البازل (Puzzle)، وقعتُ في حيرة وارتبكت وفشلت، حزنت، حتّى أنّي لم أستطع الرّدّ على الهاتف بصوتي المرتجف. بعد محاولات اتصال عديدة، سمعت رسالة صوتيّة: أين أنت، افتحي الباب!
صوت لملم القطع المتناثرة جميعها في لحظة ولادة جديدة وأعادها إلى شكلها الحقيقي وأجمل، مسحتها دمعة فرح فمنحتها بريقاً ورديّاً ودبّ فيها دبيب الحياة.



روزيت عفيف حداد/ سورية
حياة مؤجلة.. قصة قصيرة. بقلم: روزيت عفيف حداد/ سورية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى