جاسم المنصوري - مسرحية لاصق

شخوص المسرحية

· المتهم .

· المحقق .

· الشرطي .

· مجموعة من الممثلين .


المشهد الاول

(( داخل زنزانة ...... ))


المتهم ( بصوت باهت ) : السجن صديق المظلومين ، يتنفس معهم ، يضحك بحسرة معهم ،

السجن ، عذاب وقلق المدانين ، الحافرون على الحائط سنواتهم الماضية

والباقية ، اشتهي ان اشم هواء الله النقي ( يسحب نفساً عميقاً ) ما اعفن

هذا الهواء ، القضبان هذه ( يمسك بها ) هي الفاصل بين ان تكون

محترماً او تنام تحت انظار الناقمين عليك .... السجن ( بصوت هادئ )

هو الحد الفاصل بين جميع الناس ، وكأنه عنوان مغاير للطهر والشرف ،

كي تكون نقياً وطاهراً عليك ان لا تدخل الى السجن .

( يمد يده الى قفل الزنزانة )

هذا القفل اللعين في بعض المرات يفتح لك صناديق الكنوز وفي مرات

اخرى يقهر المساجين ، العصافير وحدها تعرف قيمة هذا القفل بل تعرف

قيمة الزنزانة هذه ، فتراها لا تبني اعشاشاً فيها كي لا تورث العبودية

لصغارها ، حكيمة هي العصافير ، حسناً لا بد انكم تتساءلون كيف جئت الى

هنا ( يضحك ... يقرب رأسه للقضبان ) هل سألتم يوما بائع العصافير

والبلابل عن تهمة العصافير، وما الذي فعلته ؟، كي يحتجزها ها هنا ؟؟؟ اذا

عليكم ان لا تسألوا ، هل سألتم يوما المتسول في الشوارع عن سبب تسوله

في وطن اقل ما يقال عنه متخوم بالنفط والمال ، حسناً ... حسناً لا اريد

اجابتكم ، فأنا ها هنا ، مسجون بين هذه الجدران الاربعة الخرساء ،

( يقف على طاولة داخل الزنزانة )

ايها السادة الاحرار او ايها السادة يا من تجلسون الان خلف هذه القضبان ،

هل سألتم يوماً عن سبب مقنع يجعلكم ها هنا ... وانا هنا ... يا ايها الناس

العبرة ليست من هو الداخل والخارج ... الابواب تقفل كي تحافظ على

اسرارها .

( ظلام يلف المسرح الا من ضوء فوق المتهم )

اخاف الظلمة ، الضوء هو الحياة ، بعد الان لا تطفؤوا الاضواء ، دعوا السماء

تفعل فعلتها ، ضوء النجوم ارحم ، اخاف الظلمة ، لا تسلبني الضوء رجاء ،

ارجوك ، ارجوك فك وثاق الضوء ، الظلمة سجن اخر ، سجن اكبر من عمري

وحظي ، سياطك الهوجاء ما عادت تنفع في تهديدي ، انا احمل رأس يابس كما

تقول امي ... امي .... امي ، البحر والقضبان تفصلنا عن بعض ، ما كنت اعلم

ان البحر بهذا الجبن ، يختطف الماشين الى الفرح ، البحر هو الاخر سجن لكنه

ملوث بالماء والحسرة والقهر ، البحر والقضبان الان هما سجني ، من ينتصر

على من !.... ( يضاء المسرح ) شكرا للضوء ، خذ كل الاشياء واعطيني

ضوءاً ، العمر اقصر مما اتصور لكنه اطول من عمر الظالمين ، عمر الظالمين

قصير .... قصير ... قصير .

( يدخل المحقق وبيده كومة اوراق وشريط لاصق ، ويتبعه الشرطي ، يدخلان الزنزانة )

المحقق ( يخاطب المتهم ) : هي ... هي انت ... ايها المتهم الملعون . ( المتهم يجلس ارضاً ويداه خلفه تماماً )

المحقق : ان صوتك نشاز ... نشاز ايها الحثالة .

( يقترب من المتهم يلف فمه بالشريط اللاصق ، يغدران الزنزانة )

المحقق : من الان سوف لن اسمع صوتك المهبول هذا .... سأنام الليلة بهدوء .... (يضحك ) خذ نفساً

عميقا ، الغرقى مثلك مساكين ... ها ... ها .. ارى في عينيك عتب ومرارة ، لا تستح قل ..ها

...ها .... لا اسمع

( يقترب من وجه المتهم )

تكلم ... قل شيئاً ... ما بك هل خرست ؟

( يمشي بخطوات واثقة امام المتهم )

هذا المعتوه ( للجمهور ... ويشير الى المتهم ) يطالب بحقوق المظلومين في زمن لا مظلوم ولا

ظالم .... تطالب بحقوق من ؟ ( يخاطب المتهم ) ثم من وكلك محامياً عنهم ؟ ها ... من ؟

( المتهم يقف على قدميه ويخرج صوته من خلف شريط اللاصق وسط ذهول المحقق والشرطي )

صوت المتهم : المظلومون ينامون الان بسعادة .... كن مظلوما ....

المحقق ( يدور الى الجهات الاربع ) : من اين يأتي هذا الصوت اللعين ؟

الشرطي : لا ادري يا سيدي ... لا ادري ،

المحقق ( يصرخ ) : هل تسمع مثلي ؟ ها ...

الصوت ( ضحك ) : هههههههههههههه ... صوت المظلومين اكبر منكم ، يخرج كطائر يسبح في

السماء ، صوت المظلومين كنهر يغسل الشواطئ من درن القبح والمرارة والجبن

والعهر ...

المحقق ( للشرطي ) : افتح هذه الزنزانة اللعينة ...( يصرخ ) افتحها .

( الشرطي يخرج كومة مفاتيح ويجربها بسرعة لكنه لا يستطيع فتح الزنزانة ... يتأخر )

المحقق : افتحها ايها الاثول ( بقوة ) افتحها ... ( يدفع شرطي ، يأخذ المفاتيح ، يجرب هو )

سأدخل الان ... واقتلع هذا الصوت من حنجرتك الكريهة .

المتهم : لا تستطيع ( يضحك ) هههههههههههههه الصوت اكبر منكم .... ما نفع اللاصق والحق

كالشمس ، حاول .... حاول .... ستضل تحاول لكن البقاء للسماء والحرية ( يضحك ) هههههه

المحقق : اسكت ... اسكت ، ( لا يفتح الزنزانة ، يرمي كومة المفاتيح من يده )

الشرطي : سيدي دعه .... سنغير كليون المفتاح غدا .

المحقق ( للشرطي ) : او ينتصر علي هذا الجرذ ؟، لا ، لا بد ان هذا اللاصق مغشوش ، او مثقوب ، نعم

نعم ، والا من اين يأتي صوته ان كان اللاصق محكما ؟... اللعنة عليكم حتى هذا

اللاصق مغشوش ( يمسك بما تبقى من اللاصق ) انه مصنوع في ( يسكت )

الشرطي : سيدي دعه الليلة وغدا سنجبره على السكوت .

المحقق : كل المحققين يطلبون من المتهمين الكلام .... الا انا اطلب من هذا السكوت .... فقط ان يسكت ،

صوته يخرم الاذن ... احقق معه منذ اشهر ...لا اريده ان يتكلم ... لا ...لا ..اريده ان يسكت

( صوت لجمهور وكأنه في مظاهرة وسط الشوارع ... هتافات مختلفة )



اظلام















المشهد الثاني

( الشريط اللاصق يلف كل المكان ..... لونه الغامق يصبغ الجدران والزوايا ... حتى قضبان الزنزانة ملفوفة به ، المحقق والشرطي يقفان خلف القضبان وعلى فمهم شريط لاصق، نصف المسرح الاخر خارج الزنزانة ، في احد الزوايا برميل نفط مكتوب عليه بخط عريض -.... لنا - يخرج من خلفه المتهم )

المتهم (يشير الى البرميل ) : القصة هنا ... الجرح هنا .... القهر هنا ... الخوف هنا ...هنا ...هنا

( يدور حول البرميل )

تحت هذا الحديد يقبع شيء ما ، ينام شيء ما ، هذا ( يشير الى البرميل )

مثل جسد الميت حالما تلامسه ..... ( يسكت ... للجمهور) اكمل انت ، لكن

تحته الف حكاية وحكاية ...كل احلام المساكين تنام تحته ، لا تستغرب ، وحده

الوطن يعرف قيمته ... يقدره ، يطلب منا ان نتقاسم اشياؤه بالتساوي ،

بالمعقول ، لكن من هذا الذي يقبل بالمعقول ، الآكلون للحوم يفترسون كل

شيء ، كل شيء ( يجلس فوق البرميل يضحك ) هههههههه من يتصور اني

اجلس فوق هذا الشيء ... من ؟؟؟؟ على هذه الكتلة الحديدية زهقت اروح

تذابح المتنافسون ، تقاتل السراق والمعتوهون والفجرة .

( يقلب البرميل ، يدور به على الارض ... تتساقط منه لعب ودمى اطفال ... ملابس عسكرية ملطخة بالدم ، عباءة امرأة ، سعف نخيل ، صحف ، واشياء اخرى يراها المخرج تناسب الحدث ...الاشياء تتوزع وسط المسرح )

المتهم ( يغني بصوت حزين وموسيقى مناسبة اغنية غريبة الروح ) : غريبة الروح ... غريبة الروح

لا طيفك يمر بيها ... ولا ديرة تلفيها

غدت ويميل هجرانك ترد وتروح

وعذبها الجفه وتاهت حمامة دوح

آه غريبة الروح ....

( تكتمل الاغنية بصوت مطربها الاصلي )

( الظلام يلف المكان ..... ليظهر بعد ذلك المحقق يمسك بيده سوطا والشرطي خارج الزنزانة والمتهم داخلها ، الضوء فقط للمحقق والشرطي )

المحقق ( للشرطي ) : ما هذا اللون الذي يلطخ الحيطان ويصعد نحو السقوف ؟

الشرطي : اين يا سيدي ؟

المحقق : انت اعمى .... ( يشير الى كل مكان ) هنا ... وهنا ... وهناك

الشرطي : عفوا ... سيدي ( يقاطعه المحقق )

المحقق ( يلوح بالسوط عالياً ): اسكت يا اثول ، هذا اللاصق اصبح يخنقني ،( للجمهور ) اصبحت واثقا

جدا ان الافواه لا تكممها اللواصق ، لا تخرسها الاشرطة بكل انواعها

( يضع يديه على رأسه وبوجع )

آه ... آه رأسي يكاد ينفجر ، جربت كل ما تعلمته من مهارات التعذيب

والتنكيل مع هذا المتهم الارعن لكن دون فائدة تذكر ، انا لا اريده ان يتكلم ،

فالتهمة جاهزة ، لكن اريده ان يسكت ... يسكت يا إلاهي ....

صوت المتهم : ستضل تأن ...

المحقق : اسكت ... ( يضرب بالسوط الارض )

صوت المتهم : الضمير يصرخ دائما .

المحقق ( بوجع ) : اسكت .

صوت المتهم : لن تستريح ابداً .

المحقق : قلت لك اسكت ... اسكت .... ( يفر السوط بكل الاتجاهات )

صوت المتهم : لم افعل شيء ... كل ما فعلته اني قلبت البرميل ذاك .

المحقق : وهذه وحدها جريمة .... اسكت

صوت المتهم : اني كشفت المستور ... كشفت عهركم وقبحكم ونذالتكم .

المحقق ( بتوسل ) : ارجوك ... اسكت .... اسكت

صوت المتهم : الى متى ستكممون الافواه ؟

المحقق : مثلك لا يمكن له ان

صوت المتهم ( يقاطعه ) : ان يعيش ... ان يتنفس ... حتى الكلاب ها هنا تعيش ، حتى الحشرات

المحقق : الحشرة افضل منك ، لأنها لا تكشف الم....

صوت المتهم : جروح المغدورين على ضفاف النهر .

المحقق : من انت ؟

صوت المتهم : صوت الفقراء .... وجع الامهات .... عزاء الاباء ، خوف العشاق ، ذل المحرومين .

المحقق : انت اسخف من ان تكون ... اسكت ( يلوح بسوطه)

صوت المتهم : ستموت بسوطك هذا ، سيقتلك حتماً.

( المحقق يرمي السوط من يده وكأنه لمس شيء حار جدا)

المحقق : انت كذبة .. انت مجرد لا شيء ... كذبة ( يضحك ) هههههههه .

صوت المتهم : ولتكن كذبة ، لكنها ستحرمك النوم بهدوء .

( يضاء المسرح يظهر المتهم وهو يلف المحقق بشريط كبير حول جسده بالكامل ، فيدخل من كواليس المسرح مجموعة من الممثلين بلباس المحقق ويمسكون بيدهم اسواط ولواصق ، يدورون حول المتهم )



ستارة



اظلام







تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى