كتاب كامل جورج سلوم - الفصل السابع من رواية عنق الزجاجة

الفصل السابع
-
مقاربة واقتراب..



كان موعداً مُتّفَقاً عليه في شقته .. وهيَ من طلب ذلك .. وهي تعرف موقِعَها لكنّها ما دخَلَتْها يوماً ..بالرّغم من أنّه كم حاول أن يُجرْجرَها إليها بسبَب وبلا سبب ..

لكنَّها اليوم هي من طلبَتْ ذلك .. وبإصرار

إصرارُها الغريب جعلَه مترقّباً لأمرٍ ما جلل .. قد يكون نقطةً تُنهي علاقتهما التي بدأت من سنوات .. صحيحٌ أنّها شهِدَت مدّاً وجزراً .. وجذباً ودفعاً .. لكنّها مستمرّة بطريقة اللاحرب واللاسلم .. ولم تنفتحْ ثغرةٌ ما في الحدود المُتّفَق عليها .. ولم يعبُرا بَعْد من عنق الزجاجة.

وقد تكون قرّرَتْ أن ترى العشّ الذي سيضمُّهما لاحقاً ؟.. كأيّ عصفورةٍ تحوم حول العش الذي سيحتضنها ، وتعرف أنها لو دخلَتْه ستطيرُ منه مثقلةً بالبَيض.

وقد وصف لها محتويات شقّته بأجمل وصف في يومٍ ما .. واليوم قد تكون قد جاءت لتقول له .. تبّاً لك أيها الكاذب .. وحبلُ الكذِب قصير وأنا لن أعيشَ هنا .. وترمي محبَسَ الخطوبة في وجهه؟

ومنذ الصّباح قام بترتيباتٍ كثيرة لأثاثه القديم .. والإكثارُ من معطّرِ الجو لن يمحو روائحَه المعشعشة .. ومَلءُ برّاده بأحسن الأطعمة اليوم لن يُنسيه ما كان يأكل .. وكان يأكل ما تيسّر

غرفة نومه لم يلقِ إليها بالاً .. فلن تدخُلَها خطيبةُ اليوم وزوجة المستقبل .. دعْها على فوضويّتها .. أو أقفِلْها .. فلو حاولْتَ سحبَها إليها سترفض طبعاً وتتمنّع .. وستقول له رويدك إنّ غدٍ لناظره قريب وقصّتنا على ما يبدو طويلة!

قد تستعمل مرحاضَه بينما يكون مشغولاً بتحضير القهوة .. لذا فلتكن صابونتكَ جديدة .. ومرآتكَ لمّاعة.. ومنشفتكَ الملطّخة والمبللة دائماً استبدلْها فوراً .. ضع لفّةً من المناديل الناعمة وكفاكَ تمسيحاً بورق الجرائد الجارحة .. كلماتُها المطبوعة مخرّشة حتى لمؤخّرتك .. يجب أن تكون نظيفاً يا هذا كما تراكَ ظاهرياً..

والتدفئة في هذا الشتاء البارد ؟..

قد تستغرب فَتاتُه المُختارة أنّه قضى شتاءاتهِ بلا وسيلة تدفئة .. فليستعِر مدفأةً كهربائية من جيرانهِ لساعةٍ فقط .. لابدّ من تدفئة المكان قبل زيارتها .. اللهمّ لا تقطعْ الكهرباء عنّا في تلك الساعة .. وأبعِدْ عنا فترة التقنين الفوضويّة .. يا كريم!

لا بأس فلتأتِ لدقائق وتلقِ نظرةً سريعة .. وبعدها ستتأبّطْ ذراعَه ويخرُجان إلى مكانِهما المُعتاد .. فقط لو يعرف لماذا قرّرت زيارَتَه اليوم في بيته المتواضع ؟

آه نسيْت .. الستائر ملفوحة بهُباب التدخين المزمن .. فليفردها ويجعلها مضمومة على بعضها فيضيع الإتساخ بين ثناياها..

وصورة والده المرحوم معلّقة على الجدار ؟.. فلتختبئ في غرفة النوم قبل أن تستهجن حُبَّه لوالده واعتزازه به .. يُزيلها باحترام قبل أن تطلبَ منه ذلك .. أو على الأقلّ سترمُقها شزراً..

لا تؤاخِذْني يا أبي فالموقف يتطلّب ذلك .. وبعد الزواج سأعيدها وهذا وعدٌ منّي .. وسأثبّتْ صورتَكَ العزيزة بمسمارٍ أدقّه أمام ناظريها .. ولتفتح فمَها عند ذلك .. سأريكَ يا أبي أنني سأكون رجلاً في بيتي .. سأكون نسخةً عنك..

وطرَدَ الفكرة من رأسه عندما تخيّل نفسَه مُمْسِكاً بالعصا ويضربها ليُخرِسَها .. كما كانت أمّه تتلقى العصيّ على أجنابها وجنَباتِها ، وهل تتحمّل ياسمينة الرّقيقة عصاةً واحدة من عصواتِ أبيه؟

وا أبي .. عصاتُكَ الخشبية تضرب بها أمّي وتنزعج منها إن قالت آه .. ثم تدخِلها إلى غرفتكما الصغيرة لتطعَنَها بعصاكَ اللحميّة وتنزعج منها إن لم تقل لك آه .. تريدها أن تتأوّه لطعَناتكَ طالبةً المزيد .. ونسمَعُها جميعاً من خلف الباب المُقفَل وهي تقولها لك .. آهٍ منكِ يا أمّي .. وآهٍ من آهاتكِ التي كنتِ تقولينَها له .. وكنّا نظنُّ كأطفالٍ أبرياء أنّه يتابع عقوبتكِ انفراديّاً !.. هل تعلمين أننا كنّا كأطفال نبكي خارجاً وأنتِ تتأوّهين ؟.. أو تتلذّذين ؟.. لست أدري!

أبي .. كنت أخافُ منكَ في طفولتي ومن غرفة التعذيب تلك .. أخاف أن تدخِلَني أنا أيضاً إلى تلك الغرفة وتغلقَ عليَّ الباب لتعاقِبَني .. فأقول لك الآه التي تحبُّها .. آهٍ منك ومن عصاتِكَ اللحميّة التي تفتخر بها كوسيلة للعقاب ..وما أخطأتِ العرب إذ سمّتها قضيباً .. وأيُّ قضيب ! .. ولذلك يقلّمون رأسه ويبرونَه بالمبراة ليغدو مؤنّفاً .. هه هه .. تلك هي الأنَفَة التي نعتزّ بها.

وماذا أيضاً ؟.. يجب أن يكون لديه باقة من ورد وهكذا يفعلون في الأفلام .. وقد يلحق أن يشتريها ولكنْ لا مزهريّة عندَه .. ولا يحبّ الورد أصلاً ويراه تافهاً .. ولو أحبّتْه هيَ .. مجرّدُ أعشابٍ قصيرة العمر وغالية الثمن ولو كانت ملوّنة!

وكم قال لها بأنّه يقضي أوقاتاً في الاستماعِ للموسيقى العالميّة وهو يفكّر بها .. إنه يكذب .. وقد تسأل عن مجموعته الصّوتية الضخمة التي وصفَها لها .. ولا مسجّلة صغيرة لديه .. ويمسك هاتفه الجوّال ويهزّه ويبتسم فهو مسجّلته وتلفزيونه وآلة تصويره ودفتر مذكّراته وساعته الجدارية وساعة يده .. هو مختصرُ حياته وملخّصُها .. سيصوّرها به؟..

نعم فليصوّرها إن رضيَتْ.. يتمنّى أن يصوّرها وهي تخلع ثيابها قطعةً قطعة .. وتركض لتقول له .. أرِنِي ولم تعجِبْني .. دعنا نعيدها وتضحك ويضحك لها بطريقة العدوى .. ويلكَ تلك الصور الفاضحة لكَ فقط .. لا تنشرها .. هكذا تخيّلها تقول بابتسامةٍ جذّابة وخجولة..

كان يبتسم وانقطعت أحلامه فجأة لأنّ جرس الباب يُقرَع ..

انتبه لا تسترسل بأحلامك فجرس الباب يُقرَع ... بل ويُقرَع أيضاً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى