ماماس مرير - "شعراتك حلوين".. قصة قصيرة

الضجر يبعثرها...
هي تدرك أن الوضع مرتبط بالروتين وأن عليها أن تتعامل مع وضعها بصبر، لديها رغبة كبيرة في التحليق والغرق في الفراغ حتى تنسى نفسها، برغم أنها مقتنعة تماما بأن هذه هي طبيعة الحياة، ضجر، وخلق أشياء تقتل هذا الضجر. لكن تجربتها في الحياة ضئيلة لا تذكر بسبب القيم والعادات والتحفظات، ورغم سنوات عمرها التي تتطلع نحو العقد الثالث لكنها لم تحظ بالحب، لأنه ممنوع ولأن من دقوا بابها كانت لهم طلبات، أقصد مصالح لا توجد لديها... الحياة أصبحت مملة هكذا: انتظار عريس يأتي أو لا يأتي!
عريس يأتي ليتفرج على البضاعة وعليها أن تنتظر موافقة العريس بعد كل معاينة
وقد يوافق وقد لا يوافق!
ما هذه الحياة؟
أحيانا تنفلت منها زمام الأمور وتتذمر من كل هذه الحياة التي أصبحت تخترع ما يزيد عن حاجتنا من الحزن والألم!
صرخة تحتشد في حنجرتها وصوتها يضيع ولا تستطيع إخراج الصرخة! إنها صرخة الولادة الحقيقية التي نحاول أن نعلنها بوعي وبإصرار، إنها هضبة مزهرة من التحدي والعصيان تبدو مقرفصة على قمة الروح والكثير من التحذيرات منصوبة حولها؟!
هل يعقل أن نجعل حياة إنسانة مبنية على موافقة أحدهم، وإذا لم يأتِ هذا العريس سيحولون إقامتها في الحياة، إلى سجن قسري وتحذيرات وتنبيهات، ومشاعر للشفقة!
إنهم يصنعون لنا ديباجة للألم والحزن والفشل ثم يخفون جرائمهم ضدنا بمشاعر الشفقة.
مواقع التواصل، الهواتف، الواتساب، الإيميلات، صحيح أن هذا يختصر المسافات، لكنه في نفس الوقت يزيد من مستوى الغرق في بحر عزلتنا واجترار حياة افتراضية أليمة. الإنسان رهين لعقله الذي يشوه الحياة تحت ذريعة الإبداع.
نقضي على حريتنا ثم نخترع لها قوانين وقيم للنضال من أجل الحصول عليها... قمة الهراء.
نسجن الطبيعة ونكبلها ثم نسعى لكي ننتج المزيد من الفن كي نستعيدها.... إنها ترهات العقل البشري!
أخي يقول لي دائما لا داعي للخروج كثيرا ومقابلة الصديقات، هذا يسبب له صداعا في الرأس، وعدم الإحساس بالاطمئنان عليّ.
قال لي كل شيء حولك جهاز لابتوب قنوات فضائية فلماذا أنت بحاجة دائما للخروج؟
هل يعلم أخي أن ما يجري في العالم الافتراضي أشد وأنكى....
حاولت كثيرا بناء علاقات ربما تخرجني نهائيا من هذا القبر لكنهم جميعا يختبئون خلف الجهاز من أجل متعهم وتبديد ضغوطات رغباتهم وكبتهم.
لا أحد يحب بصدق!
ولا أحد يتكلم بصدق!
كل واحد يمارس دور الذئب ويبحث عن فريسته المتاحة لينقض عليها وبعد ذلك يبحث عن فريسة جديدة!!
إنها لا تريد كل ذلك هي تريد فقط أن تتنفس كإنسان طبيعي!
أدركت أنها في سجن فعلا لا تخرج منه إلا نادرا " مثل الآن" وجودها في الشارع مجرد مسافة ستقطعها من المركز الذي تدرس فيه لغة إضافية قتلا للملل، إلى البيت.... إنها مخنوقة إلى حد الموت.
الحصول على عمل أصبح مثل الحصول على زوج.
يا إلهي أي مأزق وجودي هذا!
كان الشارع فارغا تماما إلا من وجود نادر لبعض المارة والجو بارد، درجة الحرارة تخترق العظام والمحلات التجارية تتلألأ أضواؤها لكنها تفتح في صمت بارد وساكن ورهيب.
في هذا الجو الراكد والهاديء والمهيب قليلا، فكرتْ أن تقوم بجولة لعل هذا قد يناسب مزاجها ويقتل بعض الضجر الذي ينتابها منذ زمن بشكل مستمر، ولأنها الفرصة المتاحة، لا خيارات لديها
ثم أنها لن تجد فرصة أحسن من هذه للتجول والمشي
من زمان لم تمش في هذا الشارع ...
دخلت أول شيء للسوق التجاري الكبير، ألقت نظرة على المحلات التي تعرض بضائعها من ملابس، وأحذية، واكسسوارات، فكرت أن تجلس لشرب فنجان قهوة في أحد المقاهي "بالمول" لكنها لم تُعجب بالفكرة. أولا هي وحيدة ولن تستمع دون رفقة! ثانيا خشيت أن تتأخر عن موعد وصولها إلى البيت.
خرجت من المول لتتجول على طول الشارع وتتفرح على واجهات المحلات، لم تكن بها رغبة لشراء أي شيء وأيضا ليست بحاجة لذلك... كانت فقط تسعى لتلبية رغبتها في المشي، فأرادت التفاعل أكثر مع هذه المناسبة النفسية الطارئة التي لا تحظى بها إلا نادرا.
وهي تقف مرة مرة، عند واجهات المحلات لتكتشف ما تحمله من جديد.
في تلك الأثناء انتبهت أن هناك شابان مفتولا العضلات "وحفرتل" أو هكذا تهيأ لها، يتبعان خطواتها مرة خلفها ومرة أمامها... حين أحست بذلك بدأت تثقل السير ليصبحا أمامها، لكنهما أيضا يتبطآن في مشيتهما.
يا إلهي؟!
ظل الموضوع مستمرا لمسافة طويلة، حتى تأكدت فعلا أنهما يتبعانها.
فكرت: ربما لصان ينتظران الفرصة المناسبة للهجوم على حقيبة يدها المعلقة على صدرها... فكرت في الأمر جيدا... انتابها إحساس غريب وارتبكت وطار المجاز الهاديء من رأسها.
فكرت في شيء: ربما حولها سيارة شرطة لتستنجد بها، لكنها تذكرت أنها بعيدة، كانت تقف بعيدة عند باب السوق التجاري الكبير...
الشارع فارغ ومناسب لسرقتها، ثم خطرت لها فكرة جهنمية: أن تسحب ممتلكاتها المهمة من الحقيبة؟
نعم نعم، هذه فكرة صائبة
وقفت عند واجهة محل للمجوهرات وكأنها تتفرج، أخرجت هاتفها ووضعته في جيب بنطالها وبخفاء تحت معطفها، ثم سحبت بطاقة الهوية وكل الأوراق التي في محفظة نقودها وبعض الأوراق المالية أيضا، وضعتهم في الجيب الثاني من البنطال، وحمدت الله أن جيوب بنطالها كانت واسعة...
وهكذا أصبحت مطمئنة على ممتلكاتها وجاهزة للمعركة... وأنهما حتى لو سرقا منها الحقيبة فلن تخسر شيئا ذا بال.
ظلت تمشي وهما وراءها أو خلفها، تقف أحيانا عند واجهة محل وتنتظر أن يبتعدا، لكنهما يظلان على مسافة قريبة منها.
أصابها التوتر ولم تعد تعرف كيف تتصرف، فكرت أن تتصل بأخيها، لكنها تذكرت شططه، وأنه قد يمنعها مرة أخرى من الخروج تفاديا للمشاكل وتصبح أسيرة البيت...
رددت بداخلها: يا إلهي ماذا أفعل؟
ربما لو أخذت تاكسي سأنتهي من هذا التوتر. لا لا.... لا أحب هذه المجازفة بكرامتي، لا يجب الهروب من أرض المعركة بهذه الطريقة الجبانة، سأكمل ما رغبت فيه وهو التجول حتى أخر المعركة.
ثم أين هو التاكسي؟ بالكاد تمر سيارة.
ربما لو هربتُ سوف يشجعهما هذا أكثر على سرقتي!
تخلفت عند أحد المحلات وتركتهم يذهبون، لكن حين استرقت النظر إليهما، رأيتهما يقفان ينتظرانها قرب كشك للكتب.
فكرت أن تستنجد بصاحب الكشك!
لكنها عدلت عن الفكرة ، هي لا ترغب في فضائح!
يا إلهي!!
قررت أن تستمر في جولتها فلا بد من المواجهة ...
مشت وهما أمامها وهي تتباطأ في السير، وتتمنى في سرها متى تصل موقف الباص!
هما أيضا تباطآ في سيرهما فقررت تجاوزهما، فرأتهم يقتربون منها وهي تعد العدة للدفاع عن نفسها وتتصور الكثير من السيناريوهات. كيف ستتم عملية السطو، وكيف ستدافع عن نفسها وهي مجرد امرأة وحيدة، وهما شخصان قويان، والشارع فارغ!
هكذا بدأ قلبها يخفق ورأسها يتصورها في مواقف كثيرة.
فكرت: ماذا لديها للدفاع عن نفسها؟
أحست بالقهر، لأن حذاءها هو السلاح الوحيد الممكن. لكنها تلبس بوطا شتويا يصعب خلعه عند المواجهة؟
استمرت تفكر وتنتظر وتنتظر حتى اقترب منها أحدهما
وهمس لها : "شعراتك حلوين" ؟!


ماماس أمرير

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى