عبد القادر وساط - بركة الضفادع.. قصة قصيرة

كنتُ تلميذا في العاشرة من العمر. وذات صباح دخلتُ الفصل الدراسي وجلست في مكاني المعهود مثل باقي التلاميذ، فلما فتحتُ محفظتي لم أجد بداخلها أدوات ولا دفاتر ولا كتبا.
وجدتُ فقط ضفدعة زرقاء بلون السماء، تحدق في ببلاهة.
أخرجتُ الضفدعة ووضعتُها على حافة النافذة، فقفزَتْ تلك المخلوقة الزرقاء فورا إلى خارج الفصل. ثم قفزتُ أنا أيضا من النافذة، وتبعتها غير عابئ بضحكات الأطفال ولا مكترث لصراخ المُدَرسة.
بقيت الضفدعة الزرقاء تقفز بسرعة وأنا أجري خلفها.
ابتعدنا كثيرا عن المدرسة، وبلغنا بركة محاطة بالنباتات الكثيفة. توقفَت الضفدعة عندئذ عن القفز واستدارت نحوي، فسألتُها:
- أخبريني أيتها الضفدعة ، كيف دخلتِ محفظتي؟ ولماذا أنت زرقاء بلون السماء؟
نظرتْ إلي ولم تجبني، ثم استدارت من جديد وقفزت إلى الماء واختفت تحت سطحه.
وإن هي إلا دقائق معدودة حتى خرجت منه طفلة ًصغيرة، بفستان أزرق وبضفيرتين جميلتين مبللتين. ارتسمتْ على وجهها ابتسامة ساحرة وهي تضع قدميها على اليابسة وقالت لي:
- ها هي الضفدعة الزرقاء قد تحولت إلى طفلة جميلة.
حدقتُ فيها مليا. كانت هي صفاء الصغيرة، ابنة الجيران، التي تَدرس معي بالفصل نفسه، والتي اختفت بكيفية غامضة منذ عدة أيام. قلت لها:
- أهذه أنت يا صفاء؟ كيف صرت ضفدعة زرقاء؟ ماماك سوف تُجَنّ. إنها لم تتوقف عن البكاء منذ اختفائك! تلاميذ الفصل أيضا قلقون بشأنك، وكذلك المُدرسة ...
قالت وهي تنظر إلي بمكر:
- لاعليك، ها أنذا قد عدتُ طفلة كما كنت!
اقترحتُ عليها أن أرافقها إلى بيتهم دون إبطاء. وافقتْ على اقتراحي، لكنها قالت لي:
- ليس قبل أن ترتمي بدورك في البركة، وبكامل ملابسك !
استجبتُ لرغبتها في الحال، وارتميتُ في ماء البركة دون أدنى تردد. ولم أكد أغوص قليلا تحت سطح الماء حتى بدأت أشعر بتقلصات مؤلمة وبتشنجات عضلية غريبة.
شعرت أني أصغُر وأصغر، وأن عضلاتي تضمر وتضمر، وإن هي إلا لحظات حتى تحولتُ إلى ضفدعة بيضاء.
غادرتُ الماء وأنا أتقافز وقد عراني خوف شديد.لكن البنت صفاء أشارت إلي أن أطمئن وأن أتبعها قفزاً إلى الشجرة القريبة. ولما بلغنا الشجرة أخرجتْ محفظتها المخبأة هناك ثم وضعَتْني بداخلها وتوجهتْ بهدوء تام إلى الفصل الذي نَدرس فيه معا، غير عابئة بما قد تُنزله بها المُدَرسة من عقاب، بعد طول غياب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى