شهادات خاصة عبد الرحمان الخرشي - شهادة في حق الشاعر عبد السلام مصباح

نظمت "جمعية ملتقى الفن والإبداع" بالناظور حفلا تكريميا للشاعر عبد السلام مصباح ، وذلك يوم السبت 2019/04/27
شارك فيه :

- الأستاذ الباحث غبد الرحمان الخرشي
- الدكتور الباحث عبد العزيز ساهر
- الدكتور المترجم عيسى الداودي
- شاعر الرسول إسماعيل زويريق
أدار الجلسة وباقتدار الدكتور نور الدين طريسي
وهذه هي الشهادة التي ساهم بها الباحث عبد الرحمان الخرشي

في تكريم الطفل البهي المشاكس بلطف
سُمي أخي :
الشاعر عبد السلام مصباح

ذ . عبد الرحمان الخرشي
مراكش

أحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، ورفع من رتب الإنسان بفضل ما كتب وأبدع من العلم ومن الأدب المرصع بألوان طيف البهاء وقوس قزح.. أحمد لله الذي سخر للعلماء والأدباء من ينصفهم وهم أحياء، ومن يمتدحهم ويطريهم وهم لا يبحثون سوى عن العيش الكريم. وأحمد لله الذي حط من شأن الجهل والجهال وما بثوه في الحياة من الجهل والتجيهل، أحمده تعالى؛ فهو مُعْلِي منزلة العلم، والأدب، ورافع منزلة العلماء والأدباء؛ ناثرين وشعراء حتى كان لهم – هم أيضا – من يمدحهم ويطريهم !.
تحية كريمة لمن كرم، ولمن هو جدير بالتكريم.
تحية كريمة لمن أوحى، ولمن نفذ طقوس هذا التكريم.
تحية كريمة لمن حضر هنا واجتمع وأسهم وشهد التكريم المختص بمكرم يستحق التكريم.
تحية لمن هو شاهد على عناق الروح بالروح في عرس أعراس التكريم بهذه الدراسات، والقراءات، والكلمات، والشهادة و...
في مؤتنف الأمر لا أدري لماذا اعتراني حال عجيب غريب؛ جمع الله فيه- وبواسطته - عليَّ في نفسي ما بين الإحساس بالتشنج، وشعورٌ غامرٌ بالسعادة والفرح لا حدود له !.. ولم أستطع التخلص من هذين إلا بعد فترة غير يسيرة من استعنت فيها بالمحاولة؛ محاولة البحث عن الداعي/الدواعي لهذا الأمر، مما اضطرني إلى طلب النجدة بالتفكير وبقليل من التأمل، والاستعانة بنظيره الهدوء والاسترخاء واستنفار ما ستجود بتجليه الذاكرة وهي تفتش في تسلسل الذكريات التي- أحمد الله - أنها أسعفتني فجادت بما سأعبر عنه الآن بهذا التفصيل القليل:
فالإحساس الأول- إخواني - تولد عندي من أنني أردت أن أكون صادقا ودقيقا في هذه الكلمة/الشهادة عن الشاعر الجميل والمبدع الملهم عبد السلام مصباح؛ إذ كلما فزعت إلى استنهاض شريط الذكريات معه إلا وجدتني لا أستطيع التدفق في البوح؛ لأن طقوس مثل هذه الشهادات صارت معروفة ومستهلكة بالصورة التي يغلفها الانطباع والنفخ في المثقوب، ولأن هذا الشاعر موهوب حقاً ومتعدد الاهتمامات. ثم إنه متنوع ومختلف في أنموذج شخصيته وروحه الإنسانية، وفي تركيبتيه النفسية والفكرية.. وهو- فوق ذلك كله - متنوع فيما اشتغل عليه من عناصر وأشكال الإبداع؛ سواء تعلق الأمر بمجال الإبداع الشعري المؤسس على حرارة حرقة( الحاءات ) التي اكتويت معه بنارها وبلهيبها في دراسة سبق لي أن أعددتها وتم نشرها عنه، أو في مجال الترجمة عن لغة( سرفانتيس ) التي اكتوى وحده بنار الاشتغال على الترجمة لمبدعيها الكبار.. ولا يترجم لكبير قوم إلا من هو أكبر في قومنا!.
أما الشعور الثاني الذي راودني- متزامنا مع هذا الإحساس - فشعور مختلف غمرني بالسعادة جراء سيطرة شعلة وفاء بعاطفة قوية تولدت ونمت وترعرعت في الحوباء عن طيف هذا الشاعر الجميل في خلقته وإبداعه لأني ما رأيته- مذ عرفته – إلا والابتسامة، والدعابة، والدعة، والراحة، والسكينة، واللطف بادية عليه، ويشفع كل ذلك ويقويه بالحركة الجسدية، والسكون الروحي، والتألق النفسي؛ لذلك فهو مهووس بالمشاكسة اللطيفة مع الجميع، وبدون حدود لدرجة أن من لا يعرف فيه هذا يظنه يتعامل خارج دائرة المروءة والأخلاق وهو ليس كذلك! وأستحضر هنا أنه التقى ذات معرض دولي في مدينة الدار البيضاء بالشاعر الكبير سيدي محمد علي الرباوي رفقة الدكتور سيدي محمد دخيسي أبو أسامة وهو من أنبغ طلبته ففتح الباب- أمام الشيخ ومريده – للمشاكسة؛ وهي من مشاكساته اللطيفة التي لا يفهمها إلا المراكشي مثلي ومثلكم، فلما أقبلت عليهما أخذني الشاعر محمد علي الرباوي بعيدا عن الوقوف وطلب مني أن أنبه عبد السلام إلى أن الحياء قاعدة في العلاقة بينه هو الشاعر وبين تلميذه الأستاذ الجامعي سيدي محمد دخيسي أبو أسامة، وما نبهت عبد السلام في تلك اللحظة وإنما باشرت الأمر الذي من أجله التقينا، ولما انتهينا أخذته من يده وانصرفنا وعندي استعداد للترويح عن النفس بمشاكساته اللطيفة التي أقبلها أنا ولا يقبلها غيري! هذا هو حالك يا عبد السلام مصباح في المشاكسة؛ يقبل ذلك منك من يعرف مفتاح شخصيتك، ويرفضه منك كثيرون ومنهم الشاعر الكبير سيدي محمد علي الرباوي( حفظه الله )، وهذا حال من لا يعرفك حق المعرفة، وحال من أدرك عمق نفسك وخفة روحك باختصار!.
هنا أستوقف الحضور الكريم، وكذلك أستوقف أخي وصديقي الشاعر عبد السلام مصباح حتى أتمكن من حجز بطاقة السفر علها تمكنني من الوصول إليه عبر قطار الذكرى والبوح الصامت على الورق؛ وهو مما كتمته نفسي، وحملته هذه الورقات، التي تحاشيت بتسويدها عنف المواجهة مع نصوصه الشعرية، تم هذا وأنا جالس على مقعدي المخملي الوثير أحفز عاطفتي الحارة عما سيجود به خيال نَاعِم مما ظل مطمورا في الذاكرة دون أن أسعى لفكه من أسره، ولعلي حينذاك أستطيع أن أسترجع بعض ما تخزن أو علق في ذاكرتي المعطوبة بداء النسيان، ولأنني ما كنت أظن أنني سأقف في هذا الموقف!.
صحيح إنني سعيد في هذه الهنيهة وأنا أطل من نافذة مقطورة الذكرى والبوح الصامت يعاودني لكن ما وجدت إلا لحظات غنمتها منه ومعه؛ فمن الطريف أنه كلما كانت الشمس ساطعة، والسماء صافية، وكلما ازداد النسيم رقة دعاني الرجل أستظل بغيمة من غيماتها الرقيقة يقودني إليها ويقودها إلي أستظل برقتها وبفيئها من هجير الحياة القاسية في لقاء جميل جمال روحه الطاهرة في أكثر من مكان!.
ومن فضله علي أنه كلما حطت العصافير مجتمعة فوق دوحة من الدوحات العظيمة وهي تزقزق وبمحاذاتها العٌصيفر وهو يسقسق إلا دعاني لحضور حفلتها ومعي حبات قمحي لأشاركها- وهي في أعيادها الساحرة بالبهاء - نفس الاحتفال..ومن حبه لأخيه أنه كلما اجتمع الغزال والغزيل وصدر عنهما(سليل) فاتن دعاني للتملي بصوته العذب المناسب لشكلهما ورشاقتهما..وما بزغت خيوط الشمس الذهبية الدافئة إلا بَنا لِي تحتها خيمة عشق، وأسمعني أنين ناي حزين يتسرب عبر مسامي مع قطرات الندى ومشاركة هفيف النسيم البارد الرقيق بعد أن يكون قد لامس وروداً عطشى...
هذه بعض العوالم التي أسكرني بفضلها وجودها هذا الرجل الذي لم يقابله الدهر إلا بالمعاناة سواء في الفصول الدراسية، أو في الأسفار..وللرجل حكايات مع السفر!فأنا ما عرفته- مذ عرفته - إلا وللسفر حضور- والسفر يسفر عن معدن صاحبه-، وأنا ما عرفته- مذ عرفته - إلا وللشعر المُموسق وغيره حضور في حياته- وشعره المُمَوسَق معدن بلاغة وتخيل وتأثير- بل هما متلازمان في حياته؛ لذلك عرفته في ملتقيات ترتبط بالسفر وبالشعر سواء كنت أنا المسافر إليه وهو في عرينه مدينة الدار البيضاء، وإما أنه قادم إلى مسقط رأسي مدينة مراكش، وإما كلانا سافرنا ثم التقينا في إحدى المدن المغربية. وفي جميع هذه الحالات كنت أجد عبد السلام مصباح الأمس هو عبد السلام اليوم؛ لا تَـقـَـلُّـبَ في ضوئه، فهو- دائما – مشع بالابتسامة، ومضيء بالبراءة لدرجة عالية، وبرهافة حس، وذكاء وقاد، واستعداد للتواصل مع الجميع دون ضوابط تذكر، وهو على مستوى متوازن من التدين والأخلاق الحسنة، والقيم، والمبادئ، والموقف، والكلمة الصادقة، ولا أظنه يفكر في أمسه كيف كان؟ ولا في غده كيف سيكون؟ ولا ماذا هو فاعل الآن أو غداً إلا ما تجاوب مع طبيعته ومستلزماته الشخصية والإبداعية والعائلية. وهو في سلوكه متوازن ما جربت عليه أنه أهان، بل كَبُرَ في عيني لما حاول أحدهم أن يؤذيه ويؤذي ملتقى وطني في المؤسسة التي كنت أعمل فيها، لكنه أعرض عنه بما جنب الملتقى سقطة كانت ستحط من قيمته؛ لكنه بإعراضه ذاك كان والله حكيما!.
إن عبد السلام مصباح الذي أعرف هو رجل النخوة العربية الأصيلة، وصاحب الشخصية المغربية المتطورة والمتجددة وفق ما اقتضاه زمانه، وما سمعته رفع صوته إلا أثناء قراءته الشعر، وإلا فهو خفيض الصوت، وصاحب النظر الثاقب، والعقل الراجح، والهدوء المتزن.. من قراءتي لشعره وجدته قد غطى جرحه وألمه الدفين بما اعتصر من رحيق حاءاته المتمردة. أما فرحه فلا يوصف إلا باقترابه من الطبيعة، ومن التملي بجمالها وبخاصة في مدينته شفشاون التي ما زارها إلا وجعلك تحس أنها حرمه المرتبط بإلهامه الشعري...
أما صفات الرجل بدقة فهي لا تعد ولا تحد؛ فقد تجمعت في شخصيته صفات كبار السن، وبعض صفات الأطفال الصغار؛ بدءاً من العفوية، والتلقائية، فطهارة النفس، وبياض القلب، وصفاء السريرة، وبهاء الاسم، ونقاء الطوية، والتعامل بلطف وبساطة نادرة. وهو فوق ذا وذالك الرجل الذي لا يلج قلبه الحقد، ولا يحمل الضغينة أو الخبث لأحد. وفوق هذا كله فهو: محب للسلام يجنح للسلم لأنه عبد السلام، ولأنه سمي أخي العالم الجليل المشمول برحمة الله: عبد السلام الخرشي.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حاضرة الناظر- حرسها الله- صبيحة يوم السبت: 27 أبريل2019
الموافق: 21 شعبان 1440

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى