المقاهي نقوس المهدي - المقاهي.. سيرة الأمكنة الطازجة

من منا لم تقتطع المقاهى ساعات مديدة من بياض يومه وعتمته.. ومن لم تشتك منه كراسيها لكثرة الجلوس عليها طول النهار او بعضه.. هكذا يقتلع المرء اوقاتا ثمينة من فائض زمانه المنفلت ليمضيه بين حيطان هذه الأمكنة المزنرة بالألفة والخواء في آن.. يلجأ إليها حينما يحاصره الفراغ والتيه، يعقد صداقات وينسج علاقات مع أماكن معينة، واشخاص معينين تفرضهم الضرورة عنوة أحيانا. يتقاسم واياهم الهواء الملغوم بالانفاس والدخان الفاسد والفضاء المحنط بالثرثرة والمسكون بالاوهام والرياء..

وتشكل هذه الأـمكنة بحميميتها المفرطة وجحيمها القسري، علامة فارقة في حياة كل منا، بتميزها باصناف مرتاديها ومزيج زبنائها ونكهات سوائلها.. خليط فسيفسائي من كل جيل وطيف ومشرب وانتماء ومعتقد.. ادباء وفلاسفة وفنانون وبصاصون ولصوص ومحتالون وسماسرة وتجار وساسة ووسطاء ومقامرون ونصابون ومخبرون وقوادون، بعدد هذه الامكنة التي تنبع وتتوالد وتتناسل وتظهر كالفطر مستعمرة الحيز المجالي وما إليه.

ونتساءل كيف يمكن لهذه الأمكنة الضيقة بما رحبت الجمع بين هذا الشتات المتنافر، وهذه المتناقضات برمتها..
كما يمكن التخمين بأن اكبر المذاهب الفلسفية والكتابات الادبية والمشاريع الفكرية الشهيرة انبثقت من هنا،
وأن اشهر المؤامرات الدنيئة حيكت دسائسها ضمن اقباء هذا المحيط المدثر بالريبة والحيطة..

وبأن اكبر الادباء تخرجوا من جنبات هذا المكان، ولكل منهم ذكرياته الحميمية وعقد صداقات لا ينفرط على مر العصور.. وعشرات الامكنة الضيقة، التي حشرت ليس بأسمائها فقط، ولكن بجميع عوالمها داخل اعمال ابداعية كثيرة ومتنوعة، يتفنن كتابها في الاخذ بأيدينا ليطلعوننا بكل سحر الكلمة و بغتة المفاجأة على مجالسها الحميمية واسرارها الدفينة وايحاءاتها الخبيئة التي لا تشبه بعضها.

عن المقاهى... تلك الأمكنة المثيرة للفضول وللأسئلة الملحة نستقرئ بعضا من سيرتها وخفاياها واسرارها...



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى