مصطفى الشليح - قصيدتان للعبور إلى خفَّة الأرض..

1. عابرون في كلام عابر

شالٌ على كتفِ الطريق
إليكِ بردٌ .. يستقلُّ إليكِ بردًا
والطريقُ كأنَّها فوضى تلملمُ شالها؛

لمْ تحمل الأرضُ القريبةُ
كلمتين، وحمَّلتني سرَّها الطينيَّ
في لغةٍ، ووحديَ أقرأ المعنى تمثلَ حالها؛

وحدي أحاولُ شكلها
لكنَّها، تأتي إذا تأتي، مُحوِّلةً
جسدها إلى أجسادها حتَّى يرى أشكالها؛

وأنا على طرفِ اللغاتِ
أناولُ الشكلَ الأخيرَ .. كناسَها
لتقولَ لي: يا وحدكَ الغافي أكنتَ غزالها ؟

والأرضُ تركضُ بين مجالها
ومُحالها، والأرضُ تركضُ مثلما
قد تركضُ الكلماتُ بي تشتارُ لي أزجالها؛

لمَ لا تقولُ كلامَنا العاميَّ
حين تهمُّ شعرا ؟ ما الذي يبدو
ولا تبدو به، فكأنَّ خلفَ قصيدةٍ أطلالها؛

وكلامُنا العاميُّ
عندَ الأرض
بذرةُ نجمةٍ نزلتْ
بكلِّ الأرض
تحملُ للنجوم
سلالها؛

وكلامُنا العاميُّ
كسرةُ خبزنا العاري
ورشفةُ شاينا
يدُ أمِّنا بيضاءُ نحنُ
إذا نقبٍّلُ سرَّها العالي
هويَّتنا
وهاوية الصُّعود
هنيهةً كالبارق السالي
وكشيءٍ غامض
يملي على أرض بنا
أمثالها؛

وكلامُنا العاميُّ
جبَّةُ شيخنا
إذ قالَ: ما في
جبَّتي إلاهُ
لولاهُ
تعرَّى الوقتُ
لولاهُ
وللمجذوبِ
لولاهُ
رباعيَّاتُه
لمَّا تقلْ لي، يا أنا،
أحوالَها؛

وكلامُنا العاميُّ
شالُ الأرض
يهمسُ: ما لها كالعشبِ
يقبسُ ماءها
ويجسُّ ضوءا راءها
يا شاعرا
ما راءها
وتدسُّ في المعنى
كلاما قالها ؟

2. خفَّة .. هيَ الأرضُ


قالَ لي: تلكَ صورتُها
لا تراها، ولكنَّها تلكَ صورتُها
واسمُها، مثلما لستَ تعرفُ، كان اسمَها؛

يُجلسُ الليلُ نجمًا غوى
في يد النهر، ثمٌَ يخالسُه موجةً
لتراه السٍّماءُ إلى الأرض مستقيا غيمَها؛

وإذا النٍّجمُ كان غوى
وروى كيفَ أورثه النَّهرُ بحَّتَه
كيفَ أحدثه لمحةً لا تنامُ، ولكنْ رأى حلمَها؛

كيفَ نافَثه السِّحرَ ماءٌ
وكان صغيرًا، وكان غفا لوحةً
تتخفَّفُ ألوانُها، وتشفُّ لتخفي بها رسمَها؛

ولتلفي على درج الليل شيئا
وقد نسيته .. وليسَ تعرفُ ما هوَ،
لكنَّها نسيته، كأنَّ به، منْ مكابرةٍ، وهمَها؛

وكأنْ أدركته مُصادفةً
ومُصادفةً .. لمْ تكنْ أدركته هنا
وهناكَ، وقد أربكته حينما لمْ يكنْ ختمَها؛

هيَ ليسَ ترى صورةً
كلَّما النَّهرُ عينٌ، ولمْ تلمس الريحَ
إلا قميصًا، وكان أتى بعدُ مبتدئا نظمَها؛

هيَ تحملُنا، أمُّنا الأرضُ
تحْملنا، وتحمِّلنا خفَْةً. تلكَ صورتُها
ولنا صورةٌ تتلعثمُ رائيَّةً حينما تلتقي أمَُها؛

قالَ لي: ما قميصكَ ؟
قلتُ: للأرض سبعُ سنابلَ
والأرضُ لي. أفكنتَ تناولني يُتمَها ؟


مصطفى الشليح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى