ستيغ داغرمان Stig Dagerman - ألعاب الليل.. قصة قصيرة ترجمة: فرمز حسين

أحياناً في الليالي حين تكون الأم تبكي في الغرفة، ولا أصوات إلا وقع خطوات غريبة تسمع على الدرج، فإن" أوكي" لديه لعبة يلعبها، تسليه عن بكائه. يلعب على أنه غير مرئي و أن بإمكانه التواجد في المكان الذي يريد بمجرد التفكير فيه. في تلك الليالي كان هناك مكان واحد يرغب "أوكي" التواجد فيه، و فجأة يجد نفسه هناك. لا يعرف كيف وصل إلى هناك، يعرف فقط بأنه موجود في غرفة ما. لايعرف كيف تبدو الغرفة لأنه لم يركّز عينيه على ذلك، لكن الغرفة مليئة بدخان السجائر و الغليون و هناك رجال يضحكون فجأة و بدون سبب و بشكل مخيف و نساء لا تستطعن التحدث بشكل مفهوم ، وهن متكئات على طاولة. تضحكن بصورة مزعجة. ضحكات كالسكاكين تقطع جسد "أوكي"، لكنه مع ذلك سعيد لأنه متواجد هناك. على الطاولة التي يجلس عليها الجميع زجاجات كثيرة و بمجرد أن تفرغ إحدى الكؤوس تمتد يد من بين هذا الجمع تفتح فوهة زجاجة تمتلىء الكأس من جديد.

أوكي" الغيرمرئي" يتمدد على الأرض و يزحف من تحت الطاولة بدون أن يشعر به أحد من بين الجالسين. في يده يحمل مثقباً غير مرئي، و دون أن يتردد لحظة واحدة، يضع رأس المثقب على خشبة الطاولة و يحفر ثقباً باتجاه الأعلى، و سرعان ماينفذ من خلال الخشبة لكن "أوكي" يستمر حفره في الزجاجة و فجأة ينفذ من قاعها،حينها يبدأ النبيذ يسيل على وتيرة واحدة من خلال ثقب خشبة الطاولة. يتعرف على حذاء والده من تحت الطاولة و لايجرؤ على التفكير بما سيحصل له لو أنه أصبح فجأة مرئياً مرة أخرى. لكن حينها يسمع أوكي بفرح غامر والده و هو يقول: النخب الأخير، ليردد شخص آخر يردد وراءه : نعم، اللعنة و ثم ينهض جميع من في الغرفة التي تضم" أوكي".

""أوكي" يرافق أباه على الدرج إلى الأسفل، و عندما يصل إلى الشارع يقوده دون أن يجعله يلاحظ ذلك إلى موقف العربات، و يهمس في أذن السائق العنوان المقصود، و يبقى واقفاً فوق عتبة الصعود للعربة طوال الطريق كي يتأكد بأنهم

يسيرون في الاتجاه الصحيح. وعندما يتم الاقتراب ويصبحون على مسافة منازل عدة، من البيت، يرغب "أوكي" العودة و يتمدد هناك مرة أخرى تحت طاولة المطبخ و يسمع السيارة و هي تقف في زاوية الشارع، وعندما تنطلق السيارة من جديد يسمع حينها فقط بأنها لم تكن تلك السيارة الصحيحة.

هذه كانت أمام مدخل الجيران. السيارة التي ينتظرها لازالت إذاً في طريقها، و ربما أعاقتها زحمة المرور عند أقرب تقاطع.ربما توقفت عند سائق دراجة ارتمى أرضاً، نعم الكثير قد يحدث للسيارت.

أخيراً جاءت سيارة بدت أنها هي السيارة الصحيحة، وغدت على مسافة بضعة منازل من هناك . "أوكي" يسمع بأنها بدأت تخفف السرعة و تسير ببطء من أمام بيت الجيران، ثم توقفت مع بقاء صوت المحرك بعض الشيء أمام المدخل الصحيح . باب يفتح و آخر يغلق مرة أخرى . أحدهم يصفر بينما يأتي رنين النقود. الأب عادة لايصفر أبداً، لكن لا نستطيع أن نجزم بذلك ، لماذا لا يكون قد بدأ يصفر فجأة!. السيارة أقلعت، و انطلقت إلى زاوية الشارع، و بعدها عمّ السكوت تماماً المكان. "أوكي" ركّز سمعه باتجاه أسفل الدرج، لكن البوابة لم تغلق بعد أن دلف أحدهم إلى الداخل، لم يسمع أبداً صوت زر النور حين يضيء أحدهم الدرج. لم يحس أبداً بوقع الخطوات الصامتة على عتبات الدرج عند صعود أحدهم.

لماذا تركتُهُ مُبكراً؟، فكر "أوكي" كان بإمكاني مرافقته حتى المدخل، عندما كنا قريبين منه في كل الأحوال. هو الآن واقف هناك و قد أضاع مفتاح باب الدرج و لا يستطيع الدخول. الآن ربما يغضب و يعود أدراجه قبل أن تفتح البوابة في الصباح الباكر، و هو لا يجيد التصفير، و إلا لكان قد صفّرَ لي أو لأمي- بالتأكيد- لكي نرمي له المفتاح.

متحاشياً قدرالإمكان إصدار أي صوت يتسلق"أوكي" طرف الأريكة التي تصدر عادة صوتاً خاصاً أنى مسها. يصطدم بطاولة المطبخ. يقف بلا حراك جامداً بكامل جسده على الحصيرة، لكن الأم تتنهد بصوت عال و رتيب، شبيه بتنفس النائم، ما يعني أنها لم تنتبه لشيء بعد.

يتابع سيره باتجاه النافذة، و حين يصل إليها يرفع ببطء الستائر، و ينظر إلى الخارج: لا حياة في الشارع، و لكن المصباح الذي فوق المدخل مضيء، وهو عادة يضيء مع مصابيح الدرج و في الوقت نفسه يعني أن الإضاءة في مدخل منزل "اوكي".

لحظات و يشعر "أوكي" بالبرد، يسارع إلى الأريكة، و كيلايصطدم بالطاولة يمدّ يده إلى طوله إلى المغسلة، و فجأة يشعر بأن رؤوس أصابعه تلامس شيئاً بارداً و حاداً. يترك أصابعه تتحسس لحظة ومن ثم يمسك بمقبض سكين حاد. حين يزحف إلى الأريكة تكون السكين معه، يضعها بجانبه تحت اللحاف ومن ثم يحول نفسه إلى غير مرئي مرة أخرى.

و هاهو في الغرفة نفسها، واقف أمام الباب و يراقب الرجال و النساء الذين يحجزون والده، لقد فهم بأنه اذا أراد أن يرى أباه طليقاً فإن عليه أن يحرره مثلما حرر القراصنة المبشر، عندما كان المبشر مربوطاً بعمود خشبي وكان آكلة لحوم البشر يريدون شواءه.

"أوكي"يتقدم خفية إلى الأمام يرفع سكينه اللامرئية، و يطعن ظهر الرجل البدين، أقرب الجالسين إلى والده. البدين يموت و "أوكي" يستمر في دورانه حول الطاولة وواحداً تلو الآخر يسقطون صرعى من فوق مقاعدهم دون أن يعرفوا حقيقة ما يجري. عندما يُخلّصُ "أوكي" والده يأخذه و ينزل معه عتبات الدرج الكثيرة، و لأنهما لم يسمعا صوت أية سيارة فإنهما ينزلان ببطء، من فوق عتبات الدرج، ثم يعبران الشارع إلى الطرف الآخر و يصعدان الترام. أوكي يؤمن مقعداً لجلوس أبيه في العربة وهو يتمنى أن لايكتشف جابي القطار بأن والده مخمور قليلأ، و ألايتفوه والده بكلام غير لائق أمام الجابي، أو يضحك هكذا دون أن يكون هناك ما يستوجب الضحك.

الترام الليلي يطلق صوتاً كالغناء في المنعطف، و يدخل المطبخ بلاهوادة "أوكي" الذي غادر الترام قبل ذلك متمدد على الأريكة، و يلاحظ بأن أمه لم تتنهد في تلك الفترة القصيرة التي غاب فيها. الستائر التي في الغرفة تتطاير باتجاه السقف بضربة عنيفة و عندما تسمع صدى الضربة وهي تبتعد تفتح أمه النافذة و "أوكي" يتمنى لو أنه يقفز من السرير و يركض إلى الغرفة ليخبرها بأن تغلق النافذة مرة أخرى، و أن تسدل الستائر و ترجع بكل هدوء إلى سريرها، لأنه الآن قد عاد إلى البيت على أية حال، و بوساطة هذا الترام سيأتي أبي لأنني ساعدته على ركوبه، لكن "أوكي" فهم بأن ذلك لن يجدي نفعاً فهي في كل الأحوال لن تصدقه، وهي لا تدري ما الذي يفعله من أجلها حين يكونان وحيدين في الليالي، هي تظنُّ بأنه ينام. لا تعرف ماهية الأسفار التي يقوم بها و أية مغامرات يخوضها من أجلها.

عندما يتوقف الترام في المحطة خلف الزاوية، هو أيضا واقف و ينظر من خلال ثقب الباب ومن بين الستائر بجانب النافذة، أول القادمين من خلف الزاوية شابان

يافعان لابد أنهما قفزا من الترام و هو لايزال يسير. يتلاكمان مزاحاً، وهما يسكنان في البناء الجديد الذي في مواجهتنا.

حين يضيء الترام أمامه بمصابيحه و يبدأ سيره ببطء متجاوزاً شارع "أوكي " تأتي مجموعات صغيرة من الناس، ثم تختفي في اتجاهات متفرقة.رجل يسير بخطوات غير متوازنة و قبعته في يديه مثل متسول يتجه مباشرة نحو مدخل بيت "أوكي"، لكنه ليس والده. إنه حارس المدخل في البناء الذي فيه بيت "أوكي".

""أوكي" يبقى بكل الأحوال واقفاً و ينتظر؟ هو يعرف بأن هناك أشياء قد تعيق أحد ركاب الترام خلف المنعطف. هناك واجهات بلورية للمحلات إحداها لمحل الأحذية، و هناك يمكن للأب أن يقف ليختار لنفسه حذاء على سبيل المثال قبل أن يصعد، و كذلك يوجد محل للفاكهه، و له واجهة زجاجية بلوحات مرسومة يدوياً. هناك أيضا يقف عادة الكثيرون للتفرج لأن من بين تلك اللوحات رسوماً لشخصيات مثيرة. لكن عند محل الفواكه توجد أيضا ماكينة آلية تتعطل عادة و من المعقول أن أبي قد وضع فيها خمسة و عشرين قرشاً لكي يشتري علبة "سكاكر ليكارول" "لأوكي" و هو الآن لا يستطيع فتح غطاء الآلة.

في الوقت الذي ينتظر" أوكي" أمام النافذة حتى ينتهي والده من الآلة تخرج الأم من الغرفة و تمضي إلى جانب المطبخ، ولأنها كانت حافية القدمين لم يسمع شيئاً. لايمكن أنها رأته، لأنها تابعت إلى البهو . "اوكي" يترك الستارة من بين يديه و يتسمرُّ في مكانه جامداً في الظلمة الكالحة، بينما الأم تبحث عن شيء ما بين الألبسة الخارجية.

لابد أنها كانت تبحث عن منديل لأنها بعد لحظة قصيرة نظفت أنفها جيداً، و عادت إلى الغرفة. على الرغم من أنها كانت حافية القدمين إلا أن "أوكي" يحس بها و هي تمشي حذرة جداً كي لا توقظه. عندما تعود الأم إلى غرفة النوم تغلق بسرعة النافذة و تسدل فوراً الستارة بسحبة سريعة و قوية. و تتمدد بسرعة على السرير، و تواصل التنهدات. تأتي من جديد،و كأنها لم تكن تستطيع أن تتنهد إلا إذا كانت مضطجعة، أو يجب أن تتنهد بمجرد أن تستلقي على السرير.

عندما نظر "اوكي" مرة أخرى إلى الشارع و وجده فارغاً تماماً حتى أنه رأى امرأة يداعبها أحدهم أمام المدخل المواجه، ثم يرجع خفية الى الأريكة، و يظن بأن شيئاً ما قد وقع منه حين يسمع صوتاً من السجادة التي يسير عليها. هو الآن تعب جداً. النوم يهيمن عليه كالضباب فيما هو يسيرعبر ذلك الضباب، يسمع وقع خطوات على الدرج، لكنه يستيقظ على الطرف الخطأ من الأعلى إلى

الأسفل. و بمجرد أن يصبح تحت اللحاف، ينزلق بدون إرادته، لكنه يدخل خلسة في مياه النوم و الأمواج الأخيرة تضرب رأسه بنعومة كالتنهيدات. لكن مع ذلك كان النوم هشاً لدرجة أنه لم يستطع نقله مما كان عليه في يقظته. مؤكد أنه لم يسمع صوت مكابح السيارة أمام المدخل، و لم ينتبه لأضواء الدرج التي اشتعلت، ولا لأصوات وقع الخطوات على الدرج، لكن المفتاح الذي يدخل ثقب الباب يبقر أيضاً ثغرة في النوم و بمرة واحدة يصبح مستيقظاً و الفرحة تصعقه كالبرق، من أخمص قدميه حتى جبينه. ولكن تزول الفرحة بالسرعة نفسها في دخان من الأسئلة. في هذه الحالة لدى "أوكي" لعبة صغيرة يلعبها كل مرة يستيقظ على هذا الشكل. يلعب بأن الأب يعبر من البهو مسرعاً و يقف بين المطبخ و الغرفة بحيث يستطيع كليهما سماعه فيما إذا صاح قائلاً: بأن أحد رفاقه قد سقط من الرافعة و كان عليّ مرافقته إلى المشفى، و هناك جلست معه الليلة كلها، و لم أتمكن من الاتصال معكم لعدم وجود هاتف هناك. أو هل تستطيعون التخيل بأننا ربحنا أكبر جائزة "يانصيب" و ها أنا أعود إلى البيت متأخراً لأنني أريد إبقاءكم في حالة من الإثارة أطول مدة ممكنة؟ أو هل تستطيعون التخيل بأنني قد حصلت على قارب كهدية من المدير اليوم و كنت في الخارج في جولة تجريبية وغداً نخرج بها معاً نحن الثلاثة! ما رأيكم؟

لكن في الواقع يحصل ذلك ببطء و الأهم ليس مفاجئاً. الأب لا يعثر على زر الإنارة في البهو ويستسلم أخيراً للأمر. يرتطم بإحدى الشمّاعات، و يسقط على الأرض. يلعن الشماعة و يحاول رفعها لكنه بدل ذلك ينقلب على حقيبة هناك في طريقه، و يستسلم لذلك أيضاً و يبحث عن مشجب للمعطف و عندما يعثر عليه أخيراً يسقط المعطف من على كتفيه أرضاً مصدراً ضجة خفيفة . مستنداً على الجدار يخطو الأب خطوات قليلة باتجاه الحمام، و يفتح الباب و يتركه مفتوحاً بإضاءته و كالمرات الكثيرة السابقة يسمع "أوكي" صوت تبوله على الأرض. بعدها يطفىء الأب الضوء مستنداً على الباب، و هو يشتم، و يدخل الغرفة عبر الستارة المسدلة، و التي ترفرف و كأنها تريد أن تتمزق.

وهكذا يعم السكوت التام. الأب واقف هناك دون أن ينطق بكلمة، صوت خافت يأتي من حركة الأحذية و الأنفاس، ثقيل و غير رتيب، و لكن هناك شيئين فقط يعملان على أن يكون الوضع أكثر فظاعة: الصمت الذي يصعق "أوكي" كالبرق. و الكره الذي يغلي في صدره و هو يعانق مقبض السكين لدرجة التشنج القوي في راحة يده و لكنه لايحس بالوجع. السكون يكون على أية حال فقط للحظات.

الأب يبدأ بخلع ملابسه: السترة ثم الصدرية ، يرمي الملابس على الكرسي. ثم يبدأ بإسناد ظهره مائلاً إلى الوراء على خزانة الملابس و يدع الحذاء يرتمي من قدميه. ربطة العنق تتدلى، ثم يخطو بضع خطوات في عمق الغرفة أي باتجاه السرير، ثم يقف في مكانه فيما هو يبدأ برفع الساعة ثم يعمُّ الصمت مرة أخرى . سكون رهيب مثلما كان من قبل. فقط الساعة تنخر في الصمت و تدق كجرذ. تلك الساعة المزعجة الثملة.

وعندها يحدث ما كان الصمت ينتظره .الأم تلقي نظرة يائسة على السرير ثم يطفح الصراخ من فمها كالدم.

أيها اللعين ، اللعين ، اللعنة ،اللعنة، اللعنة، تصيح الأم حتى يبح صوتها و يسود الصمت ، فقط الساعة تنخر و تنخر و اليد التي تحتضن مقبض السكين. يصبح مبتلاً تماماً من شدة التعرق. الخوف في المطبخ كبير لدرجة عدم إمكانية تحمله دون سلاح، ولكن أخيراً يصبح "أوكي" تعباً من أن يبقى مرعوباً لدرجة أنه دون مقاومة يخلد إلى النوم و رأسه إلى الأمام، في أواخر الليل يستيقظ قليلأ مرة أخرى ويسمع من خلال الباب المفتوح كيف يأتي الصرير من سرير الغرفة و كيف أن وشوشة ناعمة تملأ الغرفة و لا يعرف بالضبط ذلك من غير أنها تصدر عن صوتين آمنين، يعني أن القلق قد انطوى لهذه الليلة.السكين الذي كان مقبضاً عليه في راحة يده طوال الوقت، بدأ يتركه و يتخلى عنه،مليئاً برغبة ملتهبة لنفسه و في لحظة الإغفاء الأخيرة يلعب لعبة نهاية الليل التي تمنحه الارتياح الأخير.

في النهاية هنا مع ذلك لاتوجد نهاية، عندما الساعة قاربت السادسة بعد الظهر جاءت الأم الى المطبخ حيث كان يجلس على الطاولة، ومعها فاتورة المنزل، تأخذ منه دفتر الحساب و تسحبه من الأريكة بيد واحدة.

اذهب إلى أبيك!.

قالت ذلك و هي تقوده إلى البهو، و تقف خلفه لكي تمنعه من الرجوع:

اذهب الى أبيك و أخبره عني بأنك تريد النقود.

النهارات أسوأ من الليالي، ألعاب الليل أفضل بكثير من ألعاب النهار. في الليل أستطيع أن أكون غير مرئي، وأتجاوز السقف لأكون في المكان الذي يحتاجني. في النهار لست لامرئياً، و في النهار لايمضي الوقت بشكل سريع، في النهار ليس ممتعاً اللعب. "اوكي"خرج من المدخل و هو ليس غير مرئي البتة . ابن البواب يسحبه من معطفه و يريد اللعب معه بالكرات الزجاجية.لكن "أوكي "يعرف بأن والدته هناك فوق في النافذة و تراقبه حتى يغيب عن الأنظار من خلف المنعطف و لذلك يريد أن يتخلص منه دون أن يقول كلمة واحدة و يركض

من هناك و كأن أحداً ما يلاحقه. و لكن بمجرد أن يلف زواية الشارع يبدأ و يمشي ببطء شديد قدر الإمكان و بدأ يعدُّ قطع أحجار الرصيف و يبصق صانعاً بقعاً عليها. ابن البواب يلحق به و لكن "أوكي "لايجيبه ، لأنه لايستطيع أن يقول لأحد بأنه خارج و يبحث عن أبيه كونه لم يعود براتبه إلى البيت حتى الآن. أخيراً يتعب ابن البواب أيضاً و" أوكي" يقترب أكثر فأكثر من المكان الذي لايريد الاقتراب منه . يلعب بأنه يبتعد عنه أكثر فأكثر لكن ذلك ليس صحيحاً أبداً.

على الرغم من أنه يمر بجانب المقهى أول مرة. يضرب ضربة قريبة من الحارس ما يجعل الحارس يتمتم بشيء ما من خلفه. يدخل هناك في شارع جانبي صغير و يقف أمام البناء الذي يقع فيه ورشة عمل أبيه. بعد لحظة يدخل من البوابة ومنها الى الحديقة و يلعب على أن والده لايزال موجوداً هناك و أنه مختبئ هناك خلف البراميل أو خلف الأكياس ينتظر ليأتي "اوكي" و يبحث عنه. "أوكي" يرفع غطاء البرميل الملون و في كل مرة يستغرب أن والده غير موجود في داخل البرميل. عندما بحث في الحديقة مايقارب النصف ساعة يفهم على كل حال بأن والده ليس متخفياً هناك، وأنه يعود بجانب المكان الذي يقع فيه المقهى و محل البورسلان و محل للساعات.

"أوكي" يقف قليلاً و يتفرج من خلال واجهة محل البورسلان ، يحاول عدّ الكلاب ، أولاً الكلاب المصنوعة من السيراميك في الواجهة، و بعدئذ الكلاب التي تظهر حين يغطي خياله بيديه، و يتفحص الرفوف و المنصات في داخل المحل. الساعاتي يخرج للتو من محله و يسدل الشبك على نافذته، لكن من خلال ثقوب الشبك يستطيع أوكي في كل الأحوال أن يرى ساعات اليد المعروضة في الداخل، و عقاربها تسير، و ينظر إلى الساعة التي توقيتها صحيح، و يفكر بأن على عقرب الدقائق أن يدور عشر مرات، قبل أن يبدأ بالدخول.

حين كان الحارس واقفاً و يتحدث مع رجل و اقف معه و يريده أن ينظر إلى شيء ما في الجريدة يدخل "أوكي" خلسة إلى المقهى، و يتجه مباشرة الى الطاولة الصحيحة، قبل أن ينتبه الكثيرون إلى وجوده. الأب لايراه في البداية ولكن شخصاً آخر من الدهانيين يشير بإيماءة من رأسه "لأوكي و يقول: يا صبي والدك هنا طبعاً.

الأب يأخذ بابنه و يجلسه على ركبتيه و يضغط بذقنه على خده . "أوكي" يتحاشى النظر في عينيه، و لكن مع ذلك بين الفترة و الأخرى ينبهر من النظر إلى الخطوط الحمراء في بياض عينيه.

ماذا تريد يابني؟!

كان على "أوكي" أن يعيد العبارة نفسها مرتين قبل أن يقتنع هو نفسه بما يطلبه. عليّ أن أحصل على النقود قال. حينها أنزله الوالد ببطء على الأرض، و أسند بظهره إلى الوراء على خلفية المقعد وبدأ يضحك بصوت عال لدرجة أن رفاقه طالبوه بالصمت، وبينما هو يضحك. أخرج محفظته من جيبه، و سحب المطاط الملتف عليها، و بحث طويلاً داخلها حتى عثر على قطعة الكرونة الوحيدة.

هاهي" أوكي" خذها و اشتر شيئاً حلواً بالنقود يا بني.

الدهانون الآخرون لايريدون أن يكونوا أقل شأناً منه، و بذلك فقد حصل" أوكي "على كرونة من كل واحد منهم، يحمل النقود في يده بينما يغمره العار ، و يمتلكه الارتباك. يحاول شق طريقه إلى الخارج من بين المقاعد. خائف أن يراه أحد حين يركض إلى الخارج بجانب الحارس، فيوشي به في المدرسة، و يقول بأنه وجد "اوكي" في الأمس وهو خارج من الخمارة.

لكنه يقف في كل الأحوال قليلاً عند واجهة محل الساعات و فيما عقرب الدقائق يدور حول المركز عشر دورات. يبقى واقفاً ملتصقا بالشبك، و هو يعرف بأنه سوف يلعب هذه الليلة أيضاً، و لكنه لايعرف أي الاثنين من الذين يلعب لهما يكرهما أكثر.

حين يتجاوز المنعطف ببطء، يصبح في مرأى نظرات أمه على بعد عشر خطوات من الأعلى، و يسير ببطء بقدر ما يجرؤ على ذلك باتجاه المدخل. بجانب المدخل يوجد محل للحطب، و هناك يتجرؤ على أية حال أن يركع على ركبتيه، و يتفرج من النافذة على رجل يرفع الفحم في سلة سوداء .حين ينتهي الرجل تكون الأم واقفة خلفه تماماً . ترفعه و تمسكه من رقبته لكي تتمكن من النظر في عينيه. ماذا قال , همست ؟ أم أنك كنت جباناً مرة أخرى؟

قال بأنه سوف يأتي حالاً همس "أوكي" مجيباً.

و النقود طيب؟

أغمضي عينيك ماما قال "اوكي " و هو يلعب آخر لعبة للنهار. وفيما بعد ذلك تغمض الأم عينيها يضع" اوكي" خلسة قطع النقود الأربعة من فئة الكرونة الواحدة في يدها الممتدة إليه، ثم يركض في الشارع بقدمين تتزلجان على الأحجار لأنهما خائفتان كثيراً

صرخة متعالية تلاحقه على طول الشارع المسكون، و لكنها لا توقفه بل تجعله على العكس كي يركض أسرع .




ستيغ داغرمان: ألعاب الليل (قصة)

تعليقات

القصة جيدة لكنها تحتاج لترجمة أكثر انضباطا وفهما لأفقها السردي.
اخي الغالي أمل الكردفاني
تحية طيبة وتقدير
ستيغ داغرمان الكاتب السويدي قضى منتحرا عن 31 سنة .. وقد ادرجته ضمن ديان الغائبين .. وتغلب على كتابته سمة التشاؤه واليأس .. ثم اني فكرت في ادراجه ضمن متصفح للادباء المنتحرين ، لكن رايت ان هناك من كتب في هذا المجال وعلى راسهم جمانة حداد.. في مؤلفها الشهير الذي رصدت من خلاله ازيد من 160 شخصا فارقوا الحياة بطرق تراجيدية..
النص كما قلت جيد لكن افسدته الترجمة .. والظاهر انه ترجم عن قنوات اخرى غير لغته الام.. ومهما تكن مهارة المترجم فانه يوصل المعنى ولا يوصل الجوهر.. وتلك احدى خيانات الترجمة وسيئاتها..
اتمنى لك كل الخير والصحة والسعادة
 
أعلى