ريم أبو الفضل - الغيلم

في حدةٍ... سألتُه زوجاً سليماً غير مريض، يتمتع بصحةٍ أفضل، وعمر أطول.
خيّرنى بين الأنواع السابقة التي امتلكتها قبل حين، وأضاف إليها جديداً.
اقترح علي البائع هذه المرة زوجاً من السلاحف، حيث إنها مُعمرة..بعدما شكوت له أن كل السابقين يضيقون ذرعاً ببعضهما.
وكالعادة أوصى البائع باقتنائي لذكر وأنثى، فهذا أنسب اجتماعياً للحيوان، ويكون في حالة أسعد، كما يمنحه عمراً أطول؛ فامتثلتُ لرأيه.
عرّفني باختلافاتٍ شكلية للذكر عن الأنثى، كما يفعل معي فيما اشتريه منه.
أطلقتُ على الغيلم اسم "دبور" وعلى السلحفاة اسم "وردة.."
أعددتُ لهما عش الزوجية، وفرشته بما لذ وطاب من الأوراق الخضراء... وراقبتهما عن وكثب.
كانت "وردة" وديعة لا تقترب من الأوراق إلا بعدما ينتهي "دبور" الذي بدا قاسياً متسلطاً.
لابد أن بينهما إشارة ونظرة، تهابه فلا تقترب حتى يأذن لها..وربما كان يخصص لها نصيباً محدداً من الطعام، أو يجور على نصيبها.
جار أخي على نصيبي من إرثِ أبى.. وجار آخر على قلبي.. وجار آخرون على حقي في الحياة.
هكذا هم جنس الذكور في سائرِ المخلوقات.
سَمِن "دبور" بينما ازدادت "وردة" نحولاً... عزمتُ على أن أكون أكثر إيجابية، فأتدخل لأمنع ذاك الجور، وهذا الظلم.
قسّمتُ المكان بحاجز بينهما، وأعطيتُ "وردة" نصيباً من الطعام يفوق "دبور" تحتاج هي كثيراً من التغذية.. كفاه حظاً يضاعف حظها لأنه الذكر.
تحتاج مزيداً من الراحة..
أخرجت "دبور" للشرفة.. أليس هو الذكر؟، فعليه أن يتحمل البرد، ولتنعم "وردة" بالهدوء والراحة بعيداً عن "دبور" وإزعاجه.
تحتاج "وردة" لبعض التدليل كدشٍ دافئ... وليكن "دبور" خشناً، أليس هو الذكر؟
انتابت "وردة" فترةً حزن أثناء وجود "دبور" في الشرفة.. فعافتْ الطعام.
ربما مال قلبه لسلحفاة أخرى لمحها في شرفة الجيران.. وحزنت لذلك "وردة" ولم تتحمل خيانة حبيبها، وشريكها.
هكذا هم الذكور خائنون..
عاقبتُ "دبور" على خيانته فحرمته من الطعام، ومن الفراش الوثير، ومن الدش الدافئ.
زدتُ من رعايتي لـ "وردة" حتى تجتاز أزمتها النفسية مع "دبور" بعد خيانته لها... أعلم تلك المرحلة التي تحتاج فيها الأنثى للدعم، ولاستعادة ثقتها بنفسها.
زاد "دبور" من عبثه حراً طليقاً في الشرفة غير عابئ بعقابي له، مثله كسائر الذكور حين يتيه عشقاً بأخرى.
بعد أيام..
فتحتُ شرفتي فوجدت "دبور" مُلقًى على ظهره ميتاً..
حاله كحال الذكور حين ينتحرون بعد هجر عشيقاتهم، أو ربما كان عقاباً إلهياً له لهجره لـ "وردة".
وضعت "دبور" أمام وردة حتى تعلم أن الله قد اقتص من خيانته لها... فانزوتْ في ركن وكأنها ارتعبت لمنظره.
لا عليك "وردة" سأقيم لـ "دبور" مراسم دفن من أجلك..
أخرجت "دبور" في صندوق بجانب كيس النفايات ليُدفن في المكان اللائق به.
بعد أيام أخرى....
فعلت "وردة" مثل كل الإناث حين يرحل عنهن حبيبهن..
وجدتها ممددة على ظهرها..
رحلت "وردة" حزناً وكمداً على خيانة "دبور".
هكذا ترحل بعض الإناث الساذجة حزناً على غدرِ ورحيل ذكور خائنين.
لم أحزن على "وردة" فقد اختارت مصيراً غبياً.. ولم أقم لها مراسم لدفنها؛ فألحقتها بذكرها الغادر بجوار كيس النفايات.
في يومي التالي...
مررتُ على محل بيع الحيوانات لاختيار زوج جديد ومختلف ربما يكون أكثر وفاءً لبعضهما من كل الأزواج السابقة..
ألقيت التحية... وقبل أن أحكي له قصة الرحيل المتكررة..
قاطعني البائع معتذراً عن خطئه..
في أنه أعطاني زوجاً من............ إناث السلاحف.

مجلة العربي - يناير 2017م
* عن جروب " الصوت المنفرد"

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى