موسى شعيب - بقايا أوراق.. شعر

وفلسطين هي البدء
ذراعاها امتداد الفصل في خاصرة العصر
وعيناها النبوءة
كل جرحٍ في روابي القدس
نار طهرتنا من الخطيئة
كل دمع في مآقي القدس طوفان
وجرح القدس غطّى زمن الشرق
تعرّى في دمشق
طالع من وجه عمّانٍ نبيا
نازل في جرح بيروت نبيا

يا جراح القدس يا بوابة العمر الجديدة

***
أماه إني أسمعهم
صهيل الخيل في أذني صداه
وها غبار الفتح يا أماه كلّي شذاه
الله أكبر يهتفون، ومن سواهم هتفه الله أكبر
الله عاد، وها عليّ عاد يدق باب خيبر.

***
حين يغدو الورق الأصفر في كفي جيفة
حين يغدو الحرف ناراً وقذيفة
حين أمسي
ودم الأطفال يطلي أفقي بالسوادِ
فأنا طالب ثورة
ودمي صار مدادي
وكتابي لم يعد إلا خميره
تهب الخبز لأطفال بلادي

***
وطني يا كعبة الحزن وجرح الأنبياء
باسم هذا الجرح
باسم الشهداء
سوف تبقى
أيها الوطن الصامد، صامد
وسيبقى
شعبك الرائع خفاق اللواء

***
الوطن الحلو عذابات
الوطن الحلو حكايات
الوطن الحلو طفولات
ليت دماء الشهداء جفَّت قبل شهادتهم
ليت الشهداء ما ولدوا

***
عيناي ترتحلان نحو سماء وجهك
والدروب تشدّ بي للريح
والفلوات أوسع من مدى صوتي
وللسنوات وقعٌ في ضلوعي
أين تختبئ البلابل يا حبيبتي
أين تجتمع الفراشة بالندى
والياسمينة
والصباح
وطلعة الشمس البهية؟
أين ينهمر النهار على الحقول
وأين تبتدئ السحابة
بالحديث عن الربيع؟

***
ماذا أتيت اليوم تفعل؟
لا يداك طليقتان
ولا الحقول مليئة بالورد
عد من حيث جئت
فقد رماك العاشقون من الدفاتر
والصبايا

***
يا نوبل …
لو عدت الساعةَ للدنيا
ونظرت إلى حال الدنيا
لفقأت بأنملك العشرة
عينيك فلا تبصر
أبناء الدنيا
يا نوبل

***
مرفّهة مثل حزن العذارى
ومرهفة كالعطش
تمرين مثل رياح الصحارى
تمرين مخضوبةً بالعطش
وفي ظلك الرحب أبحث عن لهفتي الهاربة
في ظلّ هدبك أبحث عن ثوب أمي
وفي رمل كفّيك أبحث عن وجه أبي
وعن زرقة، عن ضفاف
أرى حطباً يابساً
وشوكاً يسدُّ الدروب التي سال منها الصباح
وفرّخ فيها زمان الطفولة
تعود إلى ضفة الشارع المر
تلتمس الخبز والأرصفه
تعود العيون التي شردتك عن البحر
ترميك في البحر
هذا الهوان الذي هزّ عطفيك
يأتي إليك جميلا ً
وتعشق هذا الهوان

خطوة للأمام
اثنتان إلى الخلف
تبقى المسافة بين الصباح ووجهك
مثل المسافة بين الندى والمطر …

خطوة للأمام
اثنتان إلى الخلف
هذا أوان العبور
وأنت تدور تدور …
ضفاف الشوارع ترميك
والبحر يرميك
والريح ترميك
والأرض تمشي إليك على جرحها المستحيل!!
كم تراها تلوَّت لياليك
كم حبلت بالضرورة
ثم تجاوزها الرعد؟

كم ذا رجتك العيون الكسيرة أن ترتدي النار
أغراك وجه أبيك المحطّم أن تصعد المقصلة؟
وفتحت الأرض أذرعها لاحتضانك في الصيف؟
شبَّكت الأرض أذرعها لامتحانك في الدورة الثانية؟؟
هي الأرض تحمل في رئتيها لهاث جدودك
تحفظ عن ظهر قلب أسامي أهلك
وشم سواعدهم
وفي كل شبر من الأرض صوت لأمّك يحدو
وهذا التراب
حليب نساء العشيرة ينساح في الأرض
يزهر في العشب والقمح
يكسو جناح العصافير
حلو هو اللوز حين العصافير
تشعله بالأمومة
حين التراب يعطره بالأريج

وتبقى وحيدا ً
تحدث اللوز و الزعتر البلديّ
أمك سائبة الضرع،
ترقد فوق فراش أبيك الكلاب
وتنهش عظم أبيك الذئاب
ورأس أبيك معلق في جذع خروبة يابسة
ودار أبيك مشرّعة للوباء
وها أنت تغرق في شبر خوفٍ
تردد حلما ً قديما ً
وتنشد شعرا ً قديما ً
تفتش عن “سبل” القمح في الكتب
ترسم عش العصافير فوق المكاتب
يأتيك أهل القرى يسألون عن الوعد
قحط يأتي غبار مواسمهم
ليدهن وجهك بالقحط
يأتي إليك هدير القرى
ويُنفخ بالصور هذا أوان حصادك
أين المفرّ.

ضفاف الشوارع غير ضفاف البحار
وأرصفة البحر غير مقاهي الرصيف
وأنت تدور … تدور … تدور
العيون تطل من الفرجات
وأرغفة الخبز تمشي إلى الذبح
يقترب الرعد
يبتعد الرعد
وتبقى المسافة بين الرغيف ووجهك قاب انتحار …

كم تراها تلوَّت لياليك
كم حبلت بالضرورة
ثم تجاوزها الرعد؟

تعود إلى ضفة الشارع
تستمطر الخبز
هذي العيون التي شردتك عن البحر
ترميك في البحر

الوقت ربيع
والساعة تعبر آخر جدران الليل
يتقاطع آخر عطر نيساني
بدبيب الصيف المنسل إلى النسغ رويدا ً
أحلم بالأيام الخضراء تجيء
وبالسنوات تُعيد بكارتها …
أبحث عنكِ … فألقاك،
تجاوزت الزمن الشتويْ
عدوت بعيدا ً خلف مدى عطرك
وأبحث عنك فلا أملك أن ألقاك بغير بقايا العطر
ما أحزن أن ينضب ينبوع
ما أحزن أن يرحل عصفور ويبلّ بدمعه ريش جناحيه.

الوقت ربيع
أبحث عن عطرك،
أنت هنا
ويدي تَمتدّ … فتبتعدين
وتَمتدّ … فتبتعدين …
وتَمتدّ …
فلا نذهب أبعد من ينبوع هجرته عصافير الصيف.
أنت هنا
أمتشق الذكرى وأجيئك
أجمع أشياءً راحلةً وأجيئك
أحمل حزني وأجيئك
ألقي بين يديك الذكرى والحزن وكلّ الأشياء.
لكن … ترحل مثل عصافير الريح يداكِ …

***
على عتبات هذا العالم الدجّال
ضاع الربح و الرسمال
كرامة عينَي الميثاق
ضحّى الوالدون بلقمة الأطفال

تروح السنونو
تجيء السنونو
وقلبي شباك هم عتيق
تلمّ المناديل دمع الأحبة
تُعري ضلوع الطريق
وقلبي شباك هم عتيق
إلى أين ترحل يا غيم
والريح باب على الموت
وعيناك يا بلدي غيمتان
غداً تسأل الريح متى تمطران

سألت السواقي عن دمع عينيك، كل السواقي
تذوقت ملح البحار
قرعت نوافذ كل المسافات
نامت على كل درب عصاي
وغنيت للعابرين السبيل
فما طربوا لي
وصليت للعابرين السبيل
فمل أنصتوا لي
بكيت … استغثت …
رموني بكل النفايات
وحين استحال غنائي رصاصاً
وحين استحالت صلاتي لذاتي
استدارت إليّ الوجوه

***
شقية الوجه يا منهوبة الدار
لم يبقَ في الدار رجع أغنيةٍ
وفي حناياك إلا بعض أسرار
فيم الترقب للآتي وليس على
خيوط وجهك إلا دمعك الجاري
حماة عرضك نام الوجد في دمهم
لمّا تمازج لون الوجد بالنار

***
ألا ثوري سرايانا
ألا انطلقي شرايانا
مضى زمن بكينا فيه موتانا
مضى زمن زرعناه شكايات وأحزانا
وكان الدمع موطننا و منفانا
وتركتنا إلى الأجيال
كل حصاد دنيانا

ألا ثوري سرايانا
فهذا الدرب تملأه ضحايانا
وعهد للثرى العربي أن يحيا بقتلانا

***
كالحلم ببال النعسان
تأتين ووجهك ينزلقُ.
أرتاح دقائق كاذبةً
وأعود يبعثرني القلق
بينا يمناك تصافحني
يرتعش الصمت و نفترق!..

يا غيمة صيفٍ خالبةٍ
الصيف يلملم حاجاتِهْ
جفّت أفواه براعمنا
ما أسبل جفنك دمعاته
بستاني الشوق يحرّقه
ليبلّل جنح فراشاته.
يا وجهك رفّ سنونوةً
في أفق خيالي فانتعشا
صفقت بالماء جناحيها
فتفتح ورداً مرتعشا
وتجمع يرقب عودتها
ويكاد يجف لها عطشا
***
يا حاديَ العيس سلم على أمي = واحكي لها قصتي واشـرح لها همي
أضمّ يا أم ريحا ً كلما عبرت = من صوب منفاك هل للريح من ضمِّ؟
يا حاديَ العيس سلم على أهلي = مـنفاهـم في جـبال الله و السـهل
بالله يا حامل الأشواق غنّ لهم = مـوالك الحلو أو سـلم على مـهل
يا حادي العيس يمم شط أحبابي = خبرهم بعد أن حلّ النوى ما بي
يا حادي العيس أخشى أن يصيبهم = ذعر، فبالله لا تقسُ على الباب

وحادي العيس لم يهتم
ومر العام بعد العام ما غنّى ولا سلّم
فآه يا بعيد الدار لو تعلم


موسى شعيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى