ميخائيل سعد - من حرب إلى أخرى..

لم يكن إقدام سورية لاجئة في المانيا، على قتل طفليها (٢و٤ سنوات) طعنا بالسكين، هو الخبر المفجع الوحيد في حياة اللاجئين السوريين. فهناك رجل سوري لاجىء أيضا، طعن زوجته الشابة بالسكين حتى الموت. كما أن هناك قصصاً شفوية كثيرة عن حالات الطلاق بين السوريين اللاجئين الى لبنان والاردن وتركيا ومصر، بالإضافة إلى من وصل منهم، بعد مخاطر كبيرة، إلى البر الاوروبي. هذا دون الاشارة إلى نتائج الحرب داخل سوريا، وتفتت المجتمع السوري، وتدمير المدراس، ونقص الرجال في المجتمع، حتى أصبح ظهور رجل في شوارع دمشق، مثلا، ملفت لنظر للنساء. وقد انتشرت نكتة على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الناس، تقول إن النساء في دمشق قد خلعن الحجاب، لأنه لم يبق رجال في المدينة، فانتفت الحاجة له.
في تركيا، سمعت من سوريات وسوريين، أن انتشار المخدرات في أوساط الشباب والشابات السوريات في غازي عنتاب، والحديث عن هذه الظاهرة بشكل علني أصبح من الامور اليومية، التي لا يتوقف الناس عندها. لن أتوقف طويلا عند ظاهرة زواج القاصرات السوريات، فقد يكون هذا الزواج أفضل الحلول، التي تريح الأهل، الذي لم يعد بمقدورهم إعالة أولادهم، رغم ما قد يترتب عن هذا الزواج من مآسي.
هربا من هذا الجو النفسي الضاغط، قررت أن أبتعد عن كل ما يوترني، فانصرفت لمشاهدة أكبر عدد ممكن من الافلام السينمائية، فهي مجانية عبر الانترنيت، وتلتهم الوقت التهاماً. ولكن الواقع العنيف كان أكبر من ان استطيع الهرب منه، فهو يلاحقني سواء أثناء متابعة الاخبار أو قراءة قصص الناجين من المحرقة السورية، أو الشهادات الموثقة عن المجاز الجماعية لطيران الاحتلالين الروسي والاسدي، أو حتى عبر السينما، التي قذفت بين يدي فيلما كنديا، يسلط الضوء على جانب مأساوي آخر من جوانب الحرب الاهلية اللبنانية، وقد شدّ الفيلم انتباهي كثيراً، لأنني وجدت فيه بعض ما يحدث في سوريا، وفي بلاد الانتشار، فقررت نقل مضمونه بدوري الى السوريين، للفت انتباههم الى احتمالات واردة، ولكن غير مرئية الآن، ولكن قد تتكشف مستقبلا بين أوساط من عاش الحرب، وبقي حيا.
كنت في حالة حوار نكد مع زوجتي، عندما مر على شاشة الكمبيوتر اسم الفيلم الكيبكي “انساندي” او الحريق، لدوني فيلنوف، فضغطت اصابعي على الكمبيوتر وبدأت مأخوذاً بالفيلم منذ اللحظات الأولى. تمنيت لو انني بقيت مستمعا لاحاديث زوجتي، فتلك ليست محزنة وفجائعية، رغم النق.
الفيلم مقتبس من قصة واقعية، جرت أحداثها في لبنان خلال سنوات الحرب الاهلية ومقدماتها، فقد حملت بطلة الفيلم، الشابة المسيحية، من فلسطيني لبناني، وعندما حاولت الهرب معه، تم القاء القبض عليها وقتل الشاب من قبل اخويها. نكتشف، بعدها، ان الفتاة كانت حاملاً، وتضع مولودها في بيت جدتها، التي وشمته. بعد ولادته مباشرة، من قدمه، ووضعته في ملجأ للايتام بموافقة الام، مقابل ذهابها الى مدينة اخرى لاتمام تعليمها.
تبدأ الحرب، وتعود الفتاة الى الجنوب باحثة عن ابنها، فتشاهد مذبحة طائفية، تقوم بها احدى الميليشيات المسيحية ضد ركاب باص ينقل ركابه المسلمين الى احدى المخيمات، وتكون هي الناجية الوحيدة لانها مسيحية، فتقرر الانتقام، وتقوم باغتيال المسؤول العسكري لتلك المليشيا المسيحية في الجنوب، وتغيب حراسها في السجن ١٥ عاما، تتعرض خلالها للتعذيب والاغتصاب من أحدهم، وتنجب منه تتوأماً، بنت وصبي. وبعد ان تخرج من السجن، يتم تسهيل سفرها مع ولديها الى كندا.
في أحد المسابح المونتريالية، ترى قدم شاب موشومة بوشم جدتها لابنها عند ولادته، وتتعرف فيه على الشاب الذي كان يعذبها في السجن واغتصبها، وحملت منه، فتعرف انه ابنها الاول، وهو، في الوقت نفسه، اب لولديها الاخرين.
تمرض، وتموت تاركة، عند المحامي الكيبيكي الذي كانت تعمل عنده، وصية لاولادها للبحث عن حقيقتهم اللبنانية، فيغادروا الى لبنان ليتعرفوا عليه وعلى مأساة أمهم، وان اباهم هو اخوهم في الوقت نفسه.كانت الوصية ان يحبوا بعضهم، فهم لم يختاروا مصيرهم، انها مسؤولية الحرب الاهلية.
بعد نهاية الفيلم، حضنت زوجتي وولدي، متمنياً ان لا يضرس اولادي او اولاد غيري من السوريين الذين يعيشون الان كل انواع العذابات ومخاطر الحرب التي فرضها علينا المجرم ابن الاسد.
مونتريال ٢٠١٦

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى