خاليد طحطح / محمد بكور - المجاعات والأوبئة بشمال المغرب.. النتائج وردود الفعل

1- جرد لأهم المجاعات بشمال المغرب.

عرف المغرب مند عهد السلطان المولى اسماعيل مجاعات كارثية ساهمت فيها عوامل مختلفة طبيعية وأخرى بشرية, وتشير المصادر إلى أن المغرب عرف سنة (1679- 1090) مجاعة نتيجة انحباس المطر حتى اضطر الناس لأداء صلاة الاستسقاء 9 مرات وارتفعت الأسعار1 يقول الضعيف ( وفي عام 1091 حدث غلاء بسبب تاخير المطر (...) وصلى الناس صلاة الاستسقاء مرارا ,2 ثم انحبس المطر طيلة سنوات{ 1721- الى1727 } وفي سنة( 1724) لم تمطر السماء إطلاقا فيبست أشجار الزيتون والكروم والتين وبذلك انتشرت المجاعة في المغرب ) غير أن المصادر لا تسعفنا على تحديد مدى تأثر الشمال بهذه المجاعة, رغم أننا على يقين أن هذه المجاعة لم تستثني منطقة الشمال لأنها كانت عامة.

أما مجاعة { 1737- 1738/1150- 1151 } والتي ضربت المغرب خلال فترة الحروب الأهلية التي أعقبت وفاة المولى إسماعيل, فقد كانت شديدة حتى اسماها بعض الإخباريين بالمجاعة العظيمة,( وفي سنة 1150 كانت المجاعة العظيمة (..) والفتن ونهب الدور بالليل بفاس وصار جل الناس لصوصا (..) فكان أهل اليسار لا ينامون لحراسة دورهم وأمتعتهم وهلك من الجوع عدد لا حصر له3 ) أما الضعيف فيصف مظاهرها قائلا ( ماتت عامة الناس بالجوع, وعجز الناس عن دفن موتاهم, وكانوا يرمونهم في الأزقة والمزابل وغير ذلك 4 ).

يبدوا أن هذه المجاعة لم تشمل شمال المغرب, تؤكد ذلك رواية الضعيف التي تصف خروج سكان فاس ,وكانت المدن الشمالية هي الوجهة يقول الضعيف {ًقال المؤرخ (وهو سيدي محمد بن الطيب الحسني القادري ) وأما أهل فاس العتيق, فخرج الجل منهم لتطوان وطنجة والعرائش والقصر ووزان, من قلة الطعام وارتفاع الأسعار 5.} وكانت تطوان هي التي استقطبت اكبر عدد من هؤلاء النازحين6 , ويضيف الضعيف( وخرج الناس لتطوان وما والاها لجلب الطعام, إذ سخر الله العدو بحمل الطعام من بلاده لأرض المسلمين 7..ويؤكد البزاز هذه الفكرة قائلا( يبدو أن المجاعة كانت اخف وطأة في المدن الشمالية المتطرفة كما يفهم من رواية الإخباريين التي تتحدث عن تدفق سيول الجائعين إليها من فاس ومكناس8.)

فما هي الأسباب التي جعلت الشمال بمنأى عن نتائج هذه المجاعة التدميرية ؟

لقد كانت هذه المجاعة نتيجة تضافر عوامل طبيعية, كانحباس المطر وزحف الجراد , وعوامل بشرية تمثلت في الصراعات العنيفة حول العرش, وكانت هذه النزاعات السياسية والعسكرية تدور رحاها في وسط المغرب, خاصة حول عواصمه التقليدية , في حين ظل الشمال بعيدا جغرافيا عن بؤرة هذا الصراع, وبمعزل عن عبث الجيوش بمحاصيله الزراعية.

هذا من جهة, ومن جهة ثانية فان جلب التجار الأوربيين للحبوب والمواد الغذائية خلال هذه الفترة إلى المدن الشمالية خفف من وطأة تأثير الكارثة.

ونفس الوضعية عاشها شمال المغرب خلال مجاعة( 1155- 1742) حيث يذكر الضعيف {أن جل أهل فاس القديمة باعوا ديارهم من شدة الجوع المفرط ,وخرجوا إلى القصر ووزان والعرائش وتطوان وطنجة بعيالهم ,وكانوا يتكففون, ويسعون القوت من أبواب الديار ,وقد حكى لي من أثق به ( يقول الضعيف) من أهل القصر, انه قال: كانت دراري أهل فاس يسعون في القصر.... حتى كانت صبية صغيرة تقول متاع الله الله لله على ربي ياللي اعطيني قدر ما يعطي للقطيطة 9. }

وبنهاية الأزمة السياسية, وتولي السلطان محمد بن عبد الله العرش, دخل المغرب مرحلة الاستقرار والهدوء ,وتزامن ذلك مع سلسلة من المحاصيل الجيدة, بفعل تحسن الظروف المناخية , حتى أصبح المغرب يصدر القمح إلى أوروبا, وبكميات كبيرة خصوصا بعد استصدار السلطان فتوى من العلماء بجواز ذلك لشراء الأسلحة والذخائر. وبدأت عملية التصدير من سنة 1766 مما شكل مجازفة خطيرة على الأوضاع الداخلية في حالة محصول ضعيف ومنذ 1775 ارتفعت أسعار القمح بشكل كبير نتيجة تصديره ويؤكد ذلك جليا تقرير القنصل الفرنسي شيني قائلا إن محصول القمح لم يكن وافرا في السنة الماضية (1774) , والبلاد لا تتوفر على مخزونات منه, بسبب النتائج الوخيمة الناجمة عن تصديره في السنوات الماضية , وترى ثمنه اليوم يزيد على ما كان عليه بثلاث مرات 10 فأصبحت البلاد مهددة بنقص حاد في الغداء, وبهجوم الجراد واشتداد موجة الغلاء, بدأت الإرهاصات الأولى للمجاعة الكبيرة (1776- 1781)/(1190- 1196). يقول الناصريً( كانت المجاعة الكبيرة بالمغرب وانحبس المطر ووقع القحط وكثر الهرج, ودام ذلك قريبا من سبع سنين.....أكل الناس فيها الميتة والخنزير والآدمي وفنى أكثرهم جوعا.11).

ولا نجد معلومات في المصادر والوثائق عن مدى تأثر مناطق الشمال بهذه المجاعة الطويلة باستثناء بعض الإشارات الطفيفة الموجودة في مراسلات أجنبية, والتي تحدثت عن انتعاش حركة تجارية بين مدينة فارو البرتغالية وطنجة, حيث كانت بعض السفن تأتي محملة بالفواكه الجافة والزيت والزبدة والقمح ,مما خفف من حدة الأزمة بالموانئ الشمالية12. ويذكر شيني بان الأمطار التي تهاطلت مند شهر ابريل1781 كانت غزيرة في الشمال قليلة في الجنوب.

مجاعة (1817- 1818/1233- 1234)


بدأت هذه الكارثة بعد تعرض البلاد لغزو الجراد وانحباس المطر (1816- 1817), مما جعل المحصول الزراعي ضئيلا, فارتفعت الأسعار وزاد الأمر خطورة سماح السلطان بتصدير القمح إلى فرنسا 12 , وفي سنة 1818 استمر الجفاف, وبلغت الأزمة الغذائية ذروتها بانعدام المواد الاستهلاكية من الأسواق, وتؤكد التقارير القنصلية في مدينة طنجة أن سكانها عانوا كثيرا من هذه المجاعة , فقد كان نصفهم يقتاتون من الحشائش13.

مجاعة (1825- 1826- 1241- 1242)


بدأت هذه المجاعة حسب مييج بندرة المواد الغذائية14 ,وقد مست هذه المجاعة شمال المغرب فارتفع ثمن القمح من نصف مثقال للمد إلى مثقالين للمد, لكنه عموما ظل اقل بكثير من ثمن القمح بفاس الذي بلغ 7 ثم 9 مثاقيل للمد15.

كان لاستراد الأقوات عبر موانئ طنجة ثم تطوان والعرائش نتائج طيبة على هذه المدن, فقد انخفضت الأسعار وتراجع الجوع , كم ساهم المخزن في تخفيف هذه الحدة ففي رسالة للسلطان مؤرخة 2 ربيع الثاني 1241 تقول( أنعمنا على ضعفاء أهل تطوان, وأراملهم وأيتامهم بهذا 20000 مثاقيل من مال اشعاع.16...), وبفضل الامتياز الذي كان لطنجة فقد قصدها الجائعون فاكتظت بالافاقيين والمشردين الذين يجوبون الحقول المجاورة بحثا عن الجذور, بل اضطروا إلى أكل جميع كلاب المدينة, وتهافتوا على جثث الخيول والحمير والبغال والأبقار الملقاة على قارعة الطريق , ومع ذلك كثر الموت في أوساطهم فكان يسقط منهم من 10 إلى 15 ضحية في كل يوم خلال أكتوبر 1825 17.

مجاعة ( 1847- 1851 /1264- 1268)

مند 1845 تعرض الشمال المغربي لازمة غذائية, فقد قلت بها الأقوات وندرت , فأمر السلطان بجلب الحبوب إلى طنجة وتطوان والعرائش من مراسي الدار البيضاء والجديدة واسفي.18 واستمرت هذه الأزمة بعد الجفاف الحاد الذي شهدته سنة 1847 والذي أدى إلى إتلاف المحاصيل ,فارتفعت أسعار القمح بشكل كبير في طنجة 19 وانتشرت الأزمة بعد جفاف 1850 خاصة بالأقاليم الجنوبية

أما بشمال المغرب فيبدوا أن الأمر كان اقل حدة وهو ما نستنتجه من الرسالة التي أوردها البزاز والتي كتبها سيدي محمد من مراكش إلى مولاي عبد الرحمان ب9 ربيع الثاني 1266 /21 فبراير 1850 يقول فيها ( وهذه النواحي من اجل اليبس وشدة الغلاء لا يعلمه إلا الله فان ظهر لمولانا أيده الله أن يأمر بتوجيه مركب موسوق من القمح من العرائش لاسفي أو الجديدة ويحمل من هناك لهنا 20.

مجاعة 1867- 1869 /1284- 1286

عاش المغرب بعد حرب تطوان ظروفا مزرية امتزج فيها الضغط الاستعماري الخارجي بوطأة الضرائب في الداخل, وبالاضطرابات والفتن المؤدية لغياب الأمن وقطع السبل, فارتفعت الأسعار بشكل مهول, زاد من بلته توالي سنوات الجفاف (1869- 1867) وانتشار الكوليرا سنة 1868. نتج عن هذه الأوضاع مجاعة مدمرة شملت جل المناطق, فقد ارتفعت أسعار الحبوب بتطوان وطنجة والعرائش مند 1865 الشيء الذي دفع السلطان إلى إصدار أوامره بجلب الحبوب من المراسي لمواجهة القحط بالشمال 21.

وفي سنة 1867 انحبس المطر مجددا, وشح الطعام وتضاعفت الأسعار واشتد القحط بالمغرب, وكان أقوى بمناطق الشمال تشير وثيقة أوردها البزاز إلى شدة القحط بطنجة ونواحيها وتشير أخرى إلى أن تطوان ونواحيها عانت من الاحتياج والى ما تقتات به من أنواع الحبوب 22 ونظرا للمعاناة الشديدة لسكان هده المناطق فقد اخبر محمد بركاش أمناء اسفي بصدور الأوامر السلطانية بان يعجلوا.. بتوجيه مركبين من القمح لأمناء طنجة لبيعه برأسماله قصد التخفيف عن الضعفاء 23

ومن خلال الهجرات الناتجة عن هده المجاعة يتضح أن منطقة الريف عانت من قسوة هده الكارثة.فقد تدفق سير من الريفيين نحو المدن القريبة كتطوان التي التجأ إليها 4000 مهاجر وطنجة 5000.... وعانوا في هذه المدن من قلة الطعام وعاشوا ظروفا مؤلمة ففي رسالة لقنصل الولايات المتحدة الأمريكية بطنجة مائيوس يصف الوضع قائلا إن السفارات الأجنبية محاصرة ليل نهار بالجائعين ولا يسمع المرء طيلة الأربع والعشرين ساعة سوى نداء واحد الخبز24 وفي طنجة أيضا كانت أمواج الجائعين الدين غادروا دواويرهم يهيمون بحثا عن الشغل أو استجداء لقمة العيش وترى النساء لا تغطيهن سوى بعض الأسمال ينتقلن من باب لأخرى طلبا للصدقة ذلك ما رواه قنصل بلجيكا 25 أما سفير فرنسا فوصف كثرة الوفيات الناتجة عن هده المجاعة رأيت بعيني في الأيام الأولى التي قمت فيها بتوزيع الإسعافات لنساء تعيسات يسقطن ميتات بعد تناولهن بعض الطعام الذي حرمن منه مدة طويلة 26 وبتطوان اشتد الحال من كثرة الغلاء ووقع الهيف في الناس ومات عدد كبير من البرد والجوع خصوصا من أهل الريف الدين فروا من بلادهم جراء غلاء الأسعار وعدم نزول الأمطار27

كارثة (1880- 1878 /1295- 1297

بدأت مؤشرات هده الكارثة مند 1877 بمحصول اقل من المعتاد ثم جاء خريف 1877بجفاف رهيب تسبب حسب فون كوزنغ الدي أقام بالمغرب عام 1877 بإقليم الغرب في هبوط كبير في أثمان الماشية والخيول واستمر الجفاف طيلة 1878 ولم تسجل سوى بعض التهاطلات الضعيفة في الأقاليم الشمالية 28 التي غرقت خلال هده الفترة بأعداد ضخمة من النازحين إليها

وهكذا كانت هده سنة يبس وجدب عام خصوصا في أهل البادية حيث يقول الناصري ولقد هلك منهم الجم الغفير وكان إخوانهم يحفرون على من دفن منهم ليلا ويستلبونهم من أكفانهم(ج3- ص164) ويشير مييج إلى أن المحاصيل التي أخطاها الجفاف أتى عليها الجراد29 وقد تجلت مظاهر هدا الجفاف في هلاك الخرفان والماعز والخيول والابقاروالجمال فاضطر الفلاحون لبيع ماشيتهم لعدم وجود الكلأ ولحاجتهم شراء الطعام وتشير مراسلة من العرائش إلى أن الفلاحين لم يتمكنوا من تجديد دوابهم بعد الخسائر التي نكبوا بها عام 1878 30

وعكس الماشية عرفت الحبوب والمواد العدائية ارتفاعا مفرطا في أثمانها.ففي المدن الشمالية يخبرنا ماثيوس بان الأسعار ارتفعت في بضعة أسابيع بنسبة 300 في المائة31

وفي شتاء 1878 تهاطلت الأمطار بغزارة بعد سنة طويلة من الجفاف...فبدأت الحالة في التحسن 32. لكن يظهر من خلال استنطاق الوثائق المغربية أن بعض الأقاليم كانت ماتزال تعاني من ويلات هدا الجفاف وغلاء الأسعار فبخصوص الريف تقول وثيقة بتاريخ (1297/25 يناير 1880 ) المال افنى والأسعار اغلات من قلة المطر في هده النواحي وناحية ايالة الريف وهي من رسالة اقلعي إلى المولى الحسن. 33

وفي الموسم الفلاحي 1880 – 1881 ساد الجفاف طنجة مباشرة بعد أن قام الفلاحون ببذر المزروعات إلا أن الأمطار التي سقطت في فبراير جاءت في الوقت المناسب لانقاد هده المزروعات.وتشير رواية مايتوس إلى أن الأمطار همت الواجهة الاطلنتيكية وأنها كانت غزيرة خاصة في الشمال كالعرائش وتطوان وطنجة وحسب الرواية نفسها فان هده الأمطار أدت إلى هبوط أسعار القمح والشعير34.

مجاعة 1890- 1891 /- 1308- 1307

تميزت هده السنة بالجفاف... وغزو مخيف للجراد..وصل إلى جميع المراسي بما فيها طنجة أما أضراره فقد اختلفت في الأقاليم الشمالية من منطقة لأخرى 35

كما تفشى داء الجدري.. وظهر أول ما ظهر في الصويرة..ثم انتقل... شمالا إلى الدار البيضاء وطنجة خلال شهر مارس والى غاية شهر دجنبر متفشيا بهذه المدينة متزامنا مع وباء ظهر بين البقر

وبتطوان احدث هدا الوباء خسائر كبيرة 50 في اليوم وذلك مابين بداية السنة ونهاية السنة كما أكد مييج 36

وفي مثل هده الظروف كانت الأقاليم الشمالية تعلق الآمال على جلب الحبوب من المراسي الوسطى للتخفيف من حدة الغلاء إلا أن هده المراسي كانت تعاني بدورها من الفاقة

2 – جرد لأهم الأوبئة التي عرفها شمال المغرب

- أ – الطواعين


- (طاعون 1676- 1679/ 1087- 1090) أو ل طاعون عرفه المغرب في عهد السلطان المولى إسماعيل كان ظهوره بتطوان ونواحيها37 ومنها انتشر إلى باقي المغرب سنة 1089- 1678 فكان عبيد السلطان يردون الوافدين من الآفاق على مكناسة الزيتون38 وقد تحدث ابن ناصر الدرعي في كتابه الدرر المرصعة بإسهاب عن هدا الطاعون كما أشار الضعيف إلى أن هدا الطاعون استمر إلى سنة 1689 39 وبعد هدا الطاعون استراح المغرب من هدا الوباء الخطير لمدة تزيد عن نصف قرن لكنه ظل مهدد ا بعودته

- طاعون ( 1742- 1744 /1155- 1157 )

حسب المراسلات التي نشرها ا لدكتور رونو في مجلة هيسبريس والتي اعتمد عليها الدكتور محمد الأمين البزاز في أطروحته فان الاحتمال الأقوى أن هذا الطاعون دخل إلى المغرب في مارس 1742 عبر الطريق البري من الجزائر وقد حملته قافلة تجارية إلى قرية قرب فاس ومنها انتقل إلى باقي البلاد 40

تزامن هدا الطاعون مع ظروف الحرب الأهلية وعدم الاستقرار التي كان يعيشها المغرب بعد وفاة السلطان إسماعيل وقد زاد هدا من صعوبة الوضع بالإضافة إلى آثار المجاعة التي كانت البلاد لم تسترح من جراحاتها الشيء الذي يسر السبل لانتشار هدا الطاعون بشكل أسرع وا نتشر هدا الوباء بين أفراد الوحدات المتحاربة ومنها القوات التي عباها القائد احمد الريفي باشا تطوان لمناصرة المستضيء ضد أخيه عبد الله والتي ضمت أهل الريف وجباله والفحص والخلط41 وقد ذكرت مراسلة بتاريخ 16 أكتوبر 1742ان هدا الجيش كان يخسر مابين 25 و30 ضحية من الوباء يوميا 42. وقد شمل هدا الوباء كل أطراف المغرب واكتسح الشمال خلال فصل الربيع وكان وباءا مدمرا خاصة بالقصر الكبير ووزان ا ذ تفيدنا مراسلة بتاريخ 25يونيو 1742 بان الكثيرين كانوا يموتون... وان من بقي منهم حيا لاذ بالفرار نحو المعمورة إلى حد أنهما خلتا من السكان 43 ويزكي الضعيف هده الرواية بقوله كثر الموت وضاع من الخلائق ما لا يحصى عددها حتى قيل مات من أهل القصر أربعة عشر ألف بالطاعون 44أما بطنجة فكان عدد الضحايا مابين 30 إلى 40 في اليوم وبتطوان من 10 إلى 12 ضحية وواصل الطاعون زحفه سنة 1 743 مخلفا مزيدا من القتلى بتطوان وطنجة ما بين 70 وبسبته ما بين 10الى 12 ضحية 45.

- طاعون ( 1750 / 1164)

- امتد من فاس ومكناس إلى المدن الشمالية وزان والقصر الكبير والعراش وتطوان وطنجة وأصيلا وكان هدا الوباء فتاكا يقول القادري ومن حوادث السنة

( 1163 - 1750 )ظهور الطاعون وفشوه في المغرب 46 وبلغ الموت في اليوم الواحد بفاس ما يزيد عن ثلاثمائة ودلك في رجب من عام الترجمة. وذكر الناصري أن ه²ا الوباء تزامن مع انحباس المطر فزاد من شدته47

- طاعون ( 1214- 1212 / 1799- 1797): من خلال الدراستين التي قام بهما الدكتور رونو حول هدا الطاعون تحديدا والمنشورتان بمجلة هيسبريس تمودا يتأكد لنا أن هدا الطاعون حدث مند فبراير 1799 ودلك حسب ما أشار الضعيف 48 ويبدو أن هدا الوباء دخل إلى المغرب من الجزائر وعم سائر البلاد بسرعة بسبب الحركات التي كان يقوم بها السلطان المولى سليمان. ولم يشمل طنجة هدا الوباء إلا في شهر نونبر من نفس السنة49 وخلف أعدادا كبيرة من القتلى وحسب محمد افيلال كان يموت في بلدتنا تطوان كل يوم 130 يزيد ب 10 أو ينقص بنحوها50.

- طاعون ( 1234- 1818 )

- تتفق المصادر المغربية والوثائق الأجنبية أن هدا الوباء دخل إلى المغرب عبر مدينة طنجة بعد وصول باخرة على متنها حجاج قادمين من الديار المقدسة فقد قدم في سنة 1233/1817 ولدا السلطان المولى علي والمولى عمر من المشرق مع الركب ونزلوا بطنجة وكان السلطان قد بعث إليهما بمركب من مراكب الانجليز فانتهى إلى الإسكندرية وحملاهما ومن معهما من الخدم والتجار وسائر الحجاج ولما نزلوا بطنجة حدث الوباء بالمغرب فقال الناس أن دلك بسببهم فانتشر أولا بتلك السواحل ومنها شاع في الحواضر والبوادي.....ولما دخلت سنة 1234 شاع الوباء 51

- وترك القنصل الدانمركي كرافردي همسو بيانات مفصلة للمراحل التي مر بها الوباء بطنجة

- دور الاكتساح من 25 ماي (..)بداية غشت (...) حوالي 312 ضحية

- دور الاحتداد من شتنبر إلى نونبر 1818 اتخذ الوباء شكله الكاسح..بلغت 1322 ضحية

- دور الانحسار أخد التقلص في منحى الوفيات مند دجنبر.. واستمر الهبوط في شهر يناير

- دور الانقطاع بدأت من شهر مارس (...) 42 ضحية..ابريل..(..) 17 (..) خلال الأسبوعين الأولين من ماي سوى ثلاثة ضحايا

- الوباء الثاني اوالذيل في 22 ماي 1819 والدي صادف مرور سنة كاملة على طهور الطاعون بطنجة حدث هجوم جديد لهدا الوباء انطلاقا من مدينة تطوان مع حوائج المطعونين التي كانت تباع في سوق بطنجة وبقي هدا الذيل متفشياالى منتصف فصل الصيف وأدى إلى هلاك 31 بين ماي و30 يونيو و10 ضحايا خلال يوليوز وضحيتين (..) في غشت 52 ويؤكد مييج أن هدا الطاعون خلف أكثر من 2000 ضحية بطنجة وفي ابريل وحده فقدت العرائش 566 ضحية أما تطوان فزاد عدد الضحايا عن 1062 53

أما بتطوان يقول محمد داوود وقفت على رسالة كتبها الحاج عبد الرحمان من مدينة تطوان إلى قرية التاجر الحاج عبد الكريم بن الطالب بتاريخ 25 جمادى الأخير من عام 1234 (21 ابريل 1819) وكان ابن الطالب إذ داك بفاس وقد اخبره فيها بان الموتى يوميا بالوباء في تطوان كان قد بلغ ثمانين شخصا واليوم أخد في النقصان فبلغ ستين فاقل54

وتشير رسالة للقنصل الفرنسي سوردو المؤرخة ب 4 ماي 1819 بان الوفيات وصلت بالقصر الكبير في ربيع 1819 إلى ما بين 40 و50 ضحية في اليوم وبالعرائش كان عدد الموتى في ابريل 566 أي بعد ل 20 ضحية في اليوم.55

ب- الكوليرا (بوكليب)

ظهرت الكوليرا لأول مرة في المخرب سنة 1834. والكوليرا وباء شديد الانتشار ضرب العالم في خمس موجات خلال القرن التاسع عشر كانت تنطلق من البنغال وتنتشر عبر العلاقات التجارية وتحرك الجيوش وكان المغرب من اكثرالبلدان المعرضة لهدا الوباء بسبب انفتاحه على العالم من خلال موانئه 56

كوليرا 1834/

يبدو أن هدا الوباء انتقل إلى المغرب عبر الجزائر دلك أن المناطق الداخلية كفاس كانت سباقة إلى هدا الوباء من المناطق الشمالية الساحلية فمن فاس انتقل إلى وزان والقصر الكبير وطنجة وتطوان والعرائش57 وعموما تميزت الكوليرا بزحفها البطيء كما أنها لم تطل المقام في نفس المكان فلم تمكث بطنجة سوى ثلاث أسابيع أما بالنسبة للخسائر فكانت محدودة نسبيا مقارنة بالطواعين فقد بلغ عدد ضحايا هدا الوباء في ذروته مابين 47 و50 ضحية في اليوم 58

كوليرا( 1854- 1855 /1272- 1271)

انتشر هدا الوباء انطلاقا من فاس وعم البلاد فضرب طنجة التي قدر عدد ضحايا الأوربيين بها 35 ضحية أي 10 في المائة من نسبة هده الجالية وبالطبع قد احدث هدا الوباء خسائر اكبر بالسكان الأصليين 59 أما بتطوان فيؤكد المؤرخ محمد داود أن الوباء ضربها سنة 1855 حيث تجاوز عدد القتلى بها 70 ضحية في اليوم الواحد60 ويذكر الناصري أن هدا الوباء إسهال مفرط يعتري الشخص ويصحبه وجع حاد في البطن والساقين ويعقبه تشنج وبرودة واسوداد لون فادا تمادى في الشخص حتى جاوز24 ساعة فالغالب السلامة وإلا فهو الحتف وفي هدا الوباء مات شيخ الطريقة ابا عبد الله سيدي محمد الحراق التطاوني 61

كوليرا(1858 - 1860 / )

يؤكد البزاز أن عدوى هدا الوباء انتقلت مع الجيشين الاسباني والفرنسي أثناء حملتهما على المغرب الأول على تطوان والثاني على بني يزناسن62 وبدلك تكون هده الكوليرا قد تسربت إلى المغرب انطلاقا من الشمال والشرق فقد تفشى أولا في النواحي الشرقية وسبته وتطوان ومنطقة الريف ثم انتقل في بداية 1860 إلى طنجة والرباط والدار البيضاء63

كوليرا 1868 /1285

كان الوباء في المغرب بالقيء والإسهال المفرطين 64 ويذكرالبزاز أن وباء الكوليرا ظهر بتطوان مند دجنبر 1867 متسربا إليها من وهران عبر الطريق البري ومع هجرة حشود الجائعين من تطوان نحو طنجة انتقل معهم الوباء في بداية سنة 186865 ومن طنجة انتقل الوباء إلى باقي المغرب وكان عدد المصابين بتطوان 78 شخص بمعدل 8 وفيات في اليوم وهده النسبة قد تزداد اوتنقص حسب الأيام.أما مدة الوباء فكانت متوسطة فقد مكث بتطوان 37 يوم وبطنجة 27 يوم وبالعرائش 29 يوم وبالقصر الكبير 30 يوم وبلغ مجموع الضحايا بتطوان في هده المدة 433 ضحية وفي طنجة 441 وهي أرقام قليلة اذا ما قورنت بمراكش التي سجلت 1300 وفاة 66 كما توفي بهذا الوباء قنصلا انجلترا بالعرائش والرباط67.

كوليرا 1878 /1296

كانت هده السنة سنة المصائب والكروب حسب ما يشير الناصري تعددت فيها المصائب والكروب وتكونت فيها النوائب والحضوب لا أعادها الله عليهم فكان فيها غلاء الأسعار...ثم عقب دلك انحباس المطر.لم تنزل منه قطرة من السماء... وهلكت منه الدواب والأنعام وعقب دلك الجوع ثم الوباء على ثلاثة أصناف كانت أولا بالإسهال والقيء في أوساط الناس بادية وحاضرة ثم كان الموت بالجوع في أهل البادية خاصة هلك منه الجم الغفير......وبعد هدا كله حدث الوباء بالحمى (التيفوئيد) في أعيان الناس واماثيلهم فهلك عدد كثير68

انطلق هدا الوباء من مكناس وفاس ومنها تسرب إلى العرائش في غشت 1878 التي تعرضت لخسائر كبيرة في الأرواح إذ ذكر القنصل الاسباني أن ثلث أهالي مناطق الغرب ماتوا به وفي شتنبر وصل إلى طنجة وتطوان هده الأخيرة سجلت اكبر عدد من الضحايا مثلا يوم 14 شتنبر وصل عدد الأموات 102 ما بينها والجدري....أما بطنجة فبلغ عدد الموتى 80 ضحية في يوم واحد 69.

أما الحمى التي يشير إليها الناصري فهي وباء التيفوئيد الذي بدا بمراكش وسرى إلى باقي المدن.ففي تطوان كان يموت في اليوم ما بين 8 إلى 10 ضحايا في يناير 1879 أما طنجة فكان الوباء يحصد ما بين 12 إلى 17 ضحية خلال شهر مارس وفي يوليوز كان الوباء لا زال متفشيا في العرائش والقصر الكبير70

كوليرا 1895- 1896/ 1313- 1314.

حل عبر الحجاج القادمين من الحجاز71 والدين نزلوا بطنجة قادمين على متن سفينة فرنسية (موريس رونيو ) في 12 غشت 1895 وانتشر الوباء في البداية بضواحي طنجة ثم عم سكانها بما فيهم اليهود والمسيحيين والمسلمين.وكان عدد ضحاياه 700 ضحية طيلة الوباء ضمن ساكنة تقدر بحوالي 40 ألف نسمة 72.ومن طنجة انتقل الوباء إلى تطوان حيث وجد الظروف الملائمة ( تلوث المياه غياب النظافة كثرة الأوساخ...) لانتشاره وكان السبب المباشر في انتقاله المعاملة التجارية بين المدينتين وقد بدا الوباء بضحية واحدة في 21 غشت 1895 ووصل إلى

ذروته في 4 أكتوبر إلى 150 ضحية لكنه ما لبث أن تراجع تدريجيا ليرتفع في نهاية أكتوبر ورغم قصر المدة فكانت خسائره كبيرة إذ تقدر ب865 ضحية ضمن ساكنة تقدر بحوالي 20 ألف نسمة.73

ولم يلبث هذا الوباء أن انتشر من تطوان في القبائل المتاخمة له كابن معدن والقلالين وبني مصور وودراس وبني مسارة ومن المحتمل أن تكون شفشاون قد أصيبت بعد فرار الكثيرين إليها من تطوان وظلت الكوليرا تحصد مابين 40 إلى 50 ضحية في هده القبائل ثم انتقل الوباء من طنجة إلى العرائش ثم القصر الكبير التي فقد 25 ضحية يوم 2 نونبر74



الهوامش

1 – ابو العباس احمد الناصري ( الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ) تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري ,الطبعة 1, 1997 ,دار الكتاب, الدار البيضاء. الجزء 7 ص 104.

2- محمد بن عبد السلام الضعيف الرباطي( تاريخ الضعيف –تاريخ الدولة السعيدة) تحقيق احمد العماري ,ط1 1986 دار المأثورات الرباط,اكدال\ , ص63.

3 – الناصري ,الاستقصا...مصدر سابق,ج 7 ,ص 83.

4- الضعيف ,مصدر سابق ص125

5- نفسه ص 125

6- محمد الأمين البزاز(تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر ) ط1 ص 21

7- الضعيف مصدر سابق ص 126

8- البزاز مصدر سابق ص61

9- الضعيف مصدر سابق ص140- 141

10- البزاز مصدر سابق ص70

11- الناصري (الاستقصا...مصدر سابق ج8- 48

12- البزاز (تاريخ الأوبئة والمجاعات...مصدر سابق ص77

13- نفسه ص103-

14 –mieg. Le Maroc et l Europe t 2- p 22

15- البزاز (تاريخ الأوبئة...م.س.ص120

16- محمد داود(تاريخ تطوان) 1987/1309 المطبعة الملكية الرباط المجلد الثامن ص77

17- البزاز تاريخ الأوبئة والمجاعات م.س ص122

18- نفسه ص122

19- نفسه ص 122

20- نفسه ص184

21- نفسه ص195

22 نفسه ص 199

23- البزاز نفسه ص199

24- البزاز م.س ص199

25- نفسه ص199

26 نفسه ص 205

27- مصطفى بوشعرة ( الاستيطان والحماية بالمغرب 1280- 1311/ 1863- 1894) الجزء 1 ط1404- 1984- المطبعة الملكية الرباط ص162

28- البزاز (تاريخ الأوبئة والمجاعات.... ) م.س.ص241

29- miege le Maroc et l Europe t3.p383 30- - -

30- البزاز (تاريخ الأوبئة والمجاعات...) م.س. ص241-

31- مرجع سابق- نفسه ص241

32- نفسه ص 248

33- نفسه ص 252

34- نفسه ص 254

35- نفسه ص319

36- نفسه ص 320

37- محمد داود (تاريخ تطوان ) الجزء الأول ص345

38- الناصري (الاستصقا......) مرجع سابق ج7- ص107

39- الضعيف م.س ص62

40- البزاز (تاريخ الأوبئة والمجاعات...)م.س.ص18

41- الضعيف.م.س ص137

42- البزاز م.س.ص55

43- نفسه ص56

44- الضعيف م.س ص 141

45- البزاز(تاريخ الأوبئة والمجاعات.....) م.س.ص56

46- محمد بن الطيب القادري (نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني ) تحقيق محمد حجي واحمد توفيق ط1- الرباط 1986- ص

47- الناصري م.س ج7ص 107,

48- Dr.Renaude h p j la peste de 1799 d après des documents inédits. Hesperis

Dr.Renaude un nouveau document marocain sur la peste de 1977. Hesperis

49- - محمد الأمين البزاز(تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر ) ط1. م.س ص94

50- محمد داود _تاريخ تطوان م.س الجزء 3ص- 234

51- الناصري م.س ج7 ص149

52- البزاز (الأزمات الديموغرافية في طنجة خلال ق19

53- مييج (المغرب وأوروبا ) م.س ج2 ص22

54- محمد (تاريخ تطوان ) م.س ج3- ص339

55- البزاز (تاريخ الأوبئة...... م.س ص116- 117-

56- نفسه ص 169

57- نفسه 172

58- البزاز (الازمات الديموغرافية في طنجة خلال ق19 ص 119

59- البزاز( تاريخ الأوبئة........ م.س ص188

60- محمد داود ج3- ص339

61- الناصري م.س ج7- ص120

62- البزاز _تاريخ الأوبئة...م.س.ص189

63- نفسه ص189

64- الناصري ج7- ص 120

65- البزاز (تاريخ الأوبئة ) م.س ص215

66- بن ادريس (وثائق جديدة عن وباء الكوليرا بتطوان لسنة 1868 (تطوان قبل الحماية )1860- 1912- ص63

67- مصطفى بوشعرة ( الاستيطان والحماية بالمغرب 1280- 1311/ 1863- 1894) الجزء 1 ط1404- 1984- المطبعة الملكية ص162

68- الناصري م.س الجزء ا7 ص 164

69- البزاز(تاريخ الأوبئة........) م.س ص271- 272

70- نفسه ص274- 275

71- إبراهيم حركات (المغرب عبر التاريخ) ط2- 1415- 1994- دار الرشاد الحديثة الدار البيضاء الجزء الثالث ص 479

72- البزاز( تاريخ الأوبئة والمجاعات.......م.س ص329-

73- نفسه ص333- 335

74- نفسه ص 336

النتائج العامة للمجاعات والأوبئة بشمال المغرب:

لا يخفى ما تسببه هذه الكوارث الطبيعية من نتائج مدمرة على المجتمع الذي يتعرض لها، فإذا كان هذا المجتمع عتيقا ذا بنية تقليدية منحطة كالمجتمع المغربي خلال المرحلة المدروسة، فان هذه النتائج لاشك ستكون أكثر تدميرا وأخطر شأنا. لم تكن قوى الإنتاج متطورة بشكل يسمح بإيجاد فائض في الإنتاج وتكديسه لمواجهة السنوات العجاف، فلما كانت تحل هذه السنوات في دوراتها الطبيعية كان المغرب يتعرض لمآسي اجتماعية تذكر بالفصول المروعة التي عاشتها أوروبا سنة 1348 من جراء الطاعون الأسود(1).

تعددت نتائج الأوبئة والمجاعات التي ضربت المغرب منذ عهد السلطان إسماعيل إلى حين فرض الحماية على المغرب، وإذا كانت المصادر والوثائق الموجودة بين أيدينا لا تسعفنا في معرفة دقيقة لانعكاسات هذه الكوارث بشمال المغرب المتوسطي فإننا مع ذلك سنحاول رصد هذه النتائج ما أمكن مصنفين إياها إلى نتائج ديمغرافية واجتماعية واقتصادية وسياسية.

1- النتائج الديمغرافية:

تبدو النتائج المباشرة والفورية للأوبئة والمساغب التي ضربت المغرب في هذه المرحلة هي ما خلفته من وفيات وضحايا تقدر بالآلاف. ففي رواية للضعيف أن طاعون 1742 أدى إلى كثرة الموتى وضياع الخلائق بما لا يحصى عددها حتى قيل مات من أهل القصر 14000 بهذا الطاعون {2ْ}، بل إن المدينة خلت من سكانها تماما بعد فرار الناجين. أما بتطوان فكان يموت من 10 إلى 12 فرد في اليوم خلال نوفمبر من نفس السنة، وبطنجة 40 ضحية في اليوم. وفي غشت من سنة 1743 كان لازال يحصد من 70 إلى 80 ضحية في اليوم بطنجة وتطوان. {3} وانطلاقا من المدة التي سكن بها الوباء هذه المدن والتقديرات اليومية لعدد الضحايا يمكننا تصور حجم الكارثة الديمغرافية التي تعرضت لها مدن الشمال في هذا الطاعون.

أما طاعون1799م والذي تسميه بعض المصادر المغربية بالطاعون الكبير فكان أكثر تدميرا، وكانت نتائجه الديمغرافية مهولة. وإذا كانت المصادر المغربية والوثائق الأجنبية تقدم بعض التقديرات حول عدد الضحايا، ففي فاس مثلا كان يموت في كل يوم أكثر من ألفين ونصف{4}، فإننا لا نتوفر إلا على إشارة واحدة حول الشمال المغربي، حيث ينقل محمد داود عن محمد أفيلال شهادته التي تقول: كان يموت في بلدتنا تطوان كل يوم مائة وثلاثون يزيد بعشرة أو ينقص بنحوها (5).

ومما كان يزيد من عدد الضحايا وزيادة سرعة انتشار عدوى الوباء الظروف غير الصحية التي كانت تشكل وسطا خصبا لسريانه. فقد كانت حالة النظافة { بطنجة أثناء وباء 1818} على نحو يوصف بالإهمال، وكان سوء تصريف الماء الحار ومسارب بيوت الخلاء وضيق الأزقة يشكل خطرا على الصحة العمومية {6} ولذلك خلف هذا الطاعون أكثر من 2207 ضحية بالمدينة ضمن ساكنة تقدر ب 9000 أو 11000 نسمة أي بنسبة 25/ وهي نسبة مرتفعة {7}.

أما بتطوان فقدرت الوفيات خلال النصف الثاني من شهر مارس 1819 ب 1062 وفاة بمعدل 70 في اليوم. وبالعرائش سجلت أكثر من 566 وفاة خلال شهر أبريل 1819.(8)

اشتد النزيف الديموغرافي مع موجات الكوليرا والمساغب التي ضربت المنطقة خلال القرن التاسع عشر. فمدينة طنجة وحدها فقدت 441 ضحية خلال كوليرا 1868 و700 ضحية أثناء كوليرا 1895 (9). وبجانب الوباء كانت تتدخل المجاعات لحصد أرواح الكثيرين خاصة من أوساط الفقراء والآفاقيين كأهل الريف الذين هاجروا بكثافة إلى المدن الشمالية بعد مجاعة 1868.

ولعل الهجرة كانت من أبرز النتائج الديموغرافية بعد كثرة الوفيات. ويمكننا هنا الإشارة إلى الهجرة الوافدة على الشمال المغربي خاصة عقب مجاعة1737- 1738 التي لم تنل كثيرا من هذه المنطقة نتيجة بعدها عن مسرح الحروب والفتن الدائمة بين أبناء السلطان إسماعيل. ففي سنة 1150 ه/ خرج جل أهل فاس " لتطاون ولطنجة والعرائش والقصر ووزان من قلة الأمطار وارتفاع الأسعار. وكانوا يسمون سيدي محمد بن عربية بسيدي محمد الكايلا. وبلغ القمح بفاس أزيد من خمس أواق قديمة للصاع النبوي ".(10)

أما الهجرة المغادرة فكانت نتيجة فرار الناس وتشتتهم في الآفاق بحثا عن القوت أو هربا من الوباء،و كانت تدفع السكان المتضررين للحركة إما نحو المدن الشمالية أو المناطق الداخلية. فخلال مجاعة 1868 تدفقت أفواج الريفيين على تطوان التي وصل عددهم بها 4000 وطنجة 3000نسمة،إضافة إلى مدن أخرى في الداخل كفاس ومراكش التي تصف بعض المصادر كثافة الهجرة الريفية إليها قائلة " إن أهل الريف أتوا بأجمعهم إليها" (11). وتسبب هذا السيل المتدفق في انتشار البطالة والفقر، فقد كان هؤلاء لا يجدون ما يقتاتون به ولا ما يسترون به أجسادهم من برد الشتاء، ولذلك كثر الموت في أوساطهم.

2- النتائج الإجتماعية:

أثرت الأوبئة والمجاعات بقوة على نسيج المجتمع المغربي، فقد تضافرت مع عوامل أخرى كالإستبداد وتوسع النهب الرأسمالي الأجنبي وثقل الضرائب، لتجعل منه مجتمعا مفقّرا يعاني الفاقة والحاجة ويفتقد لكل مقومات التطور والتقدم. لقد أصبح هم الإنسان هو البحث عن ملجأ للنجاة من طوفان الوباء، أو البحث عن لقمة العيش ليقيم بها أوده بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. وهكذا انتشرت ظاهرة اللصوصية بعد أن فقد المجتمع لحمته وقيمه الأصيلة. وفي مقال للدكتور التمسماني خلوق حول المجتمع الجبلي بين 1815 و1907 يؤكد أن: الكوارث الطبيعية كانت عاملا على تفكيك التحالف القبلي وزعزعة الكيان الاجتماعي الجبلي. وفي هذا الوسط القروي الذي كان سكانه يعانون من جور القواد ومن شظف العيش، كان الجو ملائما لانتشار أعمال الشغب ولإفراز قطاع الطرق والمغامرينُ {12}. إن الكوارث عامل قوي في انتشار اللصوصية وتدهور الأمن فمن" المعروف أن مفعول اللصوصية يشتد ويقوى في ظل ظروف معينة، منها انتشار الكوارث الطبيعية من جدب ومجاعة وأوبئة ومنها ضعف السلطة المركزية"..ُ {13}.

لقد دفع الفقر وشظف العيش بسكان البوادي إلى حمل السلاح والسطو على المدن ونهب بساتينها وجناتها. فقد قامت قبيلة بني يدر بمحاصرة تطوان وتخريب بساتينها{14}. واشتدت هجوماتها في بداية القرن 20، وكانت تقوم بسلب وسرقة القوافل المارة بديارها {15}. واشتهرت قبيلة أنجرة أيضا باللصوصية فكانت تقطع الطريق الرابط بين سبتة وتطوان وكانت دائما تهدد أمن طنجة{16}.

ولمواجهة هذا الواقع أصدر الحسن الأول سنة1294/1877 ظهيرا ينص على " منع القوافل من مجاوزة النزائل (بعد آخر النهار)الذي هو مظنة القطع والإنتهاب".(17)

وانتشرت اللصوصية أيضا ببعض المدن مما فساد الخوف واضطر عدد كبير من السكان إلى التشتت في الآفاق. ولعل الرواية التي يوردها الضعيف عن مدينة فاس خير مثال عن هذه الظاهرة. ففي عام 1150ه:" جعل اللصوص في فاس يهجمون على الناس في ديارهم ليلا ويقتلونهم ويستغيثون فلا يغاثون، وبلغ الخوف على أبواب الدور المتطرفة بفاس نهارا... وكثر الهدم في الدور لأخذ أخشابها وأجورها... وقوي الخراب... وكل من قدر على نهوض خرج من فاس " (18). وكان مقصد هؤلاء مدن الشمال كما يذكر الضعيف " تطاون وطنجة والعرائش والقصر ووزان ".

وفي مدينة طنجة انتشرت هذه الظاهرة بقوة في نهاية القرن 19 فاضطر المخزن لزيادة التعزيزات الأمنية بها لحماية الأوربيين خاصة.(19)

لقد كان الكثيرين يجدون في فترات المجاعات والأوبئة فرصا ثمينة للاغتناء إما عن طريق النهب والسرقة أو عن طريق التسلط على أملاك ودور الهالكين والضحايا الذين انقطع نسلهم.. أما المضاربون فكانت أيام المساغب أيام السعد لهم، إذ يشترون الحبوب والزرع الموجود بالأسواق ويختزنونه إلى حين شحه وانقطاعه من الأسواق لبيعه بأثمان خيالية.

وكان الأجانب والمحميون المغاربة من مسلمين ويهود الفئة الأكثر استفادة ن فقد تحولت هذه الفئة إلى إخطبوط متطفل على الإنتاج بعد أن نالت كل الضمانات القانونية وكل المؤهلات المادية التي تمكنها من هدر الطاقات وهضم حقوق الضعفاء وابتزاز الحرفيين والفلاحين المقهورين(20) وكان هؤلاء المستغلون يعمدون إلى شراء المحصول حتى قبل موسم الحصاد ويبيعونه بالأسعار التي يقررونها. وتمكنوا من التسلط على الأراضي والعقارات، ففي العرائش اشترى قنصل إيطاليا عام 1879 جنانا وأراد أن يجعله " عزيبا" من غير إذن العامل حسب القانون وبعد احتجاج العامل أظهر له القنصل المذكور ورقة شراء الملك من أحد محمييه (21). ويشير مييج إلى تصريح للقنصل الإسباني بالعرائش الذي يؤكد أن الأوربيين تمكنوا – بفضل المجاعة الكبرى لسنة 1878 – من شراء البساتين المغروسة وغير المغروسة وشراء المنازل داخل المدينة. كما تمكن أحد الأوربيين من شراء عشرة منازل وحديقتين بطنجة وأراضي واسعة بالقصر الكبير(22).

واستفاد أيضا التجار الأوربيين الذين كانوا متحمسين لجلب الأقوات للمتضررين مستغلين ظروف هؤلاء لابتزازهم واستغلالهم. فخلال كارثة 1295 ه عمل هؤلاء على التقرب من المتضررين بمنحهم الصدقات والأعطيات لتحقيق أغراضهم. يقول الناصري:" وفي هذه المسغبة مد النصارى أيديهم إلى الرقيق فاشتروه. وكان ابتداء ذلك أنهم كانوا يعاملون ضعفاء المسلمين وصبيانهم بالصدقات والإرفاقات ثم تجاوزوا ذلك إلى شراء الرقيق منهم والأمر لله وحده " (23).

أما ضحايا هذه الكوارث فكان الضعفاء وفقراء البوادي خاصة من الفلاحين الصغار والرعاة الذين باعوا أملاكهم بأثمان بخسة، فقد انحطت أسعار العقارات والمواشي أيام الشدائد في حين كانت أسعار الحبوب والزرع ترتفع. واضطر فقراء دكالة لبيع نسائهم وأطفالهم ومواشيهم للبرتغال بالجديدة مقابل حفنة دقيق أو قمح(24). وإذا كان هذا واقع سكان السهول والمناطق الخصبة فكيف كان الحال بالنسبة لأهل الشمال الذين كانت مواردهم ضعيفة حتى في فترات الرخاء بسبب كثرة الجبال وقلة المساحات المزروعة، ففي رسالة للسلطان المولى عبد الرحمن إلى ابنه سليمان يوم 26 رجب 1260 ه يوصيه فيها بالتزام القلة والكفاف وعدم الإفراط في الأكل والتنعم قائلا:" واعلم أن تلك المراسي الثلاثة، تطوان وطنجة والعرائش، من أضعف البلاد وأقلها زرعا. وإنما يجلب لها من القبائل جيرانهم. فلا ينبغي أن يكلفوا أو يشططوا بل ينبغي للنازل فيهم أن يعيش بعيشهم ويقتصر على قوتهم" (25).

وهكذا كان الفقراء في البوادي والمدن يسقطون عند ابتداء كل مجاعة بسبب عوزهم وفقرهم، كما أن انعدام النظافة وغياب الشروط الصحية كانت تعرضهم أكثر للأوبئة والطواعين.

3- النتائج الاقتصادية:

لا يمكن الحديث عن انعكاسات هذه الكوارث ونتائجها دون ذكر تأثيراتها القوية على الأنشطة الاقتصادية للبلد ومقدراته المالية. لقد شكلت عملا أساسيا من عوامل الضعف والتردي الذين كان يعيشهما المغرب، فقد كانت مداخيل الدولة تتراجع بشكل مهول عقب كل كارثة إذ تصبح القبائل عاجزة عن أداء مستحقاتها الجبائية بعد أن تفقد محصولها ومواشيها. ونفقات المخزن تتضاعف أيام المساغب إما لغوث المحتاجين أو لقمع التمردات والثورات التي تنشأ بفعل هذه الكوارث. كتب القنصل الفرنسي شينيي في ماي 1780 " إن الخزينة التي حرص السلطان على أن تكون مملوءة تستنزفها اليوم المصاريف التي تتطلبها تعبئة الجيوش بسبب الثورات الناشئة عن ضعف المخزن" (26).

وهكذا كان المخزن يضطر لتجهيز حملات لجمع هذه المستحقات بالقوة، كما فعل سيدي محمد بن عبد الله سنة 1777 حين وجه جيشا إلى درعة أثخن في البربر واستوفى منهم المال بالقوة(27). وكان يحدث نفس الأمر بمناطق الشمال.

وكان بعض الزعماء المحليين يستغلون هذه الظروف لفرض سلطتهم على مناطق كثيرة وحرمان المخزن من مداخيلها، فالباشا أحمد بن علي الريفي استقل بمنطقة الشمال مستغلا مجاعة 1737- 1738 وظروف الحرب الأهلية.

لقد أدى تفشي الجوع إلى انهيار التجارة الخارجية ومعه المداخيل الجمركية، فقلة الغذاء كانت تدفع المخزن إلى وقف تصدير المواد الفلاحية، وبالتالي حرمان الخزينة من مداخيل مهمة من الديوانة. بل اضطر المخزن إلى استيراد الحبوب مجندا أموالا مهمة لهذا الغرض، فخلال المجاعة الكبيرة (1776- 1782) قام السلطان محمد الثالث باستيراد القمح من أوربا، بل قدم مبلغا هاما من المال لشركة اسبانية لاستيراد القمح(28). وفي سنة1817 استورد المغرب الحبوب من جبل طارق(29).

كما تراجعت التجارة الداخلية وأصبحت البضائع التي تلقى رواجا في السوق هي الحبوب والزرع في حين كسدت تجارة المواد الأخرى كما تروي بعض المصادر " وجل الناس لا يتكسبون إلا في القمح والدقيق والخبز وتعطلت التجارة في كل شيء إلا هذه الأشياء"(30). مما جعل مداخيل المكوس تنهار.

أما بالبوادي فقد ارتفعت الوفيات وكثرت هجرة الفلاحين مما كان يؤدي إلى نقص في اليد العاملة الزراعية وتقلص الأراضي المزروعة، فتحول نمط الإنتاج من نشاط زراعي إلى نشاط رعوي(31).

كل هذه الظروف أدت إلى استفحال الأزمة المالية للمخزن وجعلته عاجزا عن القيام بأية مبادرة ناجحة لبناء الحداثة والإنعتاق من التخلف والإفلات من كمّاشة الحصار الأجنبي.

4- النتائج السياسية:

كان للأوبئة والمجاعات تأثيرات وانعكاسات مهمة على الجانب السياسي. فقد ساهمت بشكل مباشر في تضعضع السلطة المركزية في عدة فترات، خاصة في فترة أزمة الثلاثين سنة، فبوفاة المولى إسماعيل سقطت البلاد في أتون الحرب الأهلية وزادت آلام المجاعة والطاعون الطين بلة لذا فإننا نستغرب كيف أن المؤرخين الرسمين لم يأخذوا بعين الاعتبار هذه المكوارث عند تعليلهم أسباب ضعف الدولة في عهد خلفاء السلطان الراحل(32).

لقد وجهت هذه المجاعات والأوبئة ضربات قاسية لموارد المخزن مما فرض على الحكم المركزي ضرورة التشدد في جباية ما بذمة القبائل من واجبات متأخرة،هذا مادفعها إلى إعلاان العصيان والدخول في حرب مع السلطة المركزية، وهو ما فعلته كثير من القبائل الجبلية المجاورة لفاس ومكناس.

وإذا كانت هذه المجاعات والأوبئة قد ساهمت في تضعضع السلطة المركزية فإننا نجدها في فترات أخرى أدت إلى تركيز سلطة المخزن. ففي السنوات 1802- 1808 أي مباشرة بعد طاعون 1798- 1800 تمكن المولى سليمان من تمهيد البلاد وفرض الأمن وجباية الضرائب بكيفية منتظمة وظهر خلال هذه المدة وكأنه يبسط حكمه على مملكة ممهدة. وهوماعبر عنه أكنسوس:" وانقطع الوباء... وظهر في الدنيا السرور وفاضت الخيرات من مخلف الأموات وذلك مصداق البركة في بغية الجوائح وكذلك لا تكرهوا الفتن فإنها حصاد المنافقين ولما مات الظلمة والعتاة ومشاهب البلاد وشياطين القبائل تمهدت المملكة لمولانا سليمان فلم يعد له منازع ولا معارض" (33). وهكذا تمكنت المجاعات والأوبئة من القضاء على المعارضين " والفتانين " وهو الأمر الذي عجز السلطان عن إنجازه فكانت هذه المجاعة في صالح سلطة المخزن.

واستفاد المولى عبد الله قبله من هذه المجاعات بطريقة غير مباشرة، فقد تفشت في عهد محمد بن عربية، الذي كانت أيامه كلها شدة، مجاعة جعلت حسب الضعيف "عامة الناس كلهم جياع" (34)، وأضاف أنها قضت على خصومه وكل من خرج عليه.

كما ا ستغل السلطان طاعون(01742- 1744) كوسيلة للدعاية السياسية،فعندما حل الوباء بمكناس وطنجة كانت جهات أخرى كفاس وآسفي واكادير، وهي المدن التي كانت تحت سلطته لا تزال سالمة منه، فكان يصرح أن هذه المعجزة تظهر أحقيته في العرش. ولم يتردد المولى عبد الله في استعمال الجوع سلاحا ضد أعدائه فعندما أنشب الجوع مخالبه في البلاد عام 1737،كان الصراع سجالا بينه وبين ابن عربية، لذلك نراه منذ تلك السنة يستعمل الجوع أداة لكسب الأنصار. فكان ينعم على الجياع والمحتاجين مما أعطاه صورة الرجل المتحفز للخير والإغاثة في أعين الناس(35).

ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للولاة، فقد ساهمت هذه المجاعات في استبدادهم بالحكم وتقوية سلطانهم في جهاتهم على حساب السلطة المركزية فقد كانت مجاعة 1737 – 1738 ارضا خصبة لإستبداد الولاة وضعف المخزن. ونتيجة لذلك استبد الباشا أحمد الريفي ببلاد الريف وطنجة وتطوان والقصر.

وهكذا كان لهذه الكوارث دور أساسي في تطور الأحداث السياسية خلال القرنين 18 و19، وتراوح تأثيرها بين الإيجاب والسلب لذا فإن انعكاساتها على المستوى الأمني كانت سلبية فقد فرضت هذه المجاعات والأوبئة جوا من الإضطراب عجزت معه الدولة عن توفير الأمن بفعل انتشار اللصوصية والسلب والنهب وانتشار أعمال الشغب وكثرة قطاع الطرق، وهو ما استفاد منه الأقوياء الذين وجدوا في تفشي الخوف موردا جديدا للكسب.

كانت الأوبئة والمجاعات أيضا سببا أساسيا في فشل سياسة الإصلاح التي كانت رهانا كبيرا في القرن التاسع عشر. يؤكد جرمان عياش هذ الحقيقة قائلا:" تصبح الأمة عزلاء إزاء الكوارث الطبيعية كالمساغب والأوبئة، خصوصا وأن هذه الكوارث ما فتئت تكتسح البلاد مرة بعد المرة طيلة القرون الأربعة الأخيرةن فتبيد الأموال وتبيد العباد وتترك الأرض مهملة مقفرة. كيف يمكن لدولة تقلص إلى هذا الحد أساسها الإقتصادي وحتى أساسها البشري أن تجمع الوسائل المادية اللزمة لتجديد جهازها الإداري وتكثيفه بالكفاية واحداث عسكرية منظمة للدفاع عن الاحدود البرية واسطول عصري لمراقبة الشواطئ"(36).

الهوامش:

1- عبد العزيز التمسماني خلوق، الظروف العامة للصوصية في مغرب ق 19 ومشكلة الأمن بطنجة، مجلة دار النيابة، العدد الأول، السنة الأولى، يناير 1984، ص 27.

2- الضعيف، تاريخ الضعيف، تحقيق د. العماري، ص141.

3- البزاز،تاريخ الأوبئة والمجاعات، م س، ص –ص 56- 57.

4 - محمد البزاز، م س، ص 98

5 - محمد داود، تاريخ تطوان ج 3 ص 234-.

6- محمد البزاز،الأزمات الديمغرافية في طنجة خلال ق19م، طنجة قبل الحماية،....ص116.

7- نفسه ص119.

8- البزاز،تاريخ الأوبئة والمجاعات، م س، ص 117.

9- البزاز، نفسه، ص 120.

10- الضعيف،م س،ص 126.

11 محمد البزاز، م س، ص205

12- عبد العزيز التمسماني خلوق، تشخيص المجتمع الجبلي بين الوقائع والتنظير{ 1895- 1907 }، مجلة دار النيابة، العددان 15/16، السنة الرابعة 1987 ص 38.

13- عبد العزيز التمسماني خلوق، الظروف العامة للصوصية في مغرب ق 19 ومشكلة الأمن بطنجة مجلة دار النيابة، العدد الأول، السنة الأولى، يناير 1984، ص 27.

عبد العزيز التمسماني خلوق

14- التمسماني خلوق، ا( لظروف العامة، م س، ص30.)

15- التمسماني خلوق، الظروف العامة، م س، ص30.

16- التمسماني خلوق، الظروف العامة، م س، ص30.

17- التمسماني خلوق، الظروف العامة، م س، ص29.

18- الضعيف م س، ص.126

19- التمسماني خلوق، الظروف العامة، م س، ص31.

20- البزاز، م س، 294

21- البزاز، م س،299

22- مييج ج3 ص452- 453

23- الناصري، الإستقصا، ج 9، ص 165

24- البزاز، م س، ص40.

25- مذكرات من التراث المغربي، مجموعة من المؤلفين،ج4، ص 205.

26- البزاز، م س، ص83.

27- البزاز، م س، ص79.

28- البزاز، م س، ص 76.

29- البزاز، م س، ص 102.

30- البزاز، م س، ص 124.

31-

32- البزاز، م س، ص 64.

33- البزاز، م س، ص 131.

34- الضعيف م س، ص 128.

35- البزاز، م س، ص 65.

36- جرمان عياش،دراسات في تاريخ المغرب، الشركة المغربية للناشرين، الدار البيضاء،1986،ص 343.

ردود الفعل

رد فعل المخزن والهيئة الدبلوماسية بطنجة: من خلال حديثنا السابق عن الأوبئة والمجاعات وردت إشارات إلى بعض الوظائف الاجتماعية التي كان يقوم بها المخزن اتجاهه, وسنحاول هنا تقييم دور المخزن خلال الكوارث ونظرة الأجانب إليها, وكذلك مناقشة التداخلات التي كانت تقوم بها الهيئة القنصلية بطنجة في علاقتها مع سلطات المخزن.

يرسم الأجانب صورة قاتمة عن دور المخزن وعماله خلال الكوارث, ففي تقرير مؤرخ ب15 دجنبر 1868 وهو للطبيب الفرنسي كيول بالدار البيضاء (إن المخزن لا يقوم بأي عمل لمكافحة المجاعة, لأنه يعتبرها أنجع وسيلة لتشديده قبضته على القبائل.)1 وفي مراسلة أخرى للقنصل الفرنسي بالدار البيضاء في سياق حديثه عن مجاعة1878 يقول( إن سلاطين المغرب ينظرون إلى بؤس السكان كأفضل وسيلة للمحافظة على عرشهم, ولا يعرفون مبدأ آخر للحكم غير الجشع والعنف لأنهم يخشون أن يؤدي رغد العيش إلى انتفاضة شعبهم.)2

لا تخلو هده الصورة من تحامل ملحوظ , كان الغرض منه التقليل من دور المخزن لتأليب العامة عليه , مع الاخد بعين الاعتبار أن المخزن واجه صعوبات جمة جراء هده الكوارث أهمها الاضطرابات القروية الخطيرة التي كانت تدفعه إلى تجريد الحملات التأديبية, وبالتالي إلى تكريس مزيد من البؤس. كما أن كبار موظفي المخزن وبعض أعيان القبائل لا شك استغلوا الفرصة لملأ جيوبهم خلال هده الكوارث, وهو ما نلمسه من خلال الإشارة الضمنية التي وردت على لسان السلطان محمد بن عبد الله كما ورد عند الناصري (ًوكان رحمه الله قد رتب الخبز في كل مصر يفرق على ضعفاءه في كل حومة وأسلف القبائل الأموال الطائلة يقسمونها على ضعفائهم إلى أن يؤدوها في أيام الرخاء... ولما عاش الناس وهموا بأدائها سامحهم..وقال ما أعطيتها بنية الاسترجاع وإنما ذكرت السلف لئلا يستبد بها الأشياخ والأعيان)3 وهذا النص يوضح جليا أن التجاوزات كانت موجودة لكن ليس إلى الدرجة التي صورها الأجانب.

لكننا يمكن أن نقول عموما أن اغاثات المخزن كانت مرتبطة بالظروف السياسية والمالية للبلد, واختلفت من سلطان لآخر, ففي فترة الأزمة السياسية بعد وفاة المولى إسماعيل ساهم المخزن والجيش في تكريس الأزمة الاجتماعية, فقد كانت أيام المولى محمد بن عربية هذا والتعبير للناصري( أيام نحس ووبال على المسلمين وكدا أيام أخيه المستضيء فبأمر منه اخدت أموال الناس بفاس ومكناس لإنفاقها على الجيش وهذا والناس في محنة عظيمة من المجاعة والفتنة ونهب الأموال بالليل والسلطان معرض عن جميع ذلك لا يلتفت إليه ولقد هلك في هذه المدة من الجوع جم غفير)4 وعن هده الفترة السيئة يقول الضعيف( وخرج الناس لتطاون وما والاه لجلب الطعام (...) فامتنع عن حمله لهم الإبل وهم البداوة بعد أن قبضوا منهم الكراء, فشكوا لولي تلك المدن وهو الباشا احمد بن علي الريفي , فاظهر لهم النصح واسر الغش فأعان البداوة سرا فزادوا امتناعا, حتى بقوا معطلين على الحمل ستة أشهر, فمات بسبب دلك خلائق عديدة.)5

لكن هذه الحالة ليست هي السائدة, فقد بذل المخزن مجهودات في مجال توزيع الصدقات ومحاربة الاحتكار وتحريك الطعام من مناطق الفائض إلى مناطق العجز, واستراد المواد الغذائية, وبيعها بأثمانها وتسليف القبائل البذور والزرع وغيرها وهنا نورد بعض الأمثلة ففي مجاعة {1777- 1778 } عمل السلطان (محمد بن عبد الله )على حضر تصدير القمح وفي مجاعة{ 1779- 1782 }عمل السلطان نفسه على غوث رعاياه وقد استفادت المدن الشمالية من واردات الفواكه اليابسة والزيت والزبدة والقمح الآتية من البرتغال واسبانيا كما تقدم (واسقط رحمه الله في تلك المدة الوظائف والمفارم عن قبائل المغرب...وكان يعطي رحمه الله الأموال للتجار ليجلبوا الأقوات من بر النصارى, فإذا وصلت أمرهم أن يبيعوها بثمنها الذي اشتريت به رفقا بالمسلمين)6 وفي 11 ربيع الثاني اصدر السلطان المولى سليمان أمره بعدم بيع الزرع للنصارى 7كما نشر المؤرخ محمد داوود مجموعة من الوثائق والتي أصدرها السلطان محمد بن عبد الرحمان إلى التجار بجلب القمح من مختلف المراسي إلى تطوان لما حدث فيها القحط ووأمرهم أن يبيعوا القمح بأثمان يقتصرون فيه على الربح السريع, ومن هذه الرسائل تلك المؤرخة في 4 ربيع الثاني عام 1279 والتي يخبر فيها السلطان قائده انه أذن أن يسوق إلى تطوان قدر كبير من القمح, ويأمره أن يعين من قبله أمينا يقف على بيعه. 8 وفي رسالة أخرى في نفس السنة أذن السلطان للتجار أن يجلبوا القمح من مختلف الموانئ المغربية إلى تطوان ونواحيها, لتباع بأثمان عادية حتى لا يتضرر الناس يقول فيها السلطانً( خديمنا... عبد القادر أشعاع..إنا أدنا للحاج محمد الصفار في وسق مركب من القمح بقصد تطوان على أن يكتفي فيه بقليل من الربح...لان المقصود بتوجيه هدا القمح نفع الناسً)9

ومشكلة القمح في تطوان يظهر أنها كانت تتجدد كل عام فنواحي المدينة ضعيفة لايكفي محصولها, والقائد كان دائما يطلب من السلطان السماح بإرسال القمح إلى تطوان وإلا عم الغلاء وحلت المجاعة. ففي رسالة سلطانية يقول (...خديمنا...اشعاع..وصلنا كتابك بينت فيه ماهم عليه ناحيتكم من الضعف...وطلبت أن نأمر بوسق نحو مراكب ستة من القمح الجيد لأهل بلدكم ونواحيها )9 هذا كان يدخل ضمن التخفيف من معاناة الناس عبر تحريك الطعام من مناطق الفائض إلى مناطق العجز وكانت السهول الاطلنتيكية تلعب دور أهراء طبيعية للبلاد وعليها كانت تعتمد طنجة لسد فجوة الغداء كغيرها من المدن الشمالية الأخرى, كما تفيدنا الوثائق المغربية عندما حدثت مجاعة 1868 أن سيدي محمد بن عبد الرحمان أمر بتوزيع الصدقات في كثير من المدن المنكوبة تحت أشراف الأمناء والمحتسبين.

وفي مجاعة 1878 أمر السلطان(المولى الحسن) أعزه الله عمال الأمصار وأمناءها أن يرتبوا للناس من الأقوات ما ينتعشون به ففعلوا, وفي رسالة هذا السلطان إلى الهيئة الدبلوماسية بطنجة بتاريخ 2 ذي القعدة /28 أكتوبر 1878 أوضح الحاجب موسى بن احمد أن السلطان لم يأل جهدا في توزيع المال والأقوات في كل جهة علم بتفشي المجاعة فيها مضيفا انه فتح لأجل هده الغاية الأهراء المخزنية على مصارعها10.

وفي عهد المولى عبد العزيز لما حصلت المجاعة بالمغرب الشرقي سنة 1898ًً أمر أمناء طنجة بجلب ألف خنشة من دقيق مرسيليا, وتوجيهها في البابور التركي لتوزيعها بوجدة.11

ويبدو أن مجهودات المخزن كانت متواضعة تتفق والأوضاع التي سادت خلال القرن التاسع عشر, والتي تمثلت في استنزاف خزينة الدولة على اثر حرب تطوان وحرمانها من نصف المداخل الجمركية, وتقلص مداخليها الداخلية. فكيف يمكن أن تكون التدخلات الاغاثية في ظل المجاعات العامة لجميع البلاد وفي فترات متزامنة ذات فعالية كبرى ؟

أما الدور الأجنبي خلال هذه المجاعات فقد تجلى في محاولة التخفيف من موجتها , فقد تدخلت الهيئة الدبلوماسية بطنجة لدى المخزن عن طريق النائب السلطاني محمد بركاش ملتمسة منه تسريح المساحلة من مرسى لا خر, قصد تحريك الطعام بحرا على يد التجار من مناطق الفائض إلى مناطق العجز. 12 وفي مثل هذه الظروف أصبح الاعتماد على الخارج ضروريا لمواجهة القحط , ومن ثم نشطت حركات الاستيراد من فرنسا وانجلترا وغيرها 13 وبدعم من المخزن المغربي احيانا.

وبدون إنكار للدوافع الإنسانية لبعض هذه المبادرات فان العملية لم تكن تخلو من مطامع خاصة,14 فقد تجند كثير من الأجانب الذين لهم مصلحة في البلاد خلال المجاعات واستغلوا الأوضاع للمتاجرة بالقمح لتحقيق الربح الوفير ومنهم من تعدى ذلك إلى شراء الرقيق كما اخبر الناصري قائلا( وفي هذه المسبغة ( 1878/1295) مد النصارى أيديهم إلى الرقيق فاشتروه وكان ابتداء ذلك أنهم كانوا يعاملون ضعفاء المسلمين وصبيانهم بالصدقات والإرفاقات, ثم تجاوزوا ذلك إلى شراء الرقيق منهم) 15 ومنهم من كان في أيام الرخاء يستغل انخفاض الأثمان فيقوم بعمليات تهريب عبر الموانئ للمواد العذائية بما فيها القمح , ونذكر هنا عمليات التهريب التي كانت تتم عبر شواطئ الريف في عهد المولى سليمان والمولى محمد بن عبد الرحمان15.

أما السفراء الأجانب فقد كانوا يستغلون مساعداتهم في تحقيق مزيد من الامتيازات, فقد طالبوا بإلغاء مؤقت للرسوم الجمركية أمام الحبوب المستوردة , كما أصدروا الأوامر إلى العمال بعدم منع الخواص من بيع حبوبهم في الأسواق, وكان هدا تدخلا سافرا في شؤون هي من اختصاص المخزن 16.

وفي بعض الأحيان كان يتم التنسيق بين الجميع لتحقيق المصلحة المشتركة كما حصل الأمر عندما تهاطلت الأمطار بالمغرب, وتحسنت الحالة نسبيا سنة1878. فقد جرت في طنجة عملية مطاردة وترحيل المتسولين الغرباء بتدخل من السلك الدبلوماسي. حيث تم التقاط أكثر من 150 متسول من المدينة تم تسليمهم للسلطة المحلية التي حشدتهم في القصبة في انتظار ترحيلهم , وبعد أن ارتفع العدد إلى 400 افتتحت الهيئة اكتتابا لمساعدة هؤلاء على العودة لحال سبيلهم وساهم في ذلك أيضا السلطة المحلية وأغنياء المدينة من مسيحيين ويهود ومسلمين 17.

هذا على صعيد المجاعات, أما في مجال الأوبئة والأمراض فكان الأمر أكثر تعقيدا

فمجهودات المخزن في هذا المجال كانت في الغالب تتم تحت ضغط المجلس الصحي بالمغرب الذي تأسس سنة 1840 بطنجة من طرف الأوربيين.18 وكان ذلك من اخطر التحديات التي واجهها مغرب القرن19...فقد كان للمجلس حق اتخاذ القرارات اللازمة لمقاومة البلاد من الأمراض السارية التي يمكن أن تهددها من الواجهة البحرية, فأصبح المجال البحري صحيا من اختصاص الهيأة الدبلوماسية في طنجة 20. ولئن كانت هذه الوقاية تبدو مهمة, فإنها كانت تنطوي على خلفيات استعمارية, في مقدمتها توفير المناخ الصحي لتشجيع الاستقرار الأجنبي بالمغرب. وبدأت مراقبة السفن الذاهبة إلى الديار المقدسة والقادمة منها.

وكان الحجاج قبل تأسيس المجلس الصحي يخضعون لعملية مراقبة شديدة عبر البحر عند ذهابهم من طرف اللجان والقوات المسئولة عن الموانئ, وكانت هذه المراقبة حسب لومييغ تتركز على مدى القدرة المادية لهؤلاء على أداء المناسك , أما عند عودتهم فلم يتعرضوا لأي مراقبة صحية. 21 ومنذ طاعون 1818 الذي كان سببه الحجاج القادمين عبر البحر جلب ذلك الانتباه إلى خطورة الحج من الناحية الصحية 22. وفي نفس السنة عاد أولاد السلطان سليمان من الحج ونزلوا بطنجة وبعد ذلك انتشر الطاعون كما تقدم في رواية الناصري 23 لدرجة أن المولى سليمان منع الحج بسبب الخوف من الطاعون الذي يحمله الحجاج معهم 24.

ورغم أن باب الحج فتح بحرا سنة 1827- 1828- وأصبح مسموحا به ,إلا أن المخزن كان عاجزا على اتخاذ أي إجراءات صحية, ويعود السبب في نظرنا إلى التخلف الطبي المغربي وجهله بالأساليب الوقائية التي نهجتها الدول الأوربية, والى النظرة التقليدية للمخزن التي لم تفكر في إقامة إدارة وطنية صحية مما جعله يقف عاجزا أمام خطر الأوبئة وفتح المجال أمام القنصلية الأجنبية بمصراعيه للتدخل في الشؤون الصحية للحجاج بطنجة أكثر. 25

وفي سنة 1831 انتشرت الكوليرا بالحجاز وخافت الدول الأوربية المجاورة من انتقال العدوى إلى المغرب عبر الحجاج, فقرر القناصل الأجانب إرغام أرباب السفن على عمل الحجر الصحي( الكرنتينية) قبل المجيء إلى طنجة26. وهكذا على سبيل المثال حطت سفينة السيست المالطية في طنجة في 28 مارس 1836 بعدما تعرضت للحجر الصحي في مالطا وعلى متنها 220 حاج. ومنذ هذا التاريخ (1818) بدأ خطر التدخل الأجنبي بالميدان الصحي المغربي, والذي سيواجهه المغرب في المستقبل, وبشروط أقوى مع تأسيس المجلس الصحي الدولي بطنجة.27

وقبل الحديث عن دور المجلس الصحي بسلبياته وايجابياته, نذكر بعض التدابير التي قام بها المخزن في ميدان اتقاء انتشار الأمراض, وسنلاحظ أنها كانت بسيطة إلى درجة كبيرة ففي رسالة كتبها السلطان المولى الحسن سنة 1879في 10ربيع الاول1296الى أمناء تطوان يأمرهم بالاعتناء بنظافة المدينة, وبتخصيص مداخل المجازر لذلك( وبعد لقد رفع لحضرتنا العالية بالله الإعلام بتكاثر الازبال والقاذرات بالطرق, ولا ينبغي السكوت عنها فان الدين مبني على النظافة , مع ما ينشا عن التغافل عنها من الوخم وفساد الهواء ,وقد كنا عينا للتنظيف مستفاد المجزرات, وأمرنا بصرفه فيه ثم انه لا يصرف في ذلك على ما ينبغي...فنأمركم أن تقوموا..على ما ينبغي, وتعينوا رجلا حازما ضابطا يقف عليه..ً28 هذا بالإضافة إلى منع الحج الذي كانت له أسباب أخرى في بعض الأحيان غير الخوف من نقل الأوبئة كمنعه سنة 1243 لتزامنه مع فصل الشتاء, وهو فصل تكثر فيه الأمطار والرياح وفي دلك مخاطرة وتعرضا للتهلكة كما ورد في رسالة السلطان إلى قائد تطوان. ومنعه سنة 1248 بسبب الحرب بين العثمانيين والمصريين.

كما قام المخزن بخطوات أخرى لمنع دخول الوباء إلى المغرب, لكنها كما سنرى كانت تتم وفق اقتراحات من المجلس الصحي بطنجة, ومن أمثلة ذلك الرسالة السلطانية التي بعثها المولى عبد الرحمان إلى عبد الرحمان اشعاع بتطوان في 22شعبان سنة1244 وهذا نصها (وبعد:فقد طلب منا جميع القنصوات أن لايدخل لمراسينا السعيدة ما كان من ثياب اللباس قديمة...وحوائج الفراش...وغير ذلك مما يمكن أن يكون مكمونا فيه رائحة المرض ويعود بالضرر ويكون مظنة ذلك, فأجبناهم لما طلبوا ,لأنهم اعرف بأمور دنياهم, وعليه فكل ماورد من ذلك لا تقبلوه..29.

وهناك رسالة أخرى للسلطان مؤرخة في 24 جمادى الثانية 1259 إلى قائد تطوان تقول (فقد كتب لنا قنصوات الأجناس بمحروسة طنجة, بان القانون المتعارف عليه عندهم في المراكب التي ترد حاملة الحجاج, هو أن لا تأتي إلا على طنجة..ولا يدخل مركب منها للمرسى إلا بعد أعمال الكرنتينة..وان كل ماورد منها على غير طنجة لا يقبل ويرد إليها وعليه فكل من ورد عليكم منها لا تقبلوه وردوه للثغر المذكور.) 30 وجاءت هذه الرسالة عقب نزول سفينة للحجاج بتطوان, لكن اتضح فيما بعد انه تم إنزال الحجاج في ميناء تطوان بعد أن قام بالواجب, واستوفى الشروط القانونية..فقد صحب معه من مالطا استيفاء الشروط المقررة.31 وقد جاءت هذه الرسالة بعد أرسل المجلس الصحي رسالة إلى المولى عبد الرحمان مفادها أن لا يسمح بنزول السفن في المغرب قبل تطبيق الحجر الصحي, وقد رد عليهم السلطان انه اصدر أوامره لعماله بالمدن الساحلية(كما يشهد على ذلك مثال تطوان) بعدم استقبال الحجاج دون تطبيق الحجر الصحي.ولقد قوبل رده بارتياح كبير من طرف اللجنة الصحية بطنجة. 32 وقد استغل هذا المجلس الصحي توصيات السلطان الصادرة فبدا منذ سنة1846 على تعيين مناديب صحيين في الموانئ لمنع رسو أي سفينة دون ترخيص 33 ومن هنا بدأ يتحول المجلس الصحي إلى سلطة مستبدة..تصدر ضد السفن العائدة من الحج قرارات جائرة, وكان هذا الجانب يثير حيرة المخزن وقلقه لعلمه بشدة وقعه على الرأي العام المحافظ 33 وازدادت شروط الحجر الصحي قساوة لدرجة أنها بدأت تستهدف حتى السفن التجارية القادمة من مالطا اوماهون إذا كانت تحمل على متنها حجاجا, ثم ترسل مباشرة إلى طنجة. 34 ويمكننا في هذا الإطار أن نضيف الضجة التي أثارتها قضية طرد السفينة التركية سمنونت, التي عادت بالحجاج إلى طنجة في فاتح شتنبر 1865 ,35 حيث لم تجدي التماسات المندوب السلطاني محمد بركاش بطنجة, وقد تم هذا الطرد في ظروف مأساوية ,وكان القرار تعسفيا, مما أثار سخط الرأي العام المغربي بما فيهم الأعيان والعلماء, وفي مايلي نورد رسالة لأعيان فاس وتجار مدينة مكناس إلى المولى عبد الرحمان بن هشام يقولون فيها..(.وهذه مهانة للمسلمين لم يتقدم مثلها ,لان الثغور ثغور الإسلام, وأمرها بيد مولانا المظفر الإمام...). وقد قام السلطان بتأنيب نائبه محمد بركاش على موافقته عليها وهذا مقتطف من الرسالة...( ومع عظم هذه النازلة إذ ليست بسهلة...ناسف غاية التأسف على المسلمين لما نزل بهم من الهوان وتعريضهم للضياع وهل مثل هذه النازلة يسكت عنها وتهمل.. ) ولما بالغ الأجانب في التدخل بشؤؤن الحجاج القادمين وحجر بضائعهم تدخل المولى محمد بن عبد الرحمان حيث عين جزيرة الصويرة كمكان للكرنتينة 36.

ورغم هذا الإجراء فقد ظل أطباء المجلس ونوابه هم الذين يشرفون على إدارة هذا المحجر

وفي عهد المولى الحسن تمكن المجلس من انتزاع 3 ضهائر جديدة خولته ممارسة سلطة واسعة بطنجة 37.

وبعد وباء الكوليرا الذي تسرب إلى المغرب سنة 1895, قرر المجلس الصحي تصعيد إجراءاته ضد الحجاج والعائدين من الديار المقدسة بعدم السماح لهم مطلقا بالنزول إلا بجزيرة الصويرة, سواء كانت السفن سالمة أو موبوءة.وقد قابل المخزن هذه الإجراءات بالرفض, وكان أمامه إما استئصال المجلس من أصله, وهذا لم يكن ممكنا في ضل الظروف أنذاك, أو منع الحج, وقد كان هذا القرار هو الذي عزم عليه ا لمغرب, واخبر به اباحماد الممثل الانجليزي نكلسن..الذي استعمل جهوده لإقناعه عن العدول عن القرار مقابل أخد شروط المغرب بعين الاعتبار وهي أن يقتصر الإنزال في الصويرة على السنة الموبوءة دون غيرها, وان يكون ذلك بإذن مسبق من طرف المخزن 38.

غير أن المجلس الصحي لم يلتزم بما اتفق عليه, مما دفع المخزن إلى التفكير في منع الحج سنة 1897 ,وكتب بذلك محمد الطريس للمجلس الصحي الذي وافق بسبب توفره علم معلومات بظهور وباء الطاعون بالهند, وبعد استفتاء فقهاء مراكش ووصول جوابهم بالموافقة اصدر أوامره إلى كافة المدن بمنع الحج ولم يكن هذا المنع بسبب الطاعون المذكور وإنما ردا على تحرشات المجلس الصحي للحجاج 39.

ولم يكن هذا الخلاف الوحيد بين المخزن والمجلس الصحي, بل كانت هناك معضلة أخرى وهي مشكلة النفقات التي كانت تصرف بالحجر الصحي, فقد شكلت عنصرا آخر للنزاع بينهما, إذ كان المخزن مطالبا بأداء هذه النفقات المبالغ فيها, وكانت كل الخسائر التي تتم أثناء الحجر الصحي يؤديها المخزن. 40 وفي حالة امتناع المخزن من تسديد ذلك كان المجلس يهدد بمنع الشركات الملاحية من نقل الحجاج إلى المغرب, وأمام هذه المبالغة حاول المغرب الوقوف على أثمان الأدوية بنفسه ,وأداء أجرة الطبيب بعد نهاية الكرنتينة41.

ومع ذلك استفحل المشكل أكثرخصوصا عندما أصبح الحجاج المغاربة ملزمين بقضاء حجر أول في مطيفو بالجزائر قبل التوجه إلى ميناء الصويرة, وقد أصبحت هذه المصاريف تشكل عبئا على المخزن نظرا للضائقة المالية التي اشتد وقعها على الخزينة, خصوصا في بداية القرن العشرين , حتى اضطر أمامها إلى فرض ضريبة على كل حاج بمبلغ 5ريالات قصد التخفيف من عبئه النالي42.

إن شروط الحجر الصحي كانت صعبة, وان القبول بفكرة التدخل في الشؤون الصحية للأجانب في المغرب وخصوصا في شؤون الحج لم تساهم إلا في خرق هبة المخزن, نتيجة التنازلات التي كان يقدمها للقوى الأجنبية.43 أما السكان فكانوا يرون فيه هيأة فضولية تتدخل فيما لايعنيها...خاصة عندما تقترح على الحكومة عزل الأصحاء عن المرضى44 , وكثيرا ما أثارت القوانين الصحية المفروضة من الأجنبي غضب الشارع ,ودفعت به إلى الاعتقاد بكون حقوقه الأساسية الأكثر قدسية قد مست من طرف المسيحيين45 , أما الحجاج وربابنة السفن فكانوا ساخطين إلى أقسى درجة , لما كانوا يلاقونه من مشقة في الحجر الصحي وكثيرا ما تحايلوا للنزول دون الذهاب للكرنتينة ومنهم من كان ينزل سرا وراء منارة مالاباطا. أما موقف العلماء فقد تباين منها مابين موافق عليها ومابين رافض لها, وان كان الغالبية يرون حرمتها وقد ورد نص في المسالة عند الناصري في مناقشة أمر الكرنتينية يقول فيه ( ونحن إذا أمعنا النظر في هذه الكرنتينة وجدناها تشتمل على مصلحة وعلى مفسدة, فأما المصلحة ففي سلامة أهل البلد المستعملين لها من ضرر الوباء, وهذه المصلحة كما ترى غير محققة بل ولا مظنونة, لأنه ليست السلامة مقرونة بها كما يزعمون, وانه مهما استعملها أهل قطرا وبلد إلا يسلمون لا دائما ولا غالبا, بل الأكثر أو الأكثر أنهم يستعملونها ويبالغون في إقامة قوانينها ثم يصيبهم مما فروا منه كما هو مشاهد, ومن زعم أن السلامة مقرونة بهذا دائما أو غالبا فعليه البيان إذ البينة على المدعي فنتج عن هذا أن مصلحة الكرنتينة مشكوكة أو معدومة (...) أما المفسدة فهي دنيوية ودينية أما الدنيوية فهي الأضرار بالتجار وسائر المسافرين إلى الأقطار بحبسهم وتسويقهم عن أغراضهم (...)وأما الدينية فهي تشويش عقائد المسلمين والقدح في توكلهم وايهام أن دلك دافع لقضاء الله تعالى وعاصم منه 46.

مواقف النخبة والعامة من المجاعات والأوبئة

اعتبر العلماء الأوبئة والمجاعات غضب من الله , لانتشار الظلم والمناكر والفتن والخروج عن السلطان, يقول الضعيف( وفي عام (1149) اهلك الله كل من خرج على السلطان مولاي عبد الله وقويت الفتن وارتفعت الاسعارللفتن ولقلة الطعام )47 , وفي نص آخر سنة 1150 نقرا للضعيف وقد نقل هذا النص عن القادري الفاسي في نشر المثاني(و ذلك كله من شؤم الفتن والخروج على الملوك...وكل هذا من كثرة المناكر....و الفحش مع قلة الأحكام.فما أهون الخلق على الله إن خالفوا أمره ونهيه, ولم يجعل الله لأهل الغرب راحة إلى أن من عليهم برجوع مولانا عبد الله )48,وفي سنة 1152 يقول الضعيف (وهذه السنة كان السيل العظيم نحو خمسة أشهر والأمطار متصلة إلى الصيف, وذلك لما تولى أيده الله واجتمعت كلمة أهل المغرب ).49

أما العامة فكانوا يعتقدون أن انتشار القحط والأوبئة راجع إلى كثرة المناكر, والابتعاد عن الدين, لذلك كانوا يلجئون دائما إلى الله ويبالغون في صلوات الاستسقاء,50 ويكثرون من الصوم والتضرع والابتهالات , ويزورون الأضرحة للتبرك بها , وكان اليهود بدورهم يطلبون الغوث, ويلجاؤون إلى الاستسقاء التي تسمى عندهم يقون هكشيم.51

ومواقف العامة وتصرفاتهم أثناء المجاعات مختلفة, فالأغنياء منهم يعودون على الأقوات التي خزنوها داخل الدور أو في الاهراء, 52 أما الفقراء فلا يدخرون شيئا للكوارث فيلجاؤون إلى التسول وطلب الصدقات والإحسان53 , ومنهم من يلجا إلى اللصوصية وقطع الطريق للحصول على القوت, وكانت السرقات تنتشر أكثر عند حدوث الجوع أو الوباء, ويساهم في ذلك كثرة الفوضى وانعدام الأمن.54

وعندما يشتد الجوع يأكل العامة كل شيء افتراس الحيوانات الأليفة القطط والكلاب واكل الخنازير, وما يرميه البحر, إذ نقرا في إحدى رسائل محمد بركاش ( أن الضعفاء يتخاطفون الحوت بشدة وازدحام ويأكلونه اخضر )55 وهناك حالات لأكل الآدمي لكنها نادرة ومبالغ فيها مثلها مثل بيع البعض لأبنائهم قصد شراء مايسد رمقهم.

كما انتشرت مظاهر أخرى داخل المجتمع كالارتداد عن الدين ,كما حصل لبعض اليهود للحصول على لقمة العيش,56 وانتشار البغاء الذي كان يزدهر في مثل هذه الأوقات العصيبة ,اذ نقرا في نص يهودي سنة1750 زنت امرأة خلال المجاعة بتطوان مع احد الاغيار فولدت 57.. كما انتشرت ظاهرة الهجرة إلى الأماكن الأقل تضررا.58

أما أثناء الأوبئة فتكثر حالات الاختباء في المنازل اللهم في الجنازات وخصوصا إذا كانت للأولياء فان العامة يتجمعون حولها. - 59

وتكثر حالات الفرار بين الناس مما كان يساعد في انتقال العدوى, وفي هذه المسالة بالضبط اختلف العلماء والفقهاء فيها, والفت العديد من الرسائل, وأصدرت العديد من الفتاوى المتناقضة, وعلى سبيل المثال نذكر الصوفي احمد بنعجيبة الذي بلور في رسالته{ سلك الدرر في ذكر القضاء والقدر} التي أصدرها عقب طاعون 1800- 1798 حيث كان يقيم بتطوان.فقررت سلطاتها إغلاق أبواب المدينة بموافقة طائفة من العلماء, ثم بعد أن داهم الوباء المدينة نصح هؤلاء العلماء بالفرار لمن كانت لهم الاستطاعة’, غير أن ابن عجيبة اتخذ موقفا مضادا بقي بتطوان حيث مات جميع أولاده بالطاعون. وألف رسالة في الرد على هؤلاء العلماء ,وأكد أن الموت والحياة بيد الله, وان لاحقيقة للعدوى فلا عدوى ولا طير 60,ومنهم أيضا العربي المشرفي في رسالته أقوال المطاعين والطواعين أرجعها إلى الجن.61

أما العلاجات والوقاية فكانت بلا ريب فوق طاقة الحكومة لانعدام الأطباء المغاربة وقلة خبرتهم, فكان الناس يعمدون إلى اتخاذ الرقي والتمائم,62 أو التداوي بالأعشاب وأنواع العلاج التقليدي 63, والأطباء في الغالب كانوا من الأجانب الأوربيين ,الذين ابلوا بلاءا حسنا, وقد مات منهم العديد متأثرين بالعدوى أثناء العلاج, ومن هؤلاء الأطباء بالثغر الطنجي الدكتور رولانجي الفرنسي الذي اشرف على المستشفى وبذل جهودا حسنة في مكافحة كوليرا 1855 حتى مات هو بدوره بهذا الوباء 64 وبتطوان استقر سنة1858 الطبيب النمساوي الهنغاري ماكسيميليان شميدل....وسكن طبيب فرنسي يدعى موريل وكان في منتصف القرن 19 يزاول الصيدلة والطب..وبالعرائش والقصر أقام طبيبان اسبانيان وهناك طبيب ثالث يدعى رودريكيت كراكوف وهو روسي.

الهوامش

1- محمد الأمين البزاز (عمليات الإغاثة المخزنية خلال مجاعات النصف الثاني من القرن التاسع عشر) من كتاب دراسات مهداة للفقيد جرمان عياش ,ط1 ,منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط , 1994, مطبعة النجاح , ص 129.

2- نفسه ص 129

3- الناصري م س الجزء 3 ص 149.

4- نفسه , ص 145

5- الضعيف الرباطي , م.س. ص 126.

6- محمد الناصري م.س.ج 3.ص 165.

7- الضعيف.م.س.ص 277.

8- محمد داود (تاريخ تطوان). ط 1 , 1966/1386 , المطبعة المهدية ,تطوان, القسم الأول من المجلد السادس , ص 35.

9- نفسه ومكرر ص53, وص 33.

10- محمد الأمين البزاز (عمليات الإغاثة المخزنية خلال مجاعات النصف الثاني من القرن التاسع عشر) من كتاب دراسات مهداة للفقيد جرمان عياش , ط1 ,منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط , 1994, مطبعة النجاح , ص 132.

11- نفسه, ص 134- 135.

12- البزاز (تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب.........) م.س.ص242.

13- نفسه , ص 243.

14- محمد الأمين البزاز ( المجلس الصحي والمخزن وكارثة 1878 ) مجلة دار النيابة , السنة الأولى , العدد الرابع, خريف 1984, المطابع الدولية المغربية, طنجة ,ص 19.

15- الضعيف , مرجع سابق , ص 385.

16- البزاز (المجلس الصحي والمخزن وكارثة 1878 ) مجلة دار النيابة , السنة الأولى , العدد الرابع , م. س. ص 19.

17- البزاز ( تاريخ المجاعات والأوبئة................) م.س. ص 149.

18- Mohamed amine bzaze. les débuts de la réglementation sanitaire de pèlerinage marocain a la Mecque 1831- 1866. Hesperis p 94

19- محمد خلوق التمسماني ( موقف الرأي العام المغربي من خلال الفتاوى الشرعية في القرن التاسع عشر وبداية العشرين ) مجلة دار النيابة , السنة الخامسة , العددان 19/20 ,صيف خريف 1988 , المطابع الدولية المغربية, طنجة, ص 54.

20- Mohamed amine bzaze. les débuts de la réglementation sanitaire de pèlerinage marocain a la Mecque 1831- 1866. Hesperis p 67

21- نفسه , 68.

22- نفسه.ص 68.

23- الناصري ( الاستقصا.............) م.س. ج 3 ص

24- Mohamed amine bzaze. les début de la réglementation sanitaire de pèlerinage marocain a la Mecque 1831- 1866. Hesperis p 68

25- نفسه. ص 69.

26- نفسه. ص 70.

27- محمد داود ( تاريخ تطوان ) م.س.ص 132.

28- ( تطوان خلال القرن التاسع عشر مساهمة في دراسة المجتمع المغربي ) منشورات تطوان أسمير , مطبعة الحداد , تطوان ,1996, ص 128.

29- محمد داود.م.س.ص 175.

30- نفسه ,ص , 421.

31- نفسه. ص. 408- 409.

32- Mohamed amine bzaze. les début de la réglementation sanitaire de pèlerinage marocain a la Mecque 1831- 1866. Hesperis p 72

33- محمد خلوق التمسماني ( موقف الرأي العام المغربي من خلال الفتاوى الشرعية في القرن التاسع عشر وبداية العشرين ) مجلة دار النيابة , السنة الخامسة , العددان 19/20 ,صيف خريف 1988 , المطابع الدولية المغربية, طنجة, ص 53.

34- Mohamed amine bzaze. les début de la réglementation sanitaire de pèlerinage marocain a la Mecque 1831- 1866. Hesperis p 72

35- محمد خلوق التمسماني ( موقف الرأي العام المغربي من خلال الفتاوى الشرعية في القرن التاسع عشر وبداية العشرين ) مجلة دار النيابة , السنة الخامسة , العددان 19/20 ,صيف خريف 1988 , المطابع الدولية المغربية, طنجة, ص 53.

36- Mohamed amine bzaze. les début de la réglementation sanitaire de pèlerinage marocain a la Mecque 1831- 1866. Hesperis p 68

37- محمد خلوق التمسماني ( موقف الرأي..........) م.س.ص 54.

38- نفسه.ص 54.

39- نفسه.ص 54.

40- Mohamed amine bzaze. les début de la réglementation sanitaire de pèlerinage marocain a la Mecque 1831- 1866. Hesperis p

41- محمد الأمين البزاز ( مشكلة نفقات الحجر الصحي ) دار النيابة , السنة الخامسة , العددان 19- 20 المطابع المغربية الدولية, طنجة , ص52

42- نفسه ص 52.

43- Mohamed amine bzaze. les début de la réglementation sanitaire de pèlerinage marocain a la Mecque 1831- 1866. Hesperis p 75

44- مصطفى بوشعرة ( الاستيطان والحماية بالمغرب 1280- 1311/ 1863- 1894) الجزء 1 ط1404- 1984- المطبعة الملكية ص167.

45- Mohamed amine bzaze. les début de la réglementation sanitaire de pèlerinage marocain a la Mecque 1831- 1866. Hesperis p 76

46- الناصري ( الاستقصا........) م.س. ص 183- 184.

47- الضعيف. م.س. ص 124.

48- نفسه ص 125

49- نفسه ص 125

50- محمد الأمين البزاز ( تاريخ المجاعات والأوبئة.......) م.س. ص 350.

51- نفسه.ص 351.

52- نفسه.ص.353

53- نفسه ص 358

54- انظر المحور الثاني من العرض(النتائج العامة للمجاعات والأوبئة بشمال المغرب ).

55- البزاز (تاريخ المجاعات والأوبئة.........) م.س ص 358.

56- نفسه ص 360.

57- نفسه ص 360.

58- انظر المحور الثاني من العرض.

59- مصطفى بوشعرة ( الاستيطان والحماية بالامغرب 1280- 1311/ 1863- 1894) الجزء 1 ط1404- 1984- المطبعة لملكية ص162

60- البزاز ( تاريخ.....) م.س.ص 399

61- نفسه ص400.

62- مصطفى بوشعرة ( الاستيطان والحماية بالامغرب 1280- 1311/ 1863- 1894) الجزء 1 ط1404- 1984- المطبعة لملكية ص163.

63- بوشعرة. م.س ص 163


64- بوشعرة , م.س ص 163
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى