علجية عيش - الطلبة الجزائريون.. من ثورة التحرير إلى ثورة التغيير

المتأمل في حركة الطلبة الجزائريين يقف على الفارق الواضح بين طلبة 19 ماي 1956 و طلبة 19 ماي 2019 ، ثلاثة و ستون (63) سنة كافية للمقارنة بينهما رغم أن الاثنان أحدثا طفرة إعلامية، كيف نرسم حراك أمس بحراك اليوم؟ أو بالأحرى هل يمكن أن نضع الطلبة اليوم في كفة الميزان و نقارن من هم أكثر وطنية؟ المتأمل في المرحلتين يقف على الفروقات بين زمنين اتسما كلاهما بالعنفوان إلا أن المطالب كانت مختلفة (من التحرير إلى التغيير)، و لو يسعيان لغاية واحدة هي “التحرر”، التحرر من قيود الاستعمار و التحرر من قيود التبعية للنظام و كسر جدار الصمت

في مثل هذا اليوم من 19 ماي 1956 أعلن طلبة جزائريون الوقوف إلى جانب الثورة التحريرية و هي تدخل عامها الثالث، حيث تركوا مقاعد الدراسة من أجل دعم مسيرة الكفاح المسلح و الدفاع عن الوطن، فقد شكل إضراب الطلبة الجزائريين مرحلة حاسمة في تاريخ الجزائر تركت المستعمر الفرنسي منبهرا بإيمان الشعب بوطنه، و حبه لأرضه، وتشبثه بأصوله و ثوابته، بعدما وصفته بالإرهابي و قاطع طرق، لكن تمسك الطلبة بمواقفهم في استرجاع السيادة الوطنية لم يشككهم يوما فيما كانت تذهب إليه فرنسا و ما كانت تروجه أمام الرأي العام الدولي، كان القرار جماعيا و خارج عن أي وصاية سياسية ، أو عسكرية و كان استجابة لنداء الواجب الوطني، حيث حقق الإضراب عدة أهداف، أفشلت كل مخططات الاستعمار الذي كان يروج لمقولة أن من يقومون بالعمليات العسكرية هم “قطاع طرق” وأبرز الإضراب الذي قاده الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، أن الأمر يتعلق بثورة شعب بأكمله، تقف إلى جانبه نخبة مثقفة مكنت من إيصال صوت الجزائر إلى المحافل الدولية، رغم أنه لم تكن لديهم وسائل متطورة كالتي نراها اليوم ( الفيسبوك و التويتر و الأنستغرام) لإيصال صوتهم إلى العالم ، نشير أن الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين تأسس في الرابع من شهر جويلية 1955، و كان يهدف إلى توحيد الطلبة في حركة طلابية واحدة موحدة.

كان من نتائج إضراب 19 ماي 1956 التحاق شباب من كلا الجنسين بالثورة الجزائرية، نذكر من بينهم الرائد عمار ملاح مجاهد التحق بالثورة بالولاية الأولى، ( ما زال على قيد الحياة) محمد الطاهر بن مهيدي شقيق محمد العربي بن مهيدي بالولاية الثانية، طالب عبد الرحمان بالولاية الثالثة ، و كذلك اللواء حسين بن معلم، دون أن ننسى العقيد محمد شعباني بالولاية السادسة، كذلك مريم بوعتورة و زهور ظريف بيطاط و أسماء كثيرة استشهدت ، حيث لعبت دورا لا يستهان به في محاربة الاستعمار الذي أراد أن تكون الجزائر فرنسية، مرت 63 سنة على هذه الأحداث، لكنها عادت في شكل جديد، و بأسلوب مغاير، لم تكن هناك دبابة و لم تكن هناك نازلات ماحقات الواردة في النشيد الوطني الجزائري، لكن هناك سلطة و نظام متسلط أراد لهذا الشعب أن يركع، و هو الذي رفض الركوع أمام أقوى إمبراطورية، نعم لقد انضم الطلبة إلى الحراك الشعبي الذي أحدث ثورة سلمية.

لا يختلف اثنان أن خروجهم في المسيرات الشعبية لدليل على وعيهم بأن هناك رسالة تنتظرهم، و واجب وطني يؤدونه، و على عاتقهم مسؤولية كبيرة، و بذلك فهم مطالبون بمواصلة “المسيرة” من أجل لتعبير عن رفضهم لواقع سياسي ملوث، و رفع الظلم و الاستبداد، رغم أنهم منقسمين بين أحزاب موالية و أخرى معارضة ( اتحاد الطلابي الحر المحسوب على حزب الإخوان في الجزائر و اتحاد الطلبة الجزائريين المنضوي تحت لواء حزب جبهة التحرير الوطني) لكنهم تركوا القبعة الحزبية جانبا، و انضموا الجماهير الشعبية ، ساروا في صف واحد ممسكين أيديهم بأيدي بعض، فكانوا قلبا واحدا، لأن الأمر متعلق بمصير جيل كامل، أراد أن يغيّر و يطهر الساحة السياسية من الفساد، من أصحاب المصالح و المشبوهين، أراد الطلبة و الشباب و هم يخرجون في مسيرات شعبية كسر جدار الصمت، و تغيير لغة الخطاب السياسي، و التخلي عن لغة الخشب و الديماغوجية التي استعملتها الأحزاب في الانتخابات، أو بالأحرى إسقاط زعامات الزيف الجزائري، التي جثمت على صدر الشعب لمدة تزيد عن 20 سنة أو أكثر، أراد الطلبة و الشباب الذين رفعوا شعار: “نحن طلاب الجزائر، نحن للمجد بناة” أن يغيروا الواقع الجزائري و يضعوا خارطة طريق جديدة من خلالها يقدمون أفكارا جديدة تليق بالعصر الذي يعيشونه و بالمستقبل.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى