الحماقي المنشاوي - أبلغته موافقتي.. قصة صيرة

خطيب ابنتي طبيب شاب.. يتميز بطموحه.. قريته تبعد عن مدينتنا الصغيرة بضعة كيلو مترات.. لم يأبه لتأنقه الزائد في أول لقاء.. ابنتي الصغري مدللة.. طلبت مني زيارة أخري قبل أن تبدي موافقتها.. تحرجت في طلبه للحضور.. تذكرت عندما كنت شاباً مثله. وتقدمت لأمها كان الخجل بادياً. والعرق في الشتاء يعزف علي سلسلة ظهري أنشودة التعلثم البريء.
الولد طيب. وكذلك أصله. جذوره الريفية بادية علي رجولته..حضر منفرداً لأخذ الموافقة المبدئية ثم يعود الأسبوع التالي ومعه أسرته لقراءة الفاتحة.
شرح لي ظروفه المادية.. تفهمت أحواله.. لم يبالغ. ولم يتحوط. كان طبيعياً. وتلقائياً. وموضوعياً. وأنا بمنتهي الشفافية استمعت إليه وأجبت. واستوضحت منه حتي ارتاح صدرينا. وأضاف ان حضور الأهل سوف يقتصر علي مباركة هذا العرض.
شقيقتها الكبري لم يحدث في خطبتها ما تم. ولا الوسطي أيضاً.. كانت العائلات والأعمام والأصدقاء داخلين في دائرة الاتفاق والتفاصيل حتي انه كان يضيق صدري لحظة التوقف عند أشياء بسيطة يمكن تمريرها بسهولة لكنها كانت تأخذ جدلا وتدخلاً من أطراف لن تلتزم بأي شيء اللهم إلا الحضور والتوسط لدينا.
عندما أوصلته إلي باب منزلنا مودعا كان سعيداً.. نظراته المتلهفة!.. عيناه لا تفارقان شفتي متعجلاً ان أتلفظ ولو بكلمة واحدة أو بحرف يفتحان له بهجة الدنيا فقد سمع عنا كل خير وأن بناتي "خام" ومشهود لهن بالخلق والعلم والأصل الطيب. وهذه الصفات ندرةهذا الزمان والولد يدرك هذا جيداً.
صعدت فقالت زوجتي:
شوف بنتك عايزة إيه!
سيبك من دلع البنات
يا راجل والنبي علشان خاطري
مش وقته
تنحنحت كبري بناتي لتتعجل الحديث لاكزة أختها الحامل في كتفها كي تساندها في وجهة نظرها التي ستبديها فهي تتوهم ان زوجها أكثر العرسان الذين تحملوا في نفقات الزواج وتريد من القادم ان يتحمل هو الآخر مثله..قلت للجميع: كل جوازة لها ظروفها.
زأرت الأم:
"تيسير" مش أقل من اخواتها وبنات خالاتها
هتكون راضية ومرتاحة
حاول الخال ان يهدي النقاش:
خلونا نفرح بآخر العنقود ويزيد عدد الاحفاد
زغرتي ياللي..
سارعت إلي تنبيهها:
قومي يا أم رانيا اعملي فنجان قهوة لاخوكي
أشعل شقيقها سيجارته ولاذ بالصمت. وطأطأ رأسه. ولولا انه شقيقها الأصغر. وزوجتي هي التي راعته وقامت علي تربيته منذ وفاة والدتها لكان له رد آخر لكنه يعتبرها أمه رغم انها وسطي أخواته إلا أنه مرتبط بنا وبأولادنا دون شقيقاته الاخريات.
هرعت العروس خلف أمها نحو المطبخ: هاعمل أنا القهوة لخالي وخليكي معاهم.
أنا مش عارفة أبوكي وخالك بيعملوا ليه كده؟!
رجعت الأم إلي مقعدها وقالت لشقيقها:
متزعلش يا "عبدالفتاح" إحنا متلخبطين
ربنا ما يجيب لخبطة يا أبلة "زينات".
عاد الهدوء إلي مجلسنا.. ابنتاي رانيا وإلهام تهامستا بارتياح وترقب.
ظلوا مجتمعين ثم قالوا: لم أدعهم يتحدثون.. كنت عند وداع العريس قد أبلغته موافقتي!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى