عبدالله العروي - خاطرة حول حول التعليم في المغرب و كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر":

أنهيت قراءة كتاب طه حسين مستقبل الثقافة في مصر. و لي مع هذا المؤلف قصة. عندما كنت أجمع المواد لتحرير الأيديولوجية العربية المعاصرة اطلعت على جلّ مؤلفات طه حسين الكبرى سوى هذا الكتاب لأني لم أجد نسخة مه في أية مكتبة عمومية في باريس. ثم عندما عدت إلى المغرب كنت قد استغنيت عنه بعد اطلاعي على فقرات مهمة منه في كتابات من ناقش آراءه بدقة و إسهاب كساطع الحصري. و الآن بعد العثور عليه و مطالعته أجد أني لخصت مواقفه بكيفية مرضية و إن كنت قد فعلت ذلك عبر وسائط. إلاّ أن ما شدّ انتباهي هو أني قد كتبت فيما بعد مقاطع تكاد أحيانا تطابق ما عنده، خاصة تلك التي تسجل تقاعسنا إزاء القيم الغربية و تهافتنا على اختراعاته المادية. يؤكد طه حسين تلك الإزدواجية و ما يلازمها من تردد و نفاق و رفض القاعدة المجربة: من أراد الغاية لزمته الوسيلة. و مما يحز في النفس أن نكون لا نزال في حاجة إلى تكرار المقولات نفسها كما لو كان كلام من سبقنا في هذا الاتجاه من دعاة النهضة مجرد لغو.

يدور معظم الكتاب حول السياسة التعليمية على مختلف مراحلها و حول ضرورة إعادة النظر فيها. و الغريب هو أن الأخطاء التي يبرزها المؤلف و يؤاخذ عليها الحكومات التي توالت على مصر منذ استقلالها عن الإنجليز هي بالضبط تلك التي ارتكبها المغرب بعد استقلاله عن فرنسا و لا يزال يرتكبها رغم انتقادات أوساط كثيرة في الداخل و الخارج. طبعا لم يقرأ أحد من زعمائنا كتاب طه حسين، لكن المحقق هو أنه حتى لو قرؤوه لما ثناهم ذلك عن سبيل الخطأ بدليل أن مصر نفسها لم تستفد منه.

لم أقرأ الكتاب حين كان من المفروض أن أقرأه. يغفر لي أني توصلت من جانبي إلى الخلاصة نفسها: تطوير و تبسيط اللغة العربية، تشجيع تعلم لغات غير لغة المستعمر، تعريب أمهات الكتب الغربية حتى نتمكن من إبداع ثقافة عربية عصرية.."


3 فبراير 1997

- خواطر الصباح، ص 249-250. ج3

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى