نزار العاني - طيب تيزيني : أين أنت ؟؟؟ (2)

سبق لي أن اخترت مقاطع منتقاة وبقصد من كتاب د. طيب تيزيني " من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني " ووضعتها على صفحتي دون أي تدخل من قبلي ، إِنْ بالشرح ، أو بالتعليق ، وواضح لمن قرأ تلك المُجْتثّات أن د. تيزيني قد تنبأ منذ عام 2000 باحتمال اندلاع النار في سوريا ، وأنه حدد بشكل قاطع الأسباب التي ستسهم بذلك ، ولكن صوته المعرفي ، انطوى في ضجيج الجهل السياسي والمعرفي والفكري الذي يضرب بأطنابه كافة وجوه النشاط الدولتي والإجتماعي والأمني في سوريا .
في هذا النص ، سألجأ أيضا إلى اختيار مقاطع من الكتاب الآخر الذي أشرتُ إليه آنفاً ، وعنوانه " بيان في النهضة والتنوير العربي " الصادر عام 2005 ، وأشير هنا أن مقالات الكتاب أو بعضها ، يرجع تاريخ كتابتها إلى عام 2000 ، أي قبل اخضرار الربيع العربي وقبل انفجار سوريا بأكثر من عشر سنوات ، وسيتأكد لمن يقرأ ويتأمل ويفكر بهذه السطور ، أن صوت تيزيني الفكري ، لو سمعناه ، لكان جَنّب السوريين والعرب ، الغرق في الورطة المهلكة التي تحيق بهذه الأمة :
1 ـ ما أعلنه ابن خلدون من أن معظم منتجي الثقافة في الحضارة العربية الإسلامية تحدّروا من أمم أخرى غير "أمة العرب" ، فهذا أمر إنْ صحّ ـ وهو صحيح ـ فإنه لا يغير في الأمر شيئاً حاسماً . ص 21 .
2 ـ الإعتقاد بكون العرب أصبحوا مهيأين للخروج من التاريخ فقد ظهر ، في هذه الحال ، مع تعاظم التدخل الغربي الإستعماري فالإمبريالي ثم العولمي . وهذا لا يزال آخذاً مداه حتى الراهن ، وهو في حالة تدفق متصاعد مع سقوط بغداد و"المساومة" على دمشق وغيرها من العواصم العربية ص 24 .
3 ـ النبوءة الدقيقة التي أطلقها نجيب عازوري عام 1905 : ( إن ظاهرتين هامتين ، متشابهتيْ الطبيعة ، بيد أنهما متعارضتان ، تتضحان في هذه الآونة في تركيا الآسيوية ، أعني : يقظة الأمة العربية ، وجهود اليهود الخفي لإعادة تكوين مملكة إسرائيل القديمة على نطاق واسع . ومصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر إحداهما على الأخرى . وبالنتيجة النهائية لهذا الصراع بين هذين الشعبين ، اللذين يمثلان مبدأين متضاربين ، يتعلق مصير العالم بأجمعه ) ص 24 .
4 ـ واجهنا تكريساً أميركياً للوضع الدولي الجديد ، الذي لم يعد يسمح بالتشكيك في أهدافه الإستراتيجية العليا والمتحركة : العمل بكل الممكنات على إخماد كل حركة في العالم ، تحاول سلوك خط آخر لا يندرج في تلك الإستراتيجية . ص 33 ـ 34 .
5 ـ إن الإستراتيجية العولمية ، تخصيصاً في توجهها المؤمرك ، تتطلع إلى الهيمنة على العالم وإلى وضعه تحت قبضتها العسكرية والإقتصادية العسكرية .... مَنْ ليس معنا ، فهو ضدنا بوصفه إرهابياً ... بحيث يُقاد هذا العالم باتجاه اللهاث وراء إرضاء الولايات المتحدة . ص 40 ـ 41 .
6 ـ مع اتضاح الوليد العولمي الجديد ـ في بداية العقد الأخير من القرن العشرين ـ دخلت مرحلة عظمى من القلق والنوسان ومحاولات التغييب والتهميش والتشكيك الجذري ، ومعها محاولات إخراج العرب من تاريخهم الخاص وإدخالهم في التاريخ العمومي كلقطاء . ص 46 .
7 ـ الأصولية ظاهرة سياسية وإيديولوجية راهنة تقدم نفسها من حيث هي البديل عن كل البدائل العربية والإسلامية ص59 . وإذا كانت الأصولية قد نشأت قبل نشأة العولمة ، إلا أن علاقة ما أخذت تُنْسج بينهما ص 55. إن التكفير أو إعلان الحرب هما النتيجة "الشرعية" و"الدولية" للخارجين والعصاة ص 58 .
8 ـ إن النظام العولمي الأميركي هو الذي أسهم ويسهم ـ مع نظم عربية وإسلامية ـ في تمويل الأصوليين وتسليحهم وتعميمهم ، بحيث يتسنّى له التدخل في أي بلد عربي وإسلامي بزعم مكافحتهم . وبهذا ، تبرز الأصولية المذكورة بمثابة جيب وظيفي من جيوبه يوظفه وفق واقع الحال هنا أو هناك أو هنالك ص 60 .
9 ـ إن تحليلاً أولياً للعولمة ولما بعد الصهيونية يمكن أن يضع يدنا على أنهما ربما تمثلان أخطر ظاهرتين في التاريخ العالمي على مصائر العالم العربي ... إنهما تسعيان ، بكل وسائل العنف والقسر والإرهاب ، إلى تحقيق أهدافهما المشتركة الآخذة شيئاً فشيئاً بالتماهي فيما بينهما ص 69 .
10 ـ إقراراً بمسؤولية الجميع في إطلاق حوار ديمقراطي عقلاني ، نرى أن هذا قد يؤسس لـ " مؤتمر وطني " ربما يكون الأول من طرازه في تاريخ سوريا .. يكون أحد المداخل العظمى للمشروع العربي في النهضة والتنوير والخلاص ص 79 .
11 ـ في هذه الحال ( يشير تيزيني هنا إلى علاقة الأيديولوجيا بالدين والقومية ) ،يكفّ النظر إلى الديني على أنه رجعي ، إلا إذا تخلّى عن نِسْبيته وأصرّ على إطلاقيته . كما يكفّ النظر إلى القومي على أنه شوفيني مغلق ، إلا إذا أصرّ على أنه يجسد " خير الأقوام والشعوب " ص 82 .
12 ـ العنصر ... الذي يندرج في نطاق التنوير ...هو الدفاع عن العقل والعقلانية وعن الحرية ، حرية الناس في أن يفكروا ويضعوا خياراتهم ويختلفوا فيما بينهم في حدود تحافظ على وحدة المجتمع الوطنية ص 105 .
13 ـ النفط السياسي أولاً ... والدولة الأمنية ثانياً ... والتكنولوجيا الغربية المتقدمة ثالثاً ...أدى إلى بروز فئات من المثقفين العرب راحت تلهث وراء كفايتها المادية المنهوبة وكرامتها المستباحة ... وهنا ، تولّد شرخ آخذ في التعمق ضمن بنية الثقافة والمثقين العرب ... وتحت قبضة هذه المؤثرات الثلاثة الكبرى ، تراجع التنوير وتصاعدت الظلامية ص 105 ـ 106 .
14 ـ إذا تابعنا ما يسعى المشروع الصهيوني الإسرائيلي إلى تحقيقه من إعادة تفكيك للوطن العربي وفق مصالحه المتآخية أو ربما المتماهية مع مصالح النظام العولمي الأمبريالي ، ندرك أن حافزاً مهماً يتبلور في الوطن العربي ، يتحدد بكون هذا النظام قائماً على تحويل الجميع ـ إلا طُغَماً ـ إلى ضحايا : لن يكون هنالك رابح وخاسر في الوطن ... وإنما يكون الجميع ضحايا ص 132 ـ 133 .
15 ـ الحديث على التغيير الديمقراطي .. هو أمر محاصرٌمن الداخل كما من الخارج .. إن التغيير المذكور في المجتمعات العربية يمثل وضعية تجد ـ في بلدان عربية معينة ـ من الصعوبات الموضوعية ذات الطابع البنيوي ، ما يجعله مشروطاً بسقوط النظام السياسي ذاته الذي يهيمن في البلد العربي المعْني ص 136 .
16 ـ هكذا ، تبرز الرغبة العولمية الوطيدة لإعادة بناء العالم كله عبر إعادة بناء هويته الوطنية والقومية أولاً ، وعبر استبدال الصراعات المثمرة تاريخياً وبالتالي المفتوحة تاريخياً ( كالصراع السياسي والقومي والوطني والطبقي ) بصراعات عقيمة تاريخياً ومن ثم مغلقة تاريخياً ، من نمط الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية والإقليمية . ها هنا ، يجد العرب أنفسهم ، مرة أخرى ، أمام حالة قد لايرون واحدة أخرى إن لم يعرفوا كيف يواجهونها ص 177 .
17 ـ إن مصير العرب برمته يواجه ، الآن ، تحدياً لامثيل له في تاريخ التحديات التي واجهوها ص 178 .
انتهى اختياري لهذه المقتطفات الكاشفة بوضوح عن حجم المأساة والتهديد الجدّي لوجود الأمّة ذاتها ، وإخراجها من التاريخ إلى الأبد . إن د . طيب تيزيني ، كمفكر وفيلسوف أصيل ، تنبأ بما حدث في العالم العربي قبل حدوثه بعشر سنوات وأكثر . جَنحتْ السفن السياسية العربية في بحر الظلمات ، وهي تغرق في المياه الآسنة الملوثة بالجهل والعمى والفتن والكذب والغرائز والعنف والإرهاب واللصوصية والعهر . تغرق السفن ، والسفينة السورية على وجه الخصوص ، لأن ضوضاء وضجيج الفساد حجب عن آذاننا القدرة على سماع صوت طيب تيزيني الصادق والموضوعي . أين أنت أيها الرجل الحكيم ؟؟9


د. نزار العاني

يا طالع الشجرة
Hanan Katrib

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى