محمد زفزاف - محاولة عيش

وقف يراقبهم من بعيد، يتأمل حركاتهم كيف يتدافعون بالأذرع . بعض الأذرع تتدافع والبعض الآخر يتأبّط حزمة من الصحف التي أعرض عنها القراء. سقطت بعض الصحف حول الخمرة المراقة مثل دم متخثّر. لكتها لم تلطّخ. جمعها صاحبها وتزاحم مع الاثنين الآخرين حول ثقب الأنبوب الذي يصب في الباخرة. كانت الباخرة فرنسية، استطاع حميد أن يقرأ اسمها: «أيفون 5». إنه يعرفها جيّدًا، لأنها تمّر كل خمسة أو ستة أشهر لتنقل الخمور المغربية المعتّقة إلى مكان ما في العالم. عندما ترسو «أيفون 5» فإن حميد يتغيّر نهائياً تتلبّسه حالات من الفرح العارم، وعندما ترحل عنه تلك الحالات، يعود إلى بؤسه الحقيقي. لم يكن يعرف للرجل اسماً، إلا أنه سينغالي أسود، الوحيد الذي لا يشرب في الباخرة ولا يأكل لحم الخنزير. البحّار الوحيد الذي يصلّي. كان البحّارة الآخرون يتندّرون به ويضحكون منه. لكن حميد كان يحبه. وبالرغم من سواده فهو مسلم حقيقي. أحسن من بعض المسلمين البيض الأثرياء الذين يعرفهم في المدينة. إنهم قساة. لا يشترون جرائده. فقط يشتمونه عندما يدخل المقهى أو يعرض عليهم صحفه. كان رفاقه الثلاثة ما يزالون يتزاحمون حول أنبوب الخمر الذي يصبّ في الباخرة. يعرضون أفواههم للثقب الصغير الذي يسيل منه ذلك السائل الأحمر، الشديد المرارة. لقد سبق لحميد أن ذاقه لكنه لم يستسغه، فهو مرّ، شديد المرارة. أخذ أحد رفاقه الثلاثة يترنّح ، فتح فمه مرّة أخرى في الثقب. ثم أخذ يسعل ويتفل. ثم بدأ شجار بين الثلاثة. لم يعرف حميد سبب ذلك، قرّر أيضا ألاّ يعرف. ابتعد عنهم بخطوات متثاقلة. ومشى نحو سلّم الباخرة الذي يمدّ قائمتيه فوق الرصيف، صعد الدرجات الأولى فسمع صوتاً من فوق يأمره أن ينزل. كان صوت حارس الباخرة. إنه أحد الحرس الشرسين .
- أنت هناك. انزل. إلى أين أنت صاعد؟
- سأبيع لهم الصحف .
- إنهم لا يقرأون. انزل.
- أريد أن أرى السينغالي .
- السينغالي خرج. اذهب وفتّش عنه في المدينة .
ألقى حارس الباخرة بقايا سندويش في وجه حميد، وجرع دفعة واحدة علبة بيرة، ثم طوّح بها تجاهه لكنها لم تصبه، تراجع حميد.
ليس هناك أيّة إمكانية مع ذلك الوغد، مشى نحو رفاقه الثلاثة، كانوا قد انتهوا من الشجار. جلسوا فوق أنبوب الخمر، وأخذوا يتبادلون
سيجارة واحدة .
قال أحد الصّبية:
....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى