علي السباعي - صيد حديث..

هربت الشمس بعيدًا، خلف شباك من الغيوم الرمادية، انتشرت فوق نخلات فارغات في نهر صغير. خدش السكون رجلٌ يسير على الضفة، عَلَّق دشداشته بحزام عسكري، بانت ساقاه السوداوان هزيلتين. كان ممسكًا بيده صليبًا خشبيًا طويلًا ذا نهاية حديدية كأنها سيف أسطوري، يتدلى منها سلك طويل يتصل بأحد أعمدة الكهرباء خلفه. حررت الشمس نفسها من شباك الغيوم الرمادية، وراحت بضوئها المتوهج تتذوق عذوق الرطب الشهي.

غطس صليبه الخشبي قرب أعشاب طافية، ارتفعت قعقعة الكهرباء مع الماء، زأر التيار الكهربائي بعنف، مياه النهر فارت بسورات كيدية كالدخان، شعت في عينيه التماعات فضية عكرت صفحة الماء، وطفت الأسماك تتلوى من أثر الصعقة الكهربائية، عيونها جاحظة، ترتجف بعنف كأنها امرأة في المخاض، تدفق ضوء وحشي أحمر كالدم فوق أشجار النخيل، غطست الدنيا في بركة الدم، عيون المحارب الأسطوري بُهرت بمشاهدتها طفو الأسماك كمن يراقب موكبًا ملكيًا.

علي السباعي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى