أكثيري بوجمعة - أطفال على العتبات

...لسنا ممن يفضلون الغياب، وليس ضمن فلسفتنا إدمانه، فالاختيار بين الحياة والموت لا يتجسد غالبا في ما هو بيولوجي بل يتعداه إلى موقف من الحياة ومن المحيط الذي نسكنه. وبما أننا من مناهضي الفكر الغيابي وإدمانه، نعود اليوم إلى تأسيس خط ساخن من داخل جدران مجتمع مدني يفضل الطقوسية، والعيش بعيدا عن الأضواء فيما يخص المسار الانساني الذي هو جزء منه، حتى يؤكد أنه "داخل جواه" و"معقول" و"دريوش" ومصطلحات ما قبل الكلاسيكية حتى يبرهن أنه حي يرزق. موضوعنا ظاهرة "صحاب الروايض- Roller" التي أصبحت تقض مضاجح ساكنة مدينة أولاد تايمة بما يصحبها من ضجيج، وخطر محدق على المارة؛ خاصة فئة الأطفال الصغار، والحوامل والشيوخ الكبار خصوصا بالشوارع التي بها اسفلت. ما أثارنا للحديث عن هذه الظاهرة، هو حضوري لحادثة خطيرة بأحد أحياء المدينة، تعرض فيها أحد الأطفال إلى اصابة خطيرة، بعد اصطدامه بدراجة نارية "C90". الأمر الذي يدعونا إلى السؤال من السبب وراء استفحال هذه الظاهرة؟ ومن المسؤول عن قتل أبنائنا بشوارعنا الكئيبة؟ هل التربية الأسرية والمدرسية؟ أم أن الأمر يعود لتجار هذه الألعاب "تجار الموت بجهلهم" في مدينتنا؟ أم أنه نتاج تغييب فضاءات الترفيه "skate park" في استراتيجيات المسؤولين عن الشأن المحلي؟
كلها عوامل أفضت إلى اعطائنا كائن انتحاري بكل المعايير في شوارعنا؛ كائن ينتظر الموت أو الاعاقة في اي ثانية بشوارعنا بدون وجود توجيه أسري أو مدرسي أومدني أوفضاء خاص يحفظ حياة هذه الناشئة من الموت المحقق. خصواصا وأنها لا ترتدي أثناء لعبها المتهور هذا أي وسيلة لحماية نفسها وهي على عجلات الموت.
لذلك من حق أباء وآولياء الأطفال أن يطالبوا بإنشاء فضاءات للعب أطفالهم إن حضرتهم الجرأة؛ لكن ليس من حقهم باسم المسؤولية، باسم الانسانية، وحفظ النفس وحفظ الأمن تركهم هكذا في الشوارع؛ لأن من شأن هذه الظاهرة أن تتطور ليصبح ممارسوها قطاع طرق و"نشالين" و"متحرشين"؛ لذلك ندعوا:
- التجار إلى الكف عن بيع مثل هذه المستلزمات؛ ببساطة لأنها تقتل أولا، وثانيا/ لأن أبناءنا آمانة في أعناقهم إلى يوم الدين.
- ندعوا الآباء إلى مجالسة أبنائهم وتحذيرهم من مخاطر اللعبة، فالقليل من التواصل، والقليل من الاهتمام كافي لانقاذ هذا الابن المفعم بالحيوية، وانقاذ مستقبله من الضياع.
- ندعوا الجهات المختصة إلى خلق فضاء وبشكل مستعجل لتأطير هذه اللعبة الخطيرة في مجال محدد، بدل الشوارع.
اليوم نعيش مجتمعيا ظاهرة خطيرة، هي نتاج تراكم مخطط له مسبقا؛ بحث أن المؤسسات المجتمعية، بما فيها مؤسسة الأسرة أخلت مسؤوليتها عن قضايا التربية، وأولتها لجهات أخرى. في حين أن هذه الجهات الأخرى، هي الأخرى تتنصل وترمي الكرة إلى الأسرة وإلى الشارع؛ هذا الاخير -أي الشارع - الذي فقد كل مصداقيته التوعوية والتربوية والأخلاقية، بعدما كان قديما يُربي في الطفل المسؤولية والنضج والاحترام حتى وإن كان بصيغة تقليدية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى