كرة القدم أمجد العايدي - وداعًا عزيزي المونديال!..

اهتمامي يكاد يكون معدومًا بالنسبة للكرة المصرية، بالدوري الخاصّ بنا، وبما أننا لا نملك جهازًا خاصًَا بالقناة الناقلة للدوريات العالمية بشكل حصريّ، فأنا لست متابعًا سوى لمباريات المنتخب المصري.. تابعت بحرارة في كأس الأمم الإفريقية السابقة وليس من البداية، لأنّي لم أكن مهتمًّا بشكلٍ كبير بالبطولة، لم أكن مهتمًّا سوى بحلم الصعود إلى المونديال. الصعود الذي تمنيته عندما كنت في الخامسة عشر من عمري عندما كنت حينها أتابع بشغفٍ لا مثيل له الكرة المصرية، ومباريات المنتخب شغف انتهى وخفتت أنواره بالحادثة الأصعب حتى الآن في مدرّجاتنا المصرية؛ حادثة بورسعيد.

تابعت المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر وكنت أشجّع بحرارة كبيرة متمنيًًا الصّعود للحدث الكروي الأهم عالميًّا، بعدما تابعت مصر بكأس العالم للقارّات عام 2009 وقد أدّينا مباراتين للتاريخ، لا أنساهما حتى الآن.

بدأ يعود الاهتمام رويدًا رويدًا بمتابعة مباريات تصفيات كأس العالم، والحلم المتجدّد للصعود للمونديال، عدت للمتابعة؛ بتألّق محمد صلاح مع فريقه ليفربول بالدوري الإنجليزي، وبعدما أصبح محطّ أنظار العالم أجمع، تحمّست للغاية -كما الكثيرين- أصبح صلاح أيقونة ومثالًا للنجاح، ينظر إليه الكثيرون نظرات إعجاب وتميز.

كنت كلّما سنحت الفرصة أتابع مباريات فريقه بشغف لأجله لا أكثر.

لعبنا المباراة الأخيرة في التصفيات المؤهّلة لكأس العالم، وفقدنا الأمل في الدقائق الأخيرة بهدف التعادل الذي أحرزته الكونغو، وأعاد الأمل وصعد بنا صلاح بالهدف الذي أحرزه من ركلة الجزاء في الدقيقة الأخيرة.

تحقّق حلم الكثيرين بصعودنا بعد غياب دام طويلًا لمدة ما يقارب الثلاثين عامًا، صعد بنا الفريق الذي لم نكن نرجوا منه الكثير، ولا نرى به الكثير. ومع مرور الوقت واقتراب كأس العالم، تبدأ المجلّات الثقافية تهتمّ بالمونديال هي أيضًا، ولا يقتصر الأمر على البرامج الرياضية وفقط، فقد كانت مجلّة الفيصل التي تصدر كلّ شهرين الملفّ الخاصّ بها لشهر مايو ويونيو عن كرة القدم.

قرأت بعض المقالات بالمجلة، زاد شغفي باللعبة بعدما عرفت أسرارًا أكثر لم أكن أدركها مسبقًا، ومع ازدياد الشغف ازداد السخط على الكرة المصرية، كنت أري المجادلات التي تحدث حول مباراة بالدوري المصري مجرّد عبث.. أيّ جدلٍ ترهقون به أنفسكم حول دوري كالدوري الخاصّ بنا؟!

مع مرور الأيام وعدم دخول المشجّعين الملاعب، لم أكن أرى أيّ هدف لمتابعة مبارة بدون جمهور أيّ مبارة ستتابعها بدون روح خلالها، الجمهور كان يعطي الروح الأكبر للمبارة.

ولا يوجد مبرّرات مقنعة -على الأقلّ بالنسبة لي- لعدم دخول الجمهور، كرة القدم أكبر اهتماماتنا، ولكن ما وجه استفادتنا منها؟ ماذا نحقّق بها من نجاحات؟ أرى اهتمامنا بكرة القدم المصرية وحتى اهتمام من بالدولة بها، أمرًا في غاية الغباء والجهل كأيّ أمر نستقدمه من الخارج ونصبغه بصبغتنا التي لا تقدر على تحديد ما هذا الذي تراه، لا تقدر على تحديد لِمَ كلّ هذا الاهتمام، لِمَ لا تكون أفرِقتنا كالأفرقة الأوروبية التي نتابع دورياتها بشغف وانبهار لا مثيل له.

جرّاء قراءتي لبعض المقالات بالملفّ الخاص بكرة القدم، أدركت أنّ بعض الدول مثل الأرجنتين لديها أدب كامل عن كرة القدم، بدأ على استحياء وازداد مع الوقت. وليست الأرجنتين الوحيدة.

خلال ذلك الوقت، صدرت الترجمة العربية لكتاب”أغرب حكايات المـونديال” وعندما علمت بوجود طبعة مصرية خاصة به، نويت شراءه ولكن لم أفعل. حينها أقامت المكتبة التي أصدرت نسخة مصرية من الكتاب”تنمية” حفل توقيع للكاتب الأرجنتيني بالقاهرة، وكان أمرًا رائعًا بحقّ.

يمرّ الوقت وتقترب اللحظة الحاسمة للحدث الأهمّ عالميًا، وبنهائيات دوري أبطال أوروبا يخرج صلاح من المباراة بإصابة من أحد لاعبي الفريق المنافس، بعدما تألّق نجمه أكثر وأكثر، وتابع الجميع مدى خطورة إصابته ومدى تأثيرها عليه وعلى مشاركته مع المنتخب في المونديال. وتمنى الجميع تماثُله للشفاء بشكل سريع حتى يلحق بركب الفريق، ولا يتخلّف عن مباريات منتخبه، ولو على الأقل يلعب من المبارة الثانية، وهذا ما حدث لاحقًا.

القنوات جميعها تتابع بشغف ما يحدث وتحضيرات روسيا لمباريات كأس العالم، والاستعدادات الخاصة بها ومدى جاهزيتها لاستيعاب الجمهور القادم من جميع أرجاء العالم لمتابعة كأس العالم، أو لمؤازرة منتخباتهم. كان الصعود للدور الثاني من المونديال أمنية من الأمنيات الكثيرة التي أتمناها، وتمنّاها الجميع، ولكنها كانت أمنية على استحياء!

كنت أتابع -أو لا تقل أتابع- كان تقع أمامي أخبار وتعليقات عن جميع مستغلّي صعودنا لكأس العالم وتحويل الأمر لسبوبة. لم أرَ أيّ جدّيّة في التحضير والتسويق لأنفسنا هناك بروسيا في المونديال العالميّ. والحدث الأبرز هو حدث رياضيّ كرويّ.. أجل، ولكنه ليس مقتصرًا على ذلك بامتياز، الجميع يحاول التسويق لمنتخب بلاده بشكل أفضل. لكن يوجد أشخاص يأبون تشريف البلاد، لا يريدون سوى مصلحتهم وفقط، يأبون ترك شيء ولو بسيط للشعب المصري يفرح به مع تكالب الخطوب عليه. يقفزون بجانبه حتى في المركب الواصل به للفرح، وحتى لا يتركونه بجوارهم يقومون بإلقائه بالبحر؛ كي يستحوذوا هم على كل شيء. حاول الجميع استغلال صعودنا لكأس العالم، والبداية كانت بالمسلسلات التي تمّ تصوير بعضها بروسيا بسبب وبدون سبب، والبرامج التي تمّ تصويرها بروسيا استغلالًا لصعود المنتخب.

الأمر لم يتوقّف على ذلك، الإعلانات التي كانت تتمّ وبشكلٍ فجّ ولا تليق بمنتخبٍ صعدَ لكأس العالم، ولا تليق بدولة تريد أن يشرّفها منتخبها بكأس العالم، حتى الرياضة الأشهر بها لا ناقة لنا بها ولا جمل، اهتمام بالغٌ بها، ولكن ما النتيجة والمحصّلة؟ لا شيء!

وبدأت البرامج تُبَثّ من روسيا، وعلى حساب المنتخب هناك، وظهر لاعبو المنتخب بشكل كبير في إعلانات هنا وهناك. كنت أتجاوز الأمر وكأنه أمر عاديّ، ولكنّ الموضوع تجاوز الأمور الطبيعية وأصبح أمرًا فجًّا.

مع اقتراب بداية المونديال، بدأ يزداد الحديث عن مجاملات داخل الفريق، وأمور أخرى لا تعجب الكثيرين. تجاوزتُ كلّ تلك الأمور بأمل كبير -لا أدري من أين أتيت به- بأنّ كلّ هذا لن يؤثر على المنتخب وبأننا سنؤدّي مباريات جيّدة ونصعد للدور الثاني في المونديال.

اقترب المونديال وتبقّت أيام على أوّل مباراة لنا. في ذلك الوقت، ينصبّ التركيز على التدريبات، كنت ترى وتشاهد برامج تبثّ من داخل المعسكر مع اللاعبين، إعلانات أخرى.. والأمر لا ينتهي، وكأنهم إن فوّتوا يومًا بدون سعيٍ للاستفادة من وراء المنتخب فسينتهي أمرهم.

مع كلّ هذا، كان هناك غياب تامّ من المسؤولين بالاتحاد لوقف تلك المهزلة التي تحدث! والشركة الراعية للمنتخب، كلّ يوم وكلّ وقت -بِداعٍ وبدون داعٍ- تجد صفحتها الرسمية على الفيسبوك تنقل بثًّا مباشرًا من تدريبات المنتخب وأحيانًا بعض اللقاءات.. الأمر غير مبشّر، ولكن لا نملك من أمرنا شيئًا سوى الأمل وفقط.

بدأ المونديال. ولعبنا مباراتنا الأولى أمام الأورجواي، التي لم نكن نأمل منها الكثير، واحد من الناس كنت لا أتمنى سوى عدم خروجنا بشكل مخزٍ من المبارة، وخصوصًا بعد الهزيمة الثقيلة التي تلقّتها السعودية بالمباراة الأولى أمام الدولة المستضيفة لكأس العالم، تمنّيت أن تمرّ المباراة بسلام، ولا يحدث معنا مثلهم. بدأت المبارة وحانت اللحظة التي لم أشهدها طوال حياتي، كانت لحظات حماسية ينتابها الكثير من الخوف والقلق. حدث مميّز بلا شكّ! تابعت سابقًا مباريات بكأس العالم، ولكن هذه المرة الأمر مختلف، أشجّع المنتخب القومي.. لحظات ترديد النشيد الوطني كانت حماسية للغاية.

تابعت المباراة بترقّب شديد، ومع مرور الوقت، بدا أداؤنا جيّدًا بالنسبة لي، وأهدرنا بعض فرص التسجيل، وهذا رفع جرعات الأمل لدى الجميع لسقف لا حد له، ظننا بأننا نقدر على الخروج من المباراة منتصرين، بعدما كنّا نتمنى عدم الهزيمة بنتيجة ثقيلة أو لو كان الحظّ بجانبنا نخرج متعادلين.

ولكن يأبى الحظّ أن يقف بجانبك للنهاية، وهُزمنا في الدقائق الأخيرة.

رغم الهزيمة لم تفتُر عزيمتنا وحماسنا الذي لم يكن له وجود مسبقًا، ولكنّ لاعبي المنتخب أوصلونا لمراتب عالية من الحماس والشجاعة والرغبة في الانتصار والمضيّ قُدُمًا بالمونديال. تمنّى الجميع أو لنقل ظنّ الجميع أنّ مباراة روسيا سهلة وأننا بالإمكان هزيمتها. وتجرعنا نشوة النصر قبل أن تبدأ المبارة، وبخاصة مع تأكد مشاركة محمد صلاح بالمبارة، كنا ننتظر المبارة عالمين مسبقًا بأننا سننتصر لم نكن ننتظرها لنري ماذا سنفعل؟

كان لدي أمل كبير للغاية بأننا سنهزم الروس!

ولكن دومًا تأتي الرياح بم لا تشتهي السفن، ولكن تلك المرة كان قدوم الرياح مبكرًا، منذ رأيت الوفد الذي سافر لروسيا تحت مسمي المؤازرة وتشجيع المنتخب، بدأ الأمل يتلاشى ودرجات السخط والغضب تزداد عليهم، ولكن كنت أحاول أن أكذّب نفسي وأحدّثها بأننا سننتصر.

وبدأت المبارة وأدّينا الشوط الأول منها بشكل جيّد وأضعنا فرصًا، كان من الممكن التقدّم من خلالها والسيطرة على المباراة، انتهى الشوط الأول وبكلّ أحد منّا حماس وأمل كبير بالنّصر بعد الأداء الجيّد الذي قدّمناه، زادت طموحاتنا عن المبارة السابقة.

بدأ الشوط الثاني، ودخل بنا هدف، وفي تلك اللحظة انهارت معنويات الفريق، لاأدري لماذا! هل فقدوا الأمل؟ أولئك اللاعبون الذين يتعلّق بهم أمل كبير ومن المفترض أن يقاتلوا بالمبارة حتى آخر لحظة بها، فقدوا الأمل وأداؤهم اختلف بشكل كبير عن الشوط الأول من المبارة.

بعد كلّ الأمور التي حدثت كانت النهاية الحتمية لنا هي الخروج من المونديال.

ارتكب الفريق أخطاءً كبيرة لا أملك الحديث عنها بشكل جيّد لأني لست مختصًّا بذلك، ولكن كمنظومة رياضية كاملة هناك كوارث لا أخطاء فقط. في ظلّ عدم توفّر المناخ المناسب والمهيّأ بشكل جيّد للاعبي المنتخب، وفي ظلّ عدم وجود كورة بالشّكل المتعارف عليه داخل دولتنا، وبأنديتنا فلا نرجو أكثر مما حدث حتى الآن معنا.

عندما يكون اهتمامنا بالكرة بشكل جيّد ليس مجرّد اهتمام فاشل كما كلّ الأمور، واهتمام لا محصلة ولا طائل منه سوى المصلحة المالية لا غير، حينها ننتظر الكثير من المنتخب.

عندما نملك اتحاد كرة يليق بنا أو اتحاد كرة يكون هدفه تحقيق مستويات متقدمة في البطولات التي نلعب بها، وتوفير كل الإمكانيات الممكنة للاعبي المنتخب، عندما لا يتدخل بعض الفنانين والإعلاميين من مدمني اللقطة الإعلامية ويدسّون أنفهم في كلّ ما يسعد الشعب ويرغبون بسرقته كما يسرقون كل شيء، حينها نستطيع انتظار الكثير من المنتخب، ومن الممكن أن نفرح.
بالطبع كان هناك أمل لصعودنا للدور الثاني قبل مباراة السعودية ولو كان ضئيلاً للغاية، أضأل من حبة أرزّ، ولكن سرعان ما تلاشي الأمل الوحيد لنا بهزيمة المنتخب السعودي أمام الأوراغوي اليوم، لم يكن أحد يتنظره بحماس كما حماس البدايات.. الجميع بالأمس خرجوا من القهاوي والمنازل مهزومين هزيمة نفسية قبل كل شيء، فاقدين الأمل بكل شيء وبأيّ شيء..

هنيئا لسارقي الفرح ما غنموه!

أمجد العايدي

في 20 يونيو 2018

وداعًا عزيزي المونديال وهنيئًا لسارقي الفرح ما غنموه! مقال أمجد العايدي- المحطة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى