علي قوادري - على مرمى غواية.. قصة قصيرة

تأمَّلْتَها صبيةً يافعةً،فاكهة تنزّلت من ملكوت الأساطير؛ أوحى لك خيالكَ المتجذر والمنحدر من مضارب وخيام القبيلة والبدو المنغلقين والمكبوتين..
صادقا فخورا أومأ لك زميلك أن تمد يدك المرتعشة لتقطف من بستان الطالبات ماتشاء..
-عليك بالعلامة فهي أقرب وسيلة للوصول إليهن..
تعلمْتَ بسرعة نجاعة السلاح الذي سيجعلهن يتهافتن عليك ولربما ملأن الهاتف بحثا عنك وقطعن المسافات يتسابقن من أجل ارضائك..
-ماالفرق بيننا وبين ذاك الشرطي؟ǃ
يُنَبِّهُكَ زميلك في لحظة لم تك تعي سرّ الغواية وسر تدافعهن عليهم.. يسَّاقطن رغبًا ورهبا كما تساقطت مدن الأندلس وقراها وبناتها الجميلات في أيدي القشتاليين..والسر دون شك هو تلك البدلة..
-نعم هي البذلة الزرقاء..
وأردف زميلك النحيف مضيفا وقد اعشوشبتْ صفحات خيالك وتلوَّن المحيط يُدقق في أمواج الطالبات..
-…أما نحن فبدلتنا الزرقاء هي العلامة..
رُحْتَ تراقبه وهو يضحك عاليا ..انتبه الجالسون في المكتبة في ضجر ..
جربْتَ معه اللعبة ؛ شاهدا ومتسمرا وهو يساوم إحداهن بلغة المحترف الواثق والتاجر المحنك..كان العرق يتصبب ومفاصل وجهك ترتعد وأنت تطبقُ الخطوات وتمارس السحر على ضحيتك..الحقيقة أن القابلية للموافقة مهدت لك السبل وذلَّلتْ المسالك الناتئة..اعتذرت في سرك ببسمة الثعلب الماكر للفيلسوف الذي تحبة مالك بن نبي على استعارتك لمفردته وأنت تحكي أول فتوحاتك لزميلك الذي اتفقت معه أن يترك لك الشقة الممنوحة له من الجامعة كي تمارس فيها رجولتك وتُفْرِغَ نهمك وجوعك البدوي والأزلي..
قبل الموعد ،مررْتَ على عدة أماكن ..أولها الحلاق ،ثرثرته اليوم أزعجتك على غير العادة، ثم الحمَّام واشتريت مشروبات وحلويات وعشاء جاهزا من أحسن مطعم وفاكهة من كل الأصناف..
قضيْتَ الفترة قبيل الموعد ترتِّبُ الشقة وتُحضِّرُ موسيقى كلاسيكية هادئة..بَقيتَ قلقا ومرتعبا من تأخرها..هاتفْتَ زميلك تخبره في غضب أن ال… لم تأت . زمجرت وتوعدت أنك ستُثأر لكرامتك وصرخ فيك أمل دنق لاتصالح لاتصالح..ما كدت تكمل حتى رنَّ الجرس..دخلتْ تترنح غيداء..أمِنْ
خدر العينين أم رجفة الجفنين أم من استدارة الشفتين القرمزيتين سكرتَ أيها الطاعن في الشهوات والباحث عن الغزوات..
؟ǃ..لم تستطع تذكر أين قرأت هذا..
نزعَتْ معطفها الأسود وراحتْ تذرع الشقة..تتأملها وتتأمل محتوياتها ..تتحرك فراشة وكلما دق كعب حذائها في البلاط ،زاد جنونك ركزا..واستفاق جوعك البدوي بل جوع كل القبيلة ؛يهدر يرعد في رحلة الأجداد ..رحلة الصيف والشتاء بحثا عن الكلأ والدفء..وكانت هي وديعة،متفتحة كوردة مشماش بساتين مدينتي..راحت ْعيونك الغجرية تتسلقُ كل التفاصيل ..تنحت النظر عميقا ..أفقتْ على صوتها وهي تدعوك للعشاء..وجدت كل شيء مهيئا..
-يا الله متى فعلت كل هذا ؟؟؟كيف وجدتهم؟
غيبوبَتَكَ انتهت بمجرد أن بدأتْ تُطْعِمُكَ وتحكي لك..تحكي بسرعة ..في لحظة ما..توقف بندول الزمن وانتصبت أمامك بقامتها المتوسطة وجسمها الممتلئ بأناقة..تاهت أصابعك مسافرة هنا وهناك في تضاريس الخلد والمجد والصبوات ثم سبحت بين أمواج الشعر الهادئ..اكتشفت ساعتئذ أنك لم تكن غير فنان يتأمل خلق الله..
تسارعت ْالدقات..مارسَتْ هي كل طقوس الأنثى من دلال وغنج وضحكات تؤوك أزّا..تَصلبْتَ قاب خطوة أو أقل على جفن تلك اللحظة المحمومة فكنتَ كالبرزخ حيث التقى جوعك ودموعك..صرخ داخلك صوت من داخل كتَّاب معلمك الراحل سي علي بن بغداد ..صوت الأطفال وهم يتلون القرآن..تحول شيخك إلى نزار قباني وهو يتلو قصيدة المجاهدة جميلة بوحيرد.تبدَّى لك أنك مجرد مسخ ونسخ لجندي فرنسي حقير
يأكل من ثديها ويعذبها ..ويغتصبها..
-يغتصبههههههها…ǃǃ
صدى الكلمة ارْعدَ قويا ومزلزلا..بدأت الآن ترى صورتها الحقيقية..طفلة في عمر الزهور.. مدرسة المستقبل..طالبة تحلم بالشهادة..أستاذ جامعي وقح يستغل العلامة..صرختَ حتى افزعتها..
-لا..لا توقف فففففف..ǃ
رميْتَ بعلبة عصير رامي فتكسرت المرآة..اكتشفت شكلك الحقيقي يادوريان غراي* رأيتَ الرعب يسكنها..تماسكتَ ورحتَ تعيد كل قطعة من ملابسها إلى جسدها العاري ..وهي مجرد دمية..ربطت ضفائرها..
اوصلْتَها بسيارتك في صمتٍ للحيِّ الجامعي وقبل أن تفترقا اعطيتها كل ما اشتريت من أكل وفاكهة..
-فلتتقاسميه وزميلاتك..لاتقلقي كل الأمور ستسير على خير..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*رواية مشهورة لأوسكار وايلد..يصف فيها شخصا باع نفسه للشيطان.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى