ناصر سالم الجاسم - الشخصية الأحسائية في السرد..

لم يعِ القاص أو الروائي الأحسائي الأول كيف تكون عليه الشخصية الإنسانية في نصه السردي، سواء كان نصاً قصيراً أو نصاً طويلاً، سواء كانت الرواية القصيرة أو الرواية الطويلة، رغم أنه لم يوجد في تلك الفترة من يستطيع أو من يحمل عبقرية الروائيين الكبار الذين عرفهم تاريخ الأدب بكتابة الرواية الطويلة. كان وعي القاص الأحسائي والروائي بمعنى الشخصية الإنسانية وعياً بسيطاً محدوداً، لا يتجاوز الوعي بالبطل كما هو عليه في كتب التعليم العام، أو في كتب قصص الأطفال أو قصص المغامرات، هذا الفهم المحدود لطبيعة ما هي عليه الشخصية أدى بالنتاجات الأولى أن تكون بسيطة في تناولها للإنسان الأحسائي، فلم تكن حركته في داخل المتن السردي حركة ذات بعد وجودي أو حركة ذات تأزم نسبي كبير أو فيها انغماس لما هي عليه الشخصية الإنسانية المعقدة أو المركبة بتناقضاتها وصراعها الداخلي، من حيث الخير والشر. وقد ظل هذا الفهم مسيطراً على الكاتب الأحسائي زمناً طويلاً. ولطبيعة النتاج الذي يصل إليه النتاج العالمي أو المطروح في سوقه المحلي؛ لم يستطع الفرد في الأحساء أن يتجاوز هذا النمط البسيط والعفوي، إذ ظل يدور في الفلك ذاته دون حدوث أي تطور نوعي يلمسه الناقد، ولكن مع بداية الثمانينات وتحديداً في أواخر التسعينات ظهرت في الأحساء الكتابات الروائية، سواء كانت قصة أو رواية، بتطور نوعي واضح، يستطيع أن يتلمسه الناقد في معنى الشخصية الإنسانية التي يفترض أن ترحل من فكر الكاتب ومخيلته إلى النصوص، وقد يلمس النقاد هذا الشي أو هذا التغير النوعي في كتابات عدد من الروائيين الجدد أو الروائيين الذين دخلوا ساحة السرد الكتابي، دخلوا وهم قد تدرعوا وتسلحوا بخلفية قارئية نظرية في الجامعات، بعضهم تخصص في الأدب وبعضهم تلقى علوماً في الدراسات العليا، وبعضهم تتلمذ عن طريق اطلاعه على نتاج الحاصلين على نوبل وعلى الأدباء العرب الذين كتبوا بالعربية مباشرة أو عن طريق وسيط، أو كتبوا بالعربية بعد أن كتبوا بلغاتهم التي تعلموها في الغرب كاللغة الفرنسية أو اللاتينية، مما أتاح التلاقح الحضاري أو الثقافي مع الكتاب الأوروبيين والأمريكيين بلغاتهم الأصلية، ومن ثم التعرف على نمط الشخصية الإنسانية تعرفاً كاملاً وواضحاً، آنذاك توافر لهم - أي الكتاب الأحسائيين المتخصصين في السرد - أن يكتبوا أو يقدموا الشخصية الإنسانية بصبغة عالمية، فترى في أعمالهم كل أنماط وأنواع الشخصيات الإنسانية، إما أن تكون أسماً بذاته معروفاً أو تكون بحسب ضمير من الضمائر السردية المعروفة تاء المتكلم أو ضمير الغائب أو الجماد أو الحيوان، فأصبح الوعي يكبر إلى حد تجاوز الشخصية نفسها، فأصبحت تجد شخصية البطل الرئيسة تتشابك مع الحدث واللغة مع باقي الشخصيات، وتجد الشخصية الأنموذج التي تقوم بفعل متكرر طوال زمن الرواية، أيضاً تجد الشخصيات الهامشية، وبما أن الأحساء مكان ثري وخصب ومعطاء فتجد الشخصيات التي يمكن أن تحتل قاع المجتمع كالشخصيات البسيطة الطيبة، وتجد شخصيات الحرفيين من بائع الرطب والنبات ومربي الحمام، وتجد الشخصيات العلمية التي تعلمت تعلماً حديثاً كالمدرس والمدير وغير ذلك مما هو موجود في حياة الناس ويرونه ويشاهدونه. الكاتب والكاتبة الأحسائية شديدو الالتقاط وشديدو الأخذ والدقة في رسم الشخصيات المتاحة لهم من معطيات بيئتهم الخصبة. ويبرز هنا في هذا المجال روائيان اثنان من الأحساء، وقد اخترت الرواية لأن الشخصية تبرز فيها بكثافة تفوق حضورها في القصة القصيرة، يبرز حسن الشيخ وفهد المصبح في عملين اثنين لهما: حسن الشيخ في رواية (الفوارس)، وفهد المصبح في رواية (الأوصياء). فكانت الروايتان كلتاهما غنيتين بشخصيات إنسانية تستطيع أن تأخذ سمة الخلود في ذاكرة المتلقي لتميزهما وطرافة بعضها. وفي القصة القصيرة يبرز ثلاثة من كتاب الأحساء في عرض أنماط من الشخصية الإنسانية المنوطة بصبغة إنسانية أحسائية، والقصاص الثلاثة يكادون يكونون أبناء جيل سردي واحد، وهم القاص طاهر الزارعي والقاص محمد البشير والقاص أحمد العليو. فالقصاص ثلاثتهم التقطوا شخصيات ذات سلوك إنساني محدد، لكن نجد محمد البشير ينحو منحى إنسانياً عالمياً، إذ أنه يركز على قضايا العرق واللون، ونجد هذا التركيز له في قصة عنوانها (سوداء كقمر) ونذكر بطلتها (نفلة). أما القاص طاهر الزارعي فقد انتهج نهجاً محدداً، وهو تقديم الشخصيات الأحسائية التي تختلف خلف مظهرها الاجتماعي أو خلف قيود المكان، من حيث تأثير العيب والسلطة الاجتماعية، وقدم الشخصيات التي تمارس انحرافها أو شذوذها الجنسي خفية أو خارج حدود المكان في المنفى الاختياري أو السياحي، وذلك في مجموعته (زبد وأقفال معلقة). أما القاص أحمد العليو فقد قدم الشخصية الإنسانية التي تحاكي إلى حد كبير الشخصية التي تعيش على أرض الواقع الأحسائي، الشخصية المسالمة النائية بنفسها عن حب النزاع أو العدوان أو الميل للإيذاء، والشخصية التي تعكس نسبة كبيرة من عدد الكادحين والمطحونين في المجتمع الأحسائي. وقدم الشخصيات التي تبحث عن الغنى والرفاهية، أي قدم الشخصيات الفقيرة، وقدم كذلك الشخصية الوسواسية القهرية التي لا تحب العنف ولا تتمنى أن تصل إليه وتخشى الاحتكاك بالآخرين والغرباء تحديداً، كما هو واقع سكان الأحساء. هذه الشخصيات المسالمة والحذرة لأحمد العليو تجدها مبثوثة بكثرة في مجموعاته القصصية.
وقدم هاني الحجي، قصصاً نوعية للمثقف الأحسائي أو أكثر تحديداً للشخصية الأحسائية المثقفة أو الشخصية الأحسائية المتدينة.
هذه عينة لكتاب من الأحساء، كتاب سرد اهتموا وأبدعوا وحرصوا في إبداعهم السردي على إظهار الشخصية الأحسائية بكل أطيافها وبكل غناها وتنوعها. ولا يعني الحديث في هذا الموضوع أنه نهائي، فهو بداية لحديث أكبر وشامل لمن اهتم بالنمط الأحسائي في كتاباته.

* ناصر الجاسم


الشخصية الأحسائية في السرد ~ القاص والروائي السعودي ناصر الجاسم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى