حسن ازريزي - شاعرُ الأطلس ينحتُ نهرًا من لغةِ الحرير

صدر للشاعر الدكتور مصطفى الشليح، شاعر الأطلس ديوانان جديدان الأول بعنوان "كأن النهر امرأة...لاتنام" والتاني تحت عنوان "في ألف رباعية...ورباعية". في هاتين التجربتين المختلفتين يستثمرالدكتورالشليح التراكم الإبداعي الذي طبع مساره الشعري: نضج إبداعي راقي، عمق فكري وتنظير فلسفي يضعه في مصاف الشعراء العظام. لقد نجح في خلخلة اللغة وتطويعها، أبدع الاستعارة والرمز وسخر التاريخ والأسطورة ليمر عبر الشعر وفن القول إلى عمق الإنسان والكون والوجود والحب ...والمرأة.
في "كأن النهر امرأة...لا تنام" يكتب شاعرالأطلس لغة الحرير. ينبني الديوان على ثلاثية هرمية: النهر، المرأة، واللانوم. وهذا البناء الثلاثي هو الذي يشكل الوحدة العضوية والتركيبة الجمالية لمجموعة كثيرة من قصائد الديوان. النهر هو الحياة، والخصوبة، والعطاء والخلود وهو كذلك كناية للتدفق اللغوي الشعري اللامنتهي وهو نهر الشعر الأزلي الذي لاينضب وهو النص الذي يحاور انسياب النصوص التي سبقته. المرأة هي كذلك الخصوبة والحياة والحب والعشق. نساء كثيرات يخترقن النص: حواء، ليلى، ولادة، بلقيس، إمرأة العزيز والقائمة تطول بالإضافة إلى المرأة التي أنقذت النساء بالبوخ حتى الصباح. إنها شهرزاد المرأة واللانوم. شهرزاد لا تنام والنهر لاينام والكلام لا ينام. هكذا تختزل ثلاثية المرأة والنهر واللانوم صورة العطاء الخالد اللامنتهي. النهر يتدفق والزمن لا يتوقف والنظم الشعري عند الشاعر الشليح ينطلق ولاينتهي فهو يكسو "العبارة بالنبع" ويتدفق.
في ديوان "في ألف رباعية ...ورباعية" روع الدكتور الشليح، الشاعر الفيلسوف، بروعة رعاة النظم وبلغ فيها رحلة السمو والتسامي وهي لحظة من التجريد الفلسفي والفكري والإبداعي لا يصلها إلا من خبر دروب النبش والحفر والإرتقاء باليومي المعاش إلى رؤية تختزل عمق التجارب الإنسانية والوجودية والكونية.
"في ألف رباعية...ورباعية" سلطة إبداعية تنضاف إلى حلقة الشعر الفلسفي الذي قدمه أمراء وفلاسفة الشعر الذين خبروا عمق الكون وشساعة الوجود وصدق الأداء: أبو العلاء المعري، وعمر الخيام وت.س إليوت. لا يمكن قراءة رباعيات شاعر الأطلس الشليح إلا في علاقتها مع عمق وأصالة تأملات هؤلاء الشعراء الفلاسفة. "في ألف رباعية...ورباعية" استرسال لانهائي كالتاريخ، كالكون و كالرقراق. مرجعيات نظرية وجمالية متنوعة تخترق "الرباعيات": تأمل في الوجود، أصالة فكر وصدق في الشعور.
في هذه "الرباعيات"، يقف الشاعر شامخا كالأطلس والأطلس نقطة التقاء الإتجاهات الأربع، أي الكون كله وبين دفات هذه الرباعيات يحاول الشاعر الفيلسوف القبض على اللحظة الشعرية والفلسفية والإنسانية والكونية. "في ألف رباعية ...ورباعية" تأمل في جوهر الإنسان وتقلبات أحواله وعلاقته مع الكون وعالمية المبدع من عالمية البعد الكوني الإنساني الذي يشغله ويشتغل عليه. هكذا كان هوميروس وشكسبير وإليوت والمعري والخيام وكذلك شاعر الأطلس الشليح.

د. حسن ازريزي


Facebook – log in or sign up
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى