إبراهيم منصور - لماذا أحب الفلاحون عبد الناصر؟

لماذا أحب الفلاحون عبد الناصر؟
سنحاول تقديم إجابة مختصرة عن هذا السؤال.
كتب الأب هنري حبيب عيروط في مؤلفه الشهير "الفلاحون" يصف حال السياسة المصرية تجاه الأرض والفلاح، قال:
" بعد ثلاثين سنة من ممارسة التشريع (1947) كانت الهيئة النيابية في بلد زراعي تعاقبت فيه على الحكم أثناء هذه المدة عدة أحزاب لم يحاول أي حزب منها أية محاولة للإصلاح الزراعي، ولم تضع هذه الأحزاب قانونا واحدا يهدف لخيرالفلاح. أو تحاول الحد من تضخم الملكيات الكبيرة، ولا حماية الثروات الصغيرة من التفتت، ولم تفكر في وضع نظام يحدد الإيجارات الزراعية، أو يضع حدا أدنى لأجور العمال الزراعيين، أو يفرض على كبار الملاك تقديم الخدمات الاجتماعية للعمال. وباختصار لم تحاول أن تنفذ أو تصدر قانونا واحدا من عديد المشروعات النائمة في الملفات المكدسة في الدواليب والمكاتب وفوق الرفوف"
وكما أدان هنري عيروط (وهو مصري طبعا) الهيئة التشريعية والأحزاب السياسية قبل 1952 . ادان كذلك نظرة الأفراد وسلوكهم - من الشرطة أو الملاك أو المهنيين.. إلخ - للفلاح واحتقارهم إياه وسرقة جهده وعرقه.
يقول: " حدثني أحد أصدقائي من كبار الملاك، وهو مع ذلك رجل ذو صفات طيبة، قال" إن الفلاحين يجب سوقهم بالسياط"
ونقل المؤلف أيضا حوارا بين طبيبين يعملان في الريف قبل عام 1952. فيقول أحدهما لصاحبه " هؤلاء الفلاحون الكلاب!! لو علمت، من السهل أن تحصل منهم على إيراد شهري لا يقل عن مائة جنيه"
ويدين عيروط السياسة الصحية، ولكنه في النهاية يتوصل إلى أن الفلاح والفلاح وحده كان هو من يدفع الثمن.
ثم حكى عيروط هذه الحكاية :
" كان أحد أطباء الريف يعهد بالمستشفى إلى الممرض (التمارجي) ويقيم هو بالمدينة ولا يذهب إلى مقر عمله إلا مرتين في الأسبوع وقد حدث أن أصيب عامل فقير بناحية النخيلة[1] أثناء إدارته لمضخة ري كان معينا لإدارتها، وكان جرحه خطيرا، فحمله أقاربه إلى أقرب مكان وذهبوا لاستدعاء الطبيب، فرفض الطبيب الذهاب معهم، إلا بعد قبض مبلغ خمسة جنيهات، ولم يستطع أهل المريض أن يجمعوا أكثر من نصف هذا المبلغ، لشدة فقرهم، فرفض الطبيب الذهاب ومات المريض"
لم يكن هذا المؤلف، هنري عيروط، وحده من صور هذا الظلم المبين، بل وجدنا عبد الرحمن الشرقاوي في روايته "الأرض" يصور محمود بيه وهو يتعالى على الفلاحين ويسرق نقودهم، وحينما يرغب في شق طريق زراعية موصلة إلى سرايته، تقتطع من أراضيهم بمساحاتها الضئيلة، أمدته السلطة بالهجانة لضرب الفلاحين الذين اعترضوا على مصادرة أراضيهم.
وأخيرا فقد لخص الأب عيروط حال الفلاح وعذابه المقيم فقال: "وقد عثر على خطاب يرجع عهده إلى ثلاثة قرون قبل المسيح ، وهذا الخطاب الخاص، وردت فيه العبارة الآتية وهي:
" لا تعاملني كما يعامل الفلاح المصري"
الأمر كان سياسة متبعة، وسنة سار عليها الرومان والمماليك والعثمانيون، وحتى محمد علي ومن بعده أبناؤه.
حتى جاء سعد زغلول، وكان أول فلاح يحكم مصر بعد ألفي سنة من الحكم الأجنبي أو المتمصر.
لكن سعد زغلول، وهو الفلاح، قد انشغل بقضية الاستقلال والتفاوض مع الإنجليز، وكان الفلاحون أنفسهم أكثر وعيا منه. فاستغلوا فرصة القبض عليه وقطعوا السكك الحديد وأعلنوا زفتى جمهورية مستقلة، واستغلوا وجود طبيب اشتراكي النزعة، من أبناء الفلاحين، تعلم في انجلترا، فاختاروه ليقود التفاوض مع المستعمر. هذا ما حدث في زفتى وحدها، في ثورة مارس 1919. أما سائر القطر المصري فكانت فيه الثورة مشتعلة يشارك فيها العمال والفلاحون مع طبقة الأفندية.
فلما جاء عبد الناصر كانت الأرض مهيأة تماما والأفكار جاهزة تماما. فحدث اللقاء بين الفكرة والشخص. قام عبد الناصر في مدة لم تجاوز شهورا قليلة بعمل التشريعات اللازمة لنصرة الفلاح، وهو ما سمي "الإصلاح الزراعي" . وهو عمل تشريعي ثوري متعدد الطبقات. كل ما فيه كان معروفا متداولا، حتى أنك لو قرأت مقالات الدكتور محمد مندور أو كتاب "الفلاحين" الذي نعرض له هنا، بل حتى مضابط مجلس النواب، لوجدت كل شيء - فيما يخص نصرة الفلاح ورفع الظلم- عنه جاهزا محددا واضحا تماما. فقام عبد الناصر بالتنفيذ، مثله مثل الفلاحين في ثورة 19 كان منطقهم (الانجليز معتدون وهذا بلدنا فلنطردهم منه) فكان منطق عبد الناصر أيضا: هؤلاء الفلاحون ظلموا ونحن جئنا لنصرتهم،فلنفعل.
هل أجبت عن السؤال: لماذا أحب الفلاحون عبد الناصر؟

الهوامش
1- النخيلة هي قرية الشاعر محمود حسن إسماعيل، وهو اول شاعر مصري وعربي يصور عذاب الفلاح ، فكان أول دواوينه الشعرية بعنوان " أغاني الكوخ" لكنه خضع لمتطلبات الرومنتيكية، فكتب بلغة غير واقعية عن موصوع واقعي. لذلك سنرى محمد مندور وغيره من النقاد الواقعيين يسلقونه بألسنة حداد. وإن كانوا بدأوا الهجوم من نقطة أخرى وهي مدحه الملك فاروق عام 1946.
( ودائما .. حديث كناشة الفلاحين ذو شجون)
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى