خالد النافعي - جائزة الشباب للكتاب المغربي أو المهزلة الكبرى!

أين هم الشباب؟

بعد مهزلة جائزة "البوكر" التي سربت خبر فوز رواية "بريد الليل" قبل الإعلان عن النتيجة النهائية بشكل قانوني صريح أمام أضواء الإعلام، تأتي اليوم مهزلة أخرى لكن هذه المرة في الشعر، وبطينة مختلفة ومغايرة عن سابقتها (البوكر)، ما يدفعنا إلى الاستفسار عن دور الناقد في تكريس هذه المهازل الأدبية التي انتشرت كالسرطان في جسد الأدب العربي.

إننا هنا بصدد الحديث عن جائزة الشباب للكتاب المغربي، التي أفرجت مؤخرا عن أسماء الدواوين المرشحة للفوز بالجائزة، إلى هنا يبدو الأمر عادي جدا، ولكن تبدأ الكارثة المعتمة، حينما نبحث في شبكة "Google" عن الأسماء المرشحة لتلك الجائزة والتي بدأت ابداعها منذ أواخر الستينيات، فالراجح والمعقول أن الجائزة تسلم للشعراء الشباب وإلا لما سميت بـ (جائزة الشباب للكتاب المغربي في صنف الشعر). ونحن نستغرب ونتساءل هنا، أين هم الشعراء الشباب الذين سميت الجائزة باسمهم؟

تكريس قاعدة الهيمنة

إننا حينما نبحث عن تلك الأسماء التي تم اختيارها وبعناية (على ما نظن!)، يتبين للقارئ الجيد للشعر المغربي، أن العاطفة غلبت على المنطق الذي ينبغي أن يلائم اسم الجائزة (جائزة الشباب)، والحقيقة أن تلك الأسماء المرشحة تعد من أبرز الشعراء الذين يمثلون الشعر المغربي الحديث والمعاصر، وهم:

- وفاء العمراني
- إدريس الملياني
- أحمد بنميمون
- محمد الميموني
- محمد الأشعري
- جمال الموساوي
- محمد بودويك
- فريدة العاطفي
- محمد بوجبيري
- عبد الكريم الطبال

إن أغلب هؤلاء الشعراء، التمعت أسماؤهم وظهر صيتهم بين الستينات والسبعينيات، أي أنهم من رواد الحداثة الشعرية المغربية، فكيف يعقل أن تسلم هذه الجائزة لشعراء حصدوا الجوائز وسالت في كتاباتهم العشرات من الأقلام النقدية، في حين تم تغييب الإبداع الشعري الشبابي، وهذا ما يؤكد جزما أننا أمام أشخاص يساهمون في تكريس الهيمنة الشعرية، ونحن لا نلوم السادة الأساتذة الذين أوكلت لهم مهمة انتخاب دواوين هؤلاء الشعراء، وإنما نوجه أصابع اللوم للجهة المشرفة على الجائزة... وأمام هذه الهيمنة، لا نعلم هل هذه الجائزة فعلا جائزة الشباب أم هي جائزة الشيوخ!!

شيوخ الشعر

عفوا على هذه التسمية التي قد تكون قاسية، نعم عفوا، لأننا لا نقصد بها عمر الشاعر(ة)، ولا نلتفت بها إلى خصلاته (ها) البيضاء، ولا لظهره (ها) المتقوس، وإنما نقصد بها تجربته (ها) الطويلة. وريادته (ها) في المشهد الشعري المغربي، و تجربته (ها) في الكتابة الشعرية الغزيرة، وما راكمه (ته) من دواوين شعرية.

فأقلهم اصدارا صدرت له ثلاثة دواوين على الأقل، وبالتالي هؤلاء فعلا وآخرون هم شيوخ الشعر الذين لعبوا دورا [وبشهادة] في ترسيخ الثقافة الشعرية في هذا القطر، ولكن نتعجب مع ذلك من قبولهم بالمشاركة في هذه المهازل التي أصبحت تطفو على سطح المشهد الأدبي العربي.

محو الشعر وآفاقه عند الشباب

حينما نقرأ مجمل المقالات النقدية والكتب النقدية، فإننا نجدها تطبل وتصفق لأدباء عاشوا زمانهم في المدح، ولا زالوا يعيشونه، فالشاعر مثله مثل الكاتب أو أي أديب أخر يأكل حقه من كعكة التنظير لأعماله ويأكل بنهم من كعكة التنظير لأدب الشباب، إن لم نقل أنه لا يترك للشباب إلا الفُتات، أو ربما نحن على خطأ لأن كعكة تنظير الشباب لم تدخل إلى فرن النقد بعد، وعلى كل حال، نحن لا نلوم الكاتب أو الشاعر وإنما نلوم الناقد العربي، الذي يظل غارقا في سباته ولا يستيقظ إلا بعد أن يضع أحد أصدقائه القدامى/العزيز، كتابا (شعرا أو نترا)، متجاهلا بذلك ابداع الشباب المنتشر في المكتبات و في الصحف وفي الدوريات، وهذا ما يساهم في محو الشعر وآفاقه عند الشباب. فالناقد العربي لا يكلف نفسه عناء قراءة هذا الإبداع الغزير للشباب والإنصات إليه، ومحاولة فهم رؤاه الشعرية و فهم نصه المنفتح على آفاق التجديد والمغايرة، وربما - وهذا ما يبدو- لم يعد الناقد العربي يقرأ الكتاب، بل أصبح يكتب مجاملات فقط عن صديقه "النجم" الذي يسطع في سماء الأدب الباهت. ونقصد هنا "بالنجم" الأديب: الرائد/القديم/المعروف.

وإننا فعلا أمام هذه المجاملات النقدية الرخيصة، أصبحنا نشاهد الهزائم الخافتة التي تشوب أدبنا العربي، والتي تقود عجلته إلى الوراء، نحو التدني والتبشير بانحطاط جديد يلوح في الأفق، كيف لا والناقد يساهم في ترسيخ ثقافة الهيمنة على حساب الإبداع الجاد الذي يقترحه الأدباء الشباب، والذين يجدون أنفسهم أمام سلطة التجاهل، والإهمال، والتهميش والإقصاء، وهذا ما يدفع بالشاعر الشاب أو الكاتب إلى الموت البطيء. وهنا نتساءل هل كان شعر التفعيلة سيظهر للوجود لو لم يساهم النقد في التنظير له؟ بلا شك لا؛ لأن النقد لعب دورا في بلورة أفكار نازك الملائكة حتى ترسخت في الثقافة الشعرية قصيدة التفعيلة، ولو لم يضع النقاد قصيدة الكوليرا كنص شعري منفتح على آفاق الاختلاف، في أرضية النقاش الجاد، لماتت قصيدة التفعيلة قبل موت صاحبتها، وبالتالي يظهر بجلاء الدور الكبير الذي يلعبه الناقد في احياء الإبداع أو دفنه" فيا أيها النقاد قولوا قولا حسنا أو تقاعدوا عن النقد".

((وباعتباري شابا وارتباطا باسم هذه الجائزة (جائزة الشباب في صنف الشعر)، تعود بي ذاكرتي إلى سنة 2015 ، لما فزت بالجائزة الثالثة في مهرجان الشعراء الشباب، والتي نظمت بمدينة سلا الجديدة، وقتذاك تأكدت أن تقديم الجوائز يتم وفق مداولات، عبثية، مطبوخة، مخطط لها من لدن لجن التحكيم، حيث إن المسابقة فتحت في وجه الشباب، والمشاركة كانت في صنف الشعر العربي المكتوب بالفصحى ، لكننا فوجئنا بإدراج الزجل وفي أخر لحظة أثناء إلقائنا أما اللجنة (الموقرة)، والغريب في الأمر أن أعضاء اللجنة جلهم كانوا زجالين، وبالتالي كنا نعرف أين ستذهب الجائزة الأولى. . .و التي عادت إلى صديقهم)).

ولعل المشكلة العويصة التي ترتبط بالجوائز الأدبية المغربية وحتى العربية هو التحيز الكبير للأصدقاء وللأسماء اللامعة، مع انعدامه أمام الشباب المبدع، وبتعبير آخر إن غياب تكافؤ الفرص بين الجيلين "الجيل الرائد(القديم) والجيل الجديد" الذي يبحث له عن الطريق، هو المعيق الأساسي لتقدم الأدب العربي، لأن الناقد لو وضع أعمال هؤلاء الشباب تحت مجهر الدراسة، لوجد فيها نفسا جديدا وإضافة نوعية،وبدون هذا العدل والمسواة فلن ننعتق من ثقافة الهيمنة السائدة.

فهل هكذا تسلم جائزة الشباب للكتاب المغربي؟!


clip_image004.jpg


خالد النافعي

كاتب من المغرب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى