محمد بشكار - تنتهي البطاقة وتسْتمر صلاحيتنا..!

باكِراً في الأرق مضيتُ للدَّائرة الأمنية التابعِ لِجهتها أو التَّابِعة لي تحرسُ سلامتي في النوم واليقظة، لأُجدِّد وطنيَّتي منْ قال إنَّ الوطنية تنتهي مدة صلاحيتها في أمد ينتهي بتاريخ، إنما أقصد أنِّي قبل الميلاد كبُرتُ عشر سنوات أُخَر مما يحتاج لتجديد بطاقتي الوطنية لأدخل أنا ومن معي ومن ليس معي في النظام أو (السِّيستيم) بغير لغتنا، وذلك وفق التطوُّر المُتسارع في إحصاء الأنفاس الذي عرفته التكنولوجيا المُسخَّرة لمحاربة الإجرام ، لكنَّني مجرد كاتب وحدود خطري لا يتجاوز قلمي ببضع كلمات قد تحمل في معانيها الغضب دون أن تفكِّر في حمل السلاح الأبيض..!

صحيح أنِّي تجاوزتُ بالسَّنوات التي راكمتُها في الضَّياع مرحلة التدريب التي تُؤهِّلني للخوْض مع الخائضين، لكنني فشلتُ في الحصول على يدٍ موهوبةٍ في تعكير الماء بالصَّفاء الذي يجْعلُني أغْنمُ صيداً سميناً، كان أدائِي سيِّئاً في الحياة ولم أستفد شيئا، وربحتُ بالمُقابل في شخصيتي كائناً مُروَّضاً كأيِّ وثيقة لا تخلو من توقيع وختْمٍ وطابع بريدي ومُصَادقةٍ بالمقاطعة الحضرية، لو أمعنتَ المِجْهر لرأيتَها مدموغةً على ملامح وجوهنا جميعا بدَل أوراقنا الثبوتية، وهل ينفعُ أن أُدْلي بوجهي نيابة عن بطاقتي الوطنية أكيد في بلدي الذي يتعاملُ بوجوهٍ عُمْلتها رائجة لا أحَدَ سيعرفُني..!

وأنا ماضٍ للدائرة الأمنية التَّابع لها لتجديد بِطاقتي الوطنية لم أنْسَ شهادة السُّكنى فعنوان بيْت الشِّعر لا يفي بالغرض، كما أنِّي مُطالبٌ بصُورتين لا أعرف لماذا تُوصفان بالشَّمسيتين وكل الوجوه في خلفيتها البيضاء تبدو منطفئة، فالهاجس الأمني لا يتوجس خيفةً إلا مما يختلج بتدابيره في جُنْح الظلام لذلك يجب أن يتوفر في صورنا عنصرُ الشمس القمين بفضح كلام النفس مكتوباً على صفحة الوجه في وضَح النهار..!

ليس القابضُ بِذيل الصَّف كالماسك برقَبته، تجده من ضجر الانتظار الذي سيُكلِّفُه نصفَ يوم يتلوَّى ويعْتصرُ في مكانه كمنْ يقف على الجمر فلا يصله الدَّور حتى تصل الروح للحلقوم، ورغم أنِّي كنتُ من المبكِّرين، فقد وجدتُ حشْداُ مَهُولا ممَّنْ كبروا مثلي عشر سنين فلا يتذكر عُمره الذي ضاع إلا من بطاقة لأخرى كأنما الحياة لا تستأنف سيرها الطبيعي إلا بتجدُّد البطاقات ويا ليت وطنيتنا تتجدَّد معها، فمنهم من سرقهُ الزمن وانتقل بضربة مقص من الشباب إلى الكهولة ويبدو من شِدة امتعاضه مُتغضِّناُ عجوزا، ومنهم من أبحر عميقا في الشيخوخة ولم يبق من الظُّلمات في عُباب شَعره إلا الزبد، ومع ذلك تجده مرِحا لا يحمل ثقل السنين إلا من الجهة الخفيفة في الروح فيبدو أصغر من عمره أبعد من قبره، ومِن هؤلاء أحدهم قال ساخرا: جئتُ أجدِّد بطاقتي الوطنية لتُسْعف أهلي حين أموت في استخراج أوراق الدفن..!

وأنا ماض لأجدد هويتي في الحاضر لم أنس أيضا خمساً وسبعين درهما نظِير الرُّسوم وليس ثمنا لاكتساب الوطنية فهي الهواء الذي لا يمكن تلمُّسه إلا إذا تجمَّد في الدم، أو تنفُّسه إلا إذا أعْطيتَ من رئتك أنفاس الأمل للآخرين، لكن ما يحزُّ بالسكين في الكبد أن تُمنح كل التسهيلات للحصول على بطاقة الهوية لمن يبيعون الوطن بأبْخس ثمن..!

(افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليومه الخميس 9 ماي 2019)


* نقلا عن:
Mohamed Bachkar
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى