عبدالله البقالي - في عصر داعش..

أحس أنه في حاجة إلى هواء كثيف. صعد إلى سطح البيت. بدأ يروح و يجئ، و ينظر من كل زاوية إلى أطراف المدينة التي تنامت كغول لا أحد يتحكم في نموه.
أثار انتباهه أن باب غرفة المتلاشيات ليس محكم الاغلاق. فتحه. رأى مجموعة من الصناديق و العلب الكبيرة مرتبة بانتظام. حب الاستطلاع دفعه لفتح إحداها. وجد الأمر مثيرا. و عمد الى فتح الثانية و الثالثة و الرابعة. توقف عن الحركة و زم شفتيه . لقد كانت هناك كل كتبه التي اقتناها عبر مسار عمره. ومن ثم شعر و كانه ازاح كفا كانت تطبق على انفاس كائن كان في طريق الاحتضار.
بدا يستعيد حركة تلك الآلية البطيئة التي حدثت و كانه كان فيها تحت تأثير تنويم أبطل مفعول ردات فعله .
انتبه إلى أن عملية التهجير ابتدات حين اكتملت عملية تجهيز البيت. و صارت المقتنيات الجديدة تتطلب مساحة. و حينها تحول فضاء مكتبته إلى مجال حيوي يغري بالاكتساح.
ابتدا الأمر بنثر و توزيع تحف و ديكورات، كانت تتجاوب مع المشهد. ثم بدأ اجتياح لكتب الطبخ التي لم تكن في حاجة إلى مبررات لتواجدها هناك. و كان طبيعيا بعد ذلك ان تصطف إلى جانبها مجلات للأزياء و اخرى ذات صلة بوصفات تليين الشعر و ألوان البشرة. و في ركن هامشي لم يكن ليثير مشكلة، وضع كتاب لتفسير الأحلام. و بمنطق أن المكتبة الثرية هي تلك التي تعكس أصداء الدنيا و الاخرة، وضع كتاب عذاب القبر. و بعدها بدا الاجتياح و لم تعد تقدم اي مبررات. و حين لم يعد متسع لكتب جديدة، غابت الشمس عن الدنيا، و حل وقت الكوابيس و أشباح الليل لتعلو الأصوات المنفرة و المنكرة و تخرج اطياف غادرت للتو سباتها الدهري. و كان من باب حفظ ماء الوجه، ان تطوع هو شخصيا لسحب ما تبقى من كتبه التي لا يمكن ان تقرأ الا على ضوء النهار.
رغب في ان يحتضن كتبه و يبكيها. لكن دون أن يهتم بتحديد من كان الأوجب بالعزاء. هو ام كتبه. و دون أن يجاول معرفة من الاحق بالرثاء، الزمان ام اهله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى