أدب السجون محمود الورداني - أيام في طرة

عندما توقفت اللوريات في الليل، لم نعرف المكان الذي ذهبوا بنا إليه ونحن مقتولون من التعب. بالنسبة لي، وللكثيرين أيضا، لم يكن كل ذلك مهما، كنا نريد النوم فقط علي الرغم من الجوع والعطش, أتذكر إننا صعدنا سلالم بدا أنها لاتنتهي، ووزعونا علي عنابر مختلفة، وعندما وجدنا صفين من الأسرة المتعددة الطوابق، قفزنا علي الفور إلي السراير، وكانت هناك بطاطين عديدة، وما أن أسلمت جسمي إلي الفراش حتي غرقت في النوم علي الفور.
في الصباح علمنا أننا في معهد أمناء الشرطة بطرة، وأبلَغنا الضباط الذين تمترسوا في العنابر أنه سيُخلي سبيلنا بعد عدة ساعات، وامتدت الساعات إلي عدة أيام، فيما بدا أنه تقليد الداخلية العريق منذ اعتقالنا، فقد قالوا لنا ذلك أثناء فض الاعتصام، ثم في معسكر الأمن المركزي، وهاهم يكررونه الآن.
علي أي حال، كانت العنابر في عدة مبان متجاورة، وعلي الرغم من انعدام خبرتنا إلا أننا تمكنا من بناء مايشبه جهاز اتصال عبر النوافذ، بل واختار كل عنبر لنفسه اسما، وكنت في عنبر 24 يناير وهو تاريخ فض الاعتصام. وبدأ بصيص من الأخبار، منها مثلا أنهم أفرجوا عن زميلاتنا فعلا، بينما قاموا بإرسال أعضاء اللجنة الوطنية العليا إلي سجن القلعة. ومنها أيضا أن هناك مظاهرات في الشوارع للإفراج عنا.
أمضينا يومين قمنا خلالهما بكتابة لافتات ومجلات حائط، وعلّقناها قريبة من النوافذ ليراها زملاؤنا في العنابر الأخري، وغنّينا وهتفنا ضد السادات والاحتلال الإسرائيلي وما إلي ذلك. حتي الآن مازلت مذهولا مما فعلناه علي الرغم من انعدام خبرتنا وغموض المستقبل بالنسبة لنا، فمن بين تقاليد الداخلية وأسلحتها أيضا ألا تعرف أي شئ عن أي شئ، ويتم تضليلك طوال الوقت وبكل الطرق والأساليب .
في اليوم الثالث أو الرابع، لاأتذكر بدقة، تمكنا من خلال شبكة الاتصال التي بنيناها خلال الأيام الفائتة من اتخاذ قرار بالإضراب الجماعي عن الطعام حتي يتم الإفراج عنا، كما قمنا بوضع أواني الطعام التي كانوا يصرّون علي أن يسلّموها لنا علي قواعد النوافذ، ليعرف كل عنبر أن العنابر الأخري مضربة عن الطعام. كانت الديمقراطية أثينية أيضا، مثلما تعلمنا خلال أيام الاعتصام، فقرار الإضراب عن الطعام تم التصويت عليه في كل عنبر، ثم التصويت عليه عبر النوافذ بين العنابر.
في اليوم الثاني للإضراب، حملونا عند الظهر في سيارات إلي وزارة الداخلية، وأظن أن هذا جري قبل يوم أو اثنين من حلول عيد الأضحي. وهناك جمعونا في قاعة كبري، وجاء اللواء سيد فهمي رئيس مباحث أمن الدولة، وخطب فينا خطبة تافهة، قال فيها إن القاعدة الطلابية سليمة والقيادة السياسية تعرف ذلك جيدا وتقدّر مشاعرنا الوطنية، لكن أثبتت التحقيقات أن ال سي آي إيه ضالعة في مؤامرة للوقيعة بين النظام الوطني المعادي للاستعمار والذي يقف ضد إسرائيل وبين الطلاب، وهو سيناريو جرّبته في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية مثل شيلي التي نُفّذ فيها انقلاب علي النظام اليساري قادته السي آي إيه، وسوف تنشر تفاصيل المؤامرة علي مصر بمجرد انتهاء التحقيقات، واختتم خطبته قائلا إنه يعلم أن كثيرين منا ليس لديهم أي نقود لأجرة الركوب للعودة إلي منازلنا، كما أن بعضنا كان من جامعات إقليمية، وقام بتوزيع الفكة علي من وافق، وكنت أنا من بين الرافضين، واضطررت للعودة سائرا علي قدمي من لاظوغلي وحتي الهرم!!.


كتابة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى