عبد الكبير الخطيبي علامات الانتماء ت: مراد الخطيبي

ترجمة الصفحات الأولى من الفصل الأول من كتاب: الكاتب ( الناسخ) وظله

أعيش وأشتغل في المغرب. هذا البلد يمتلك قوة حية. أنا مدين له بولادتي، باسمي وبهويتي الأولى.كيف لا يمكن أن أحبه بعطف! عطف بناء ويقظ. البلد ليس هو مكان الازدياد فقط ولكنه اختيار شخصي يقوي الإحساس بالانتماء.
إذا كان علي أن أجمل بعض صفات شخصية المواطن المغربي، فإنني سأقوم برسم خطوطها الكبرى كالتالي.
في الماضي، عهد للشمس ومواقيت الصلاة مهمة قياس سير الأنشطة والترفيه. مثل غرس، كان الجسد يتابع إيقاعه الطبيعي المتسم بالبطء والحلقية. لم يكن مهما أن يضيع الوقت أو لا يضيع. كان الوقت المناسب يمنح للإنسان وينزع منه مثل دوران الضوء والظل.
في هذه المرحلة الطويلة، حافظ المغرب على قيم حضارية متميزة اتخذت نماذج مختلفة، على مدى قرون، من خلال المدن وتدفق المبادلات: العمل في الأرض، الأعمال اليدوية والخبرة، مزايا التحمل واتجاه غاية في التنظيم للتعاون. بين المزارع والمحارب، بين المحارب والقديس، بين هذا الأخير والتاجر، دوران قوي ومستمر لقوى البلد تنضاف إليها تقاليد الملكية في إطار مبادئ التحكم والطاعة.
هذا التوازن التقليدي الذي يميز المجتمعات الزراعية الرعوية تم تكسيره.
بحيرة، اكتشف المواطن المغربي ظاهرة السرعة والاهتزاز. يركض من أجل الوصول متأخرا ويصل متأخرا بسبب خطأ الآخر، دائما بسبب الآخر!.
نتخلص من أخطائنا بوكالة سحرية. شاهدوا سائقا أمام الضوء الأحمر، عندما لا يتجاوزه، فإنه يتوقف ويتركه ورائه. عدم رؤية القانون أمامه، ذلك هو القناع الذكي للمواطن المغربي.
احترام القانون ومخالفته يجتمعان في نفس النظرة، في نفس الحركة. يمتلك في قرارة نفسه رغبة عميقة في محو وإلغاء حدودهما. هذا سر من أسرار مجتمعات قيادة تحتاج إلى العيش بالقانون كشيء خارجي مطلق مؤسس على الطاعة والخوف.
المغربي إقطاعي بالطبيعة واجتماعي بالتقاليد ، يكن احتراما مبالغا فيه للتسلسل الهرمي والاستبداد.له دراية بأسرته وجماعته ، وبفن الاحتفال ، بالكلام الجميل ويحب الشكليات والتعبيرات الثابتة.
أحيانا يتلاشى أمام السلطة، وأحيانا يتفاهم معها. وهو مطيع ، شكلي ، وبارد وكتوم عند ما تفاجئه عاصفة الأحداث. وعندما يعقد غضبه، يشبه حجرة نحتتها جبال الأطلس. عندما يتمرد، يبدد كل شيء يوجد أمامه ، أو يجنح نحو الصمت.
إذا كان غنيا ، فهو من يختار أعضاء جماعته ، ويرضى بالواقع إذا كان فقيرا. هنا ، يكمن المجتمع المدني أكثر من الانتماء إلى حزب أو إلى أي جمعية أخرى.
غالبا ما نسمع شخصا ما يقول لنا : «لدي 600 ابن عم وخال !»إنها ليست مزحة، ولكنها موقع قوة أو هروب لأن المغربي، بصفته فردا ، هو كائن مريب وغير مكتمل ويعاني من ازدواجية في الشخصية ومن صورة هشة للأنا.
ولكنه في الصفة التي يكون فيها عضوا في المجموعة، فإنه يبدو مخططا وذا خبرة، ومحاربا شرسا. تخطيط رصين تتم مراجعته يوميا من خلال الخدمات التي يتم طلبها أو تلبيتها، ومن خلال زيارات المجاملة، الذوق في الأعياد والطقوس، معنى المشاركة في النشوة، شهوانية الفعل كما في الاستعمال الصادر بلا روية للعبارة التالية:»ليس هناك مشكل !» ;فقد تكون هذه العبارة موجهة من طرف موظف إلى مواطن، أو من وزير إلى وزير آخر، من زوج إلى زوجته، من امرأة إلى عشيقها، من صاحب رتبة عالية إلى صاحب رتبة دنيا، جملة ساحرة تحدد كل شيء، بمعنى لا شيء.
المواطن المغربي يشعر بالرعب من العزلة. في نظره، الوحدة هي بمثابة كابوس. وحتى أمام الموت، لا يحس بأنه ترك وحيدا من طرف الآخرين.من هنا تأتي هذه النظرة القلقة المشوبة بالحزن.هو توازن بين طعم الحياة وعبادة الموتى التي تقوم بحسب هذه التقاليد على علاج الأحياء -على الأقل حي واحد ، من حين إلى آخر.
كل عبارة تشبه لعبة شطرنج حيث المتخاطبون لاعبون وأدوات اللعبة في نفس الوقت.المغربي يدرك هذا. لكل حالة، يملك الوصفة والحكم المناسبين. الأدب الشفوي يعج بهذا.
فن المجاملة هذا والاحتفال يحير الأجانب. وينال إعجابهم أحيانا. ألم يكن يشكل قانونا أسطوريا للضيافة !
نعم، ولكن كل قانون في الضيافة هو دعوة للاندماج في المجموعة وفي نظامها القائم: تطيع وتطاع.
ليست المجاملة ، على أية حال، إلا مثيلا للعبودية الطوعية.هل ورثت بعض سمات هذه الطباع و هذا السلوك؟
هذا هو مركز الخطورة الوجودي والمتناقض الذي سمح لي بالتوجه نحو فضاء مفتوح و علاقة حوار وتنافر مع أي شخص قادم نحوي أو مبتعد عني، وعندما ينغلق على نفسه ، أبحث عن إيقاظ فضوله.أنا أتغير عند الاتصال بأجنبي يريد لي الخير.هذا هو ، في اعتقادي، مجتمعي الروحي مع القريب، الجار ، البعيد أو السلف الذي يومئ إلي منذ زمن سحيق.
يكمن سر الذاكرة في الماضي وإمكانياته الخفية.ماضي لا ينبغي تمجيده، ولا إهانته : بل وضعه في المنظور.
بصفتي مثقفا، أحاول إنجاز مهمتي ، بمعنى تحويل تجربة إلى اختبار أولي. ما هي في نظركم؟
تجربتي علمتني التمرين الشاق على الحرية وقيودها .الابتعاد عن المعتقدات الحالية هو الخطوة الأولى نحو هذه الحرية الناقصة.علينا الذهاب إلى أبعد مدى، المجازفة بحقيقة خطيرة حيث يتم تشكيل الأبجدية تدريجيا، أو بالأحرى لغة تسمح ببسط مكانة متحركة بين ما هو شخصي وما هو جماعي، هذا هو ما يجعل تجربتنا وذوقنا للتغيير والبناء المستدام متفردين و متعددين، من حين إلى حين.
نعم، التضحية من أجل الحق في التفكير ، بما في ذلك وقت الشدة، الحق في الرفض ، في المقاومة ، في بناء استقلال ذاتي ، في النقد ، في الاختلاف ، في الاقتراح، في التعديل، في القبول بالتوجيه بواسطة أفكار أو صور لا تزال بشعة وتبحث عن دعم وأداة للتعبير داخل مغامرة العقل وحيويته.
يحصل لي أن أتشاءم وأن أفشل في العثور على الوضوح المناسب لأدنى فكرة، مقارنة مع النموذج الأمثل الذي أحمله معي كطبيعة ثانية :الشغف من أجل نموذج فكر مقابل لحساسية نشيطة تنقل إلى القارئ تفاصيل الحياة وحوادث المسار والذي يمس روح التبصر.
وراء عبارات مثقف ما وأفعاله، بقدر ما هو جدي أمام مسؤولياته، ينطلق من عمل ينبغي استكماله، وبناؤه خلال مدة طويلة. بدون دعم من قبل عمل في طور التشكل، في مجال معين (العلوم، الآداب، الفنون، الفلسفة ، البحث العلمي.....)، هذا المثقف سيتم اختصاره في مهيج للآراء. سيخفت مع ضجيج مرحلته. كل تحية انتقال وتقمص روحي ستمنع عنه. في كل خطوة:أليس حريا بنا أن نطرح مثل هذا السؤال:هل وجودي أنا ضروري؟لمن، لماذا وبالخصوص كيف؟
أكتب هذا الكتيب بطلب من صديق متوقظ اقترح علي أن أقدم للقراء مساري الشخصي كمثقف. وافقت رغم ترددي المعتاد ورغم الصعوبات الجد خطيرة التي يواجهها مثل هذا النموذج من السيرة. سواء أكانت لطيفة أم قاسية، فإن السيرة تختزل في كونها كاريكاتورا لشبحنا الشخصي الضائع في حياة الآخرين. تشهد بصدق ووضوح على نفسك وعلى الآخرين ، يا له من رهان على الحقيقة !
لكن هذه الحقيقة هي خلاف أكثر من كونها روح المجتمع. هكذا أستطيع تقاسمها مع شركاء آخرين في الحوار مرتبطين ببناء الأفكار، بالتنسيق بينها والإفصاح عنها.
كيف تكون إذن سيرة مثقف؟ الرسام يتوفر على نماذج من صوره التي تمثل تقليدا مبجلا. في مجال الآداب الجميلة بين «الاعترافات» les Confessions لسانت أكوستين وروسو، صورة الأنا هي في الأصل خيال مزدوج. هذه السيرة أو هذا المتعدد نستطيع تصويره في قصة مثقف ما وفي مقدراته ليعرف. فهو بالأحرى قابل للتصوير بسبب بناء الأشكال والعلامات. صديقي الفنان كلود بلكارد يقوم برسم أصدقائه وشخصيات حقيقية في شكل «تيبوكراماتtypogrammes « أي بواسطة نطاق لوني لا نرى الوجه بالكل والباقي كذلك، فقط قنــــــاعا. السيرة، مرسومة أو مقدمة بواسطة الكلمات هي دائما حقيقة مقنعة داخل اللغة. هو قناع لمقدمة بحث ينبغي أن نؤلف فيه ترتيبا للعلامات من أجل اكتشاف الذات كأجنبي.
هذا التصوير يمكن تناوله بواسطة لعبة نادرة. مثلا، أتساءل دائما هل سيرتي كمثقف إلى حد ما واضحة في عقول الناس سواء كانوا قراء أم لا، سواء يعرفونني شخصيا أم لا. هنا أو هناك، يقولون أنني عالم اجتماع، باحث، أستاذ، شاعر، روائي،كاتب مقالات، سيميائي، ناقد فني، فيلسوف، مختص في علم السياسة أيضا.
أجد نفسي مرهقا بعدم تحديد الأدوار. ولكني أقول، هذا الخلط في الأدوار والمهام يتضمن في داخله حاجزا يصبح مواتيا من أجل معرفة الأنا والآخر. لاحظت واستنتجت أنني وككل مثقف، كائن خيال حي وواقع قابل للتمديد تقريبا. على كل حال، ها أنا ذا.
أعتقد أنني («ولدت» كلمة ستكون مجانية كثيرا) لست لا عدميا يقوم بتسريب الفراغ المحيط به، ولا متعبا يسر في حالة افتتان الذات وخيبة أملها، ولا إيديولوجيا يظن أنه يحمل ثقل»العالم» على كتفيه، وبدرجة أقل عقائديا ينقل الحقيقة المطلقة ولا جماليا مخدوعا بجمال مزيف. لا هذا ولا ذاك: ولكن ماذا؟
سأقول، بالأحرى، أنه من خلال علامات الانتماء، اتبعت مسار مقاوم سلمي، قلق، دائما قلق، مدفوع إلى الأمام من قبل الشكوك، من قبل عوارض رائعة للحياة أيضا عادية ونادرا ما تكون استثنائية. شخص حزين يحلم بالتناسخ، لا يريد تدمير حياته ولا حياة الآخرين.
يحدث لي أحيانا أن أقدم نفسي كمغربي وكأجنبي محترف.

* * *

- Khatibi,Abdelkébir. Le scribe et son ombre, Paris, Éditions de La Différence, 2008

11/27/2015

* الاتحاد الاشتراكي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى