إدريس حافظ الطلبي - أكثر من صدفة.. قصة قصيرة

  • مع سبق الحب والترصد...
ظل الرجل الذي اتخذ هيأة ماموت في وضعية هجوم ، حجب أشعة الشمس المنبعثة من كوة في سقف الغرفة عن الطائر الموجود داخل قفص اهترأت بعض أسلاكه, العصفور نائم أو ربما يتغافى لإيهام الرجل بأنه مريض ، الرجل لم يتزحزح من مكانه أمام الطاولة الخشبية ذات الأرجل الحديدية المتفاوتة الطول, فلو تحرك قليلا لانبعث الدفء في العصفور بفعل أشعة الشمس المنبعثة من كوة سقف الغرفة المبنية بسرعة وبدون ترخيص فوق سطح عمارة غير مأهولة بفعل تقولات الناس وألسنة السوء بكونها مسكونة من طرف الجن الأزرق .
لا أحد تجرأ على السكن بها أو الاستقرار أكثر من يوم وليلة. فكل من اكترى يرحل قبل أذان الفجر ولا يجد الجيران له أثر في الصباح الموالي . الكل بالحومة يعتقد أنه يمتلك سر العمارة المسكونة وحكاية العفاريت الزرق التي جعلت منها مركز قيادة لشن غارات ليلية على العصاة من بني آدم. لا أثر لخوف على ملامح الرجل, ربما لم يسمع بعد سر العمارة . انتبه لاستكانة العصفور لم يول الأمر أهمية, فتغيير الأماكن يفقد الإحساس بالاستقرار . فكر في أن يدع العصفور يستأنس بجو الغرفة وبعدها يزقزق ويتحرك بكل حرية داخل القفص . العصفور يحرك " قمقمه" تارة ويلوي عنقه تارة أخرى ثم يرتطم بإنبيق المشربة ، ثم يسقط على أرضية القفص رافعا رجليه نحو الأعلى في وضعية مقص مفتوح ، أخرج الرجل مجموعة كتب من علبة كرتونية وبدأ في وضعها على أدراج مكتبته القصبية وبدون ترتيب, مجرد توزيع أولي لممتلكاته داخل السكن الجديد .. في الأيام القادمة سيسهر على وضع كل شيء في مكانه :
هنا الكتب
هناك الفونوغراف
ثمة دولاب الملابس ، المزهرية ،
عند المدخل العصفور ، آه العصفور ؟!
القفص : ما زال العصفور في وضعية الميت حي لعله يستدر عطف صاحبه لإطلاق عقاله ، صاحب الغرفة غير آبه بما حل بالعصفور ، منشغل هو فقط بإعادة ترتيب الأشياء الأخرى ذات القيمة ، بدا دولاب الملابس بأدراجه المفرومة ككسرة خبز يابسة ، أثار العفن العالقة بحواشيها توهم الناظر بأنها قطعة ضاربة في القدم ، حاول صاحب الغرفة معالجة أكرة باب الدولاب لحفظ سر ما بداخل الأدراج عن أعين غير موجودة ، لم يفلح لأن الباب عادت إلى حالتها الأولى . تخلى عن ذلك تحت إصرار هذه البويبة العنيدة .
ما زال العصفور على حاله . لم تغره حبات الزوان ولا إنبيق الماء . منشغل هو بسقف الغرفة وبأشعة الشمس المنبعثة من الكوة ، بدت الحرارة تسري في الجسد المتراخي ، صاحب الغرفة انتبه للأمر . فكر في أن يجازي العصفور بالزيادة في حبات الزوان المتناثرة داخل أرضية القفص لعل العصفور يعود إلى حالته الأولى ويستجمع قواه .
امتدت يده إلى باب القفص أدار السلك المربوط دون عناية ناحية الشمال . حاول الإمساك بالعصفور لإزالة ما علق بأرضية القفص من أوساخ .
انتفض العصفور كأن حية باغتته, ارتطم جسمه الهزيل بكل أركان القفص زقزق زقزقات حادة . اتجه صوب حبات الزوان قرب منها منقاره لم ينكأها . حدج صاحبه بنظرة غير مفهومة استدار نحو إنبيق الماء ثم سقط .


إدريس الطلبي حافظ / خريبكة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى