جمال فايز - وما تبقي من شظايا المحار.. قصة قصيرة

(1)

ومازلت.. كلما ذهبت.. إلي شاطيء المدينة أراه، كأنما لا يبرح مكانه، بقايا إنسان، يستر جسده وزاره الأصفر، و فانلته البالية، وينهم بموال يكاد لا يتوقف، يصلني رخيما نحاسيا شجيا يغريك سماعه، ويزعجك إن طغت عليه الآلات الرافعة، التي جيء بها من خارج المدينة،ترفع حجارة نصف طن من علي الشاحنات، تضعها علي شاطيء المدينة، متراصة وبعضها فوق بعض، فتحجب البحر، وتجثم علي رماله الناعمة الذهبية، وما تبقي من شظايا محار.

(2)

عرضت عليه ذات مساء، رغبتي في مساعدته بما يشاء، وخزني بنظراته الحادة، قبل أن يتركني ويتجه إلي سفينته، تتبعته بنظراتي وهو يدخل في جوفها، سمعت بعدها حشرجة موال، يتخلله صدي طرقه علي جدار سفينته.

(3)

بعد الانتهاء من تجميل شاطيء المدينة، جاءت شاحنات أكبر، وبدأت الرافعات، برفع السفن الخشبية، الموجودة علي طول الساحل، وأخذها لمكان بعيد في اتجاه الغرب.

(4)

ذات مساء رطب، رأيته أول مرة، يمشي إلي داخل البحر، بينما سفينته مكبلة بالحديد، معلقة في الهواء، تضعها الرافعة علي إحدي الشاحنات، وكنت أسمعه، بالرغم من سيره متوغلا في داخل البحر، بالرغم من أصوات ماكينات الرافعات، وزمجرة السلاسل الحديدية، وأنات صفير الهواء، الخارج من تجاويف السفينة، وهدير البحر، وطيور النورس، ظللت أسمع مواله، يصلني هذه المرة محتضرا لا يكاد يسمع.

التفت ناحية الغرب، حيث تسير الشاحنات بعضها وراء بعض، تصغر، تختفي في قرص الشمس الأحمر القاني، وطائرة مدنية، تمر من فوق رأسي، تنفث دخانا أسود، يتلوي مثل الثعبان، تتجه إلي مطار المدينة، تلج في الغيم، تختفي لثوان قبل أن تظهر ثانية.. مضت سنوات والسماء حبلي بالغيم، لكن لم يسقط مطر، نصلي صلاة الاستسقاء، ولا يسقط مطر.. لا يسقط مطر.

نظرت ثانية إليه، عدت لا أري منه إلا رأسه، يلعقه موج البحر، ويبتلعه اليم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى