أنطون تشيخوف - حياتي.. قصة فتي من الريف.. قصة قصيرة - ترجمة: محمود الشنيطي

كانت لي في المنزل غرفة ولكني كنت أوثر أن أقيم في كوخ بالفناء الي جانب بنيه أقيمت منذ زمن لحفظ السروج، ولازالت فيها المسامير الكبيرة التي تعلق عليها. ولكنها أهملت الآن، وجعلها أبي مثوي لمجموعة من جرائد الثلاثين عاماً الفائتة. وقد جعلها أبي مجلدات يحوي كل مجلد أعداد أشهر سنة. ولم يكن يسمح لأحد أن يقربها. وكانت إقامتي هناك تجنبني لقاء أبي وضيوفه. ثم كان ذلك ينحي عني شيئاً من الخزي الذي يسببه قول أبي إني أعيش علي نفقته. فأنا لا أشغل غرفة في البيت. ولا أتناول وجبات الطعام كلها هناك.

كانت أختي تنتظرني وقد جلبت لي خفية شيئاً من طعام. شريحة من لحم البقر، وكسرة من الخبز. فطعامنا في المنزل لم يكن جيداً . وكانت أختي تقتصر وسعها في النفقات. مستهدية بعبارات يكثر ترددها في الدار من نحو "المال يحب التدبير" و "الكوبك علي الكوبك روبل".

وضعت أختي الطبق علي المنضدة، وجلست علي سريري وبدأت تبكي. قالت:

- ميشيل. ماذا تفعل بنا ؟

لم تخف وجهها بل تركت دموعها تسيل علي يديها وصدرها، وقد بدا عليها شقاء محيق. ثم غلبها البكاء فدفنت وجهها في الوسادة وأخذ جسمها كله يختلج بالنشيج. قالت:

- أتركت عملك مرة أخري؟ يا للبلاء!

قلت وقد ضقت بدموعها:

- أرجو أن تفهمي يا أختاه.

وهنا شح الزيت في مصباحي، كأنما قصد إلي ذلك قصدا. وأخذ الدخان ينبعث من المصباح يكاد يخبيه . وبدت المسامير العتيقة في الحائط تتراقص ظلالها علي الضوء الخابي، كأنها أشباح تتوعّد.

نهضت أختي تقول:

- ارحمنا . إن أبانا يتعذب. وقد أمرضني الأسي وكدت أجن.
ثم زادت ناشجة ضارعة:

- ماذا سيكون منك؟ ارجع إلي المكتب. أتوسل إليك بذكري أمك.

قلت وأنا أحس أني أتخاذل لو استمرت:

- هذا محال يا كلوباترا. لا أستطيع. لا أستطيع.

قالت في إصرار:

- ولكن لماذا؟ لم لا تعود؟ إن كنت لا تستطيع العمل مع رئيسك هذا فابحث عن عمل آخر. لم لا تبحث عن مكان في السكة الحديدية؟ لقد تحدثت الآن مع أنيوتا بلاجوفو وكانت واثقة من أنهم سيجدون لك عملا. بل إنها وعدت بأن تتكلم من أجلك. فكر بالله يا ميشيل، فكر في ذلك. أرجوك.

تحدثنا قليلا بعد ذلك . وقبلت أخيرا. وقلت إني لم أجرب بعد العمل في خط حديدي مُنشأ حديثاً، ولا أجد بأساً من التجربة. فابتسمت من خلال دموعها في سعادة وصافحتني، وهي لا تقدر أن تكف دموعها. ثم ذهبت إلي المطبخ أجلب شيئاً من الزيت.

#انطون_تشيكوف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى