الرّوائي القاصّ عبّاس سليمان: بعد زمن من التّجربة والانتشار يصبح الكاتب ملكا لقرائه.. حاوره : محمد عمار شعابنية

عباس سليمان روائي وقاص وصاحب كتابات نقدية في المجالات الأدبية وباحث في ميدان علوم التربية.
استطاع منذ بداية القرن الحالي أن يصدر سبع مجاميع قصصية وست روايات وكتابا مترجما من الفرنسية حول بيداعوجيات التعلم ..وله مشاركات كثيرة في الندوات والملتقيات الأدبية والتربوية بكل من تونس والأردن والجزائر وفرنسا إلى جانب الجوائز المعتبرة التي حصدها ببعض إبداعاته ، وكذلك البحوث الجامعية التي اعتنت ببعض نصوصه ومكنت منجزيها من الطلبة والطالبات من نيل شهادات الماجستير في جامعات تونسية وجزائرية.
ويشهد أغلب متصفحي إصداراته أنه قد حقق قفزة نوعية ملفتة بما ألّفه بعد ما أصطلح على تسميته بثورة الربيع العربي في تونس لدقة تأملاته وجرأة تناولاته ..
جالسناه في وقت قصير سانح لتأثيث هذا الحوار.

* س1: قبل حصولك على شهادة الأستاذية في اللغة العربية وآدابها سنة 2006 نشرت ثلاث مجموعات قصصية وروايتين، أفلم تشغلك غزارة النشر وقت الدراسة عن تعميق معارفك ؟
> سأصدقك القول: لعلّني لم أكن لأتعلّق بالدّراسة وأعود إلى الجامعة لولا تلك الكتب الأولى التي نشرتها. فقد انتبهت بعد ما صدرت إلى أنّ الإبداع ينبغي أن يكون مسنودا بالنّقد وبالمناهج وبالمدارس وبالتّيّارات لا سيّما حين تتوفّر الفرصة لذلك. ولعلّني لذلك شعرت أنّ الدّراسة والكتابة مساران متكاملان.

* س2: رغم إشكاليات النشر في تونس استطعت أن تصدر منذ سنة 2001 أربعة عشر كتابا في مجالات القصة والرواية والبحث التربوي والنقد الأدبي عدا الكتب التي أعيد طبعها فهل نشرت كل ما كتبت ؟
> لديّ بعض كتب لم تنشر بعد. ولديّ مشاريع في القصّة والرّواية والنّقد أعمل جاهدا على أن أجد لها الوقت الكافي .أعتقد أنّ الكتابة والنّشر نوع من الإدمان، ولعلّ الكاتب يصبح بعد زمن من التّجربة والانتشار ملكا لغيره أي ملك قرّاء ومتابعين لا ينفكّون يسألونه عن جديده.

* س3: تحصل العديد من أعمالك على جوائز معتبرة وحظي البعض الآخر بالدراسات النقدية التناولات البحثية التي مكنت أصحابها وصاحباتها من الحصول على درجات جامعية في مستوى الماجستير وغيرها ، فهل شحنتك كل تلك الأعمال بمحفزات إبداعية؟
> الحقيقة أنّ الجوائز والمتابعات النّقديّة والبحوث الجامعيّة تضع الكاتب أمام مسؤوليّة كبرى وإنا أعتقد أنّ من لا يعتريه الخوف وهو يكتب أو وهو يستعدّ للنّشر أو وهو ينتظر ردود فعل القرّاء لا يمكن أن يكون كاتبا حقيقيّا. بقدر ما يشجّعك ما تحظى به كتاباتك من اهتمام بقدر ما يبعث فيك الخوف والشّعور بثقل المسؤوليّة.
س4: المجموعة القصصية " خطاب الرئيس " تكشف عن أزمة الخطاب السياسي بعد الثورة التونسية وأزمة تلقيها كذلك ، كما أن رواية " كاتب عمومي" تتطرق إلى معضلات الحياة في العشرة سنوات الأخيرة بالبلاد فهل تعتبر نفسك مستفيدا من تراكمات متاعب الحوكمة الحالية في مجالك الكتابي أم متضررا منها لأنها لم تمنحك مؤونة التفاؤل .
صحيح أنّ الكاتب لا يعيش بمعزل عن الواقع ولكنّه محظوظ أيضا لأنّه يمتلك طاقة خيال لا يمتلكها الآخرون .لذلك فإنّ ما حدث في تونس وخارجها كان قادحا للكتابة ولكنّه قادح يظلّ دون الخيال ودون ما يمكن أن يتفتّق عنه ذهن المبدع.

* س5: يرى أغلب الذين درسوا أعمالك السردية أنك حققت نقلة موفقة من الطرح الواقعي في نصوصك إلى الغوص في أعماق الأحداث لتفجير تداعياتها منذ ما تم تسميته بالثورة في تونس ، فإلى أي مدى تؤمن بأن الواقع الجديد في بلادك وفي المنطقة العربية يستوجب البحث عن قيَم سردية جديدة تنهل مما يحدث.
> هذا السّؤال أيضا مهمّ، فلكلّ واقع قيمه ولكلّ واقع تداعياته .وما حدث في بلادنا وبلاد أخرى نقل السّرد من وضع إلى وضع وفتح أذهان الكتّاب على نوافذ جديدة ونبّههم إلى نشوء طائفة من القرّاء مختلفة. انظر إلى القصص والروايات التي ولدت بعد الثورات العربية، انظرْ اليها من جهة الكمّ وستجد أنّه كمّ فاق كلّ التّوقّعات وانظرْ إلى ما في متونها وستكتشف أنّها عدلت عن السّائد المتداول .أنا لا أشكّ في أنّ الكتابة في زمن الحريّة مختلفة تماما عنها زمن الخوف من الرّقابة.

* س6: لك العديد من المشاركات ، داخل البلاد وخارجها ، بمداخلات حول القصة والرواية لكتاب تونسيين وعرب إلى جانب دراسات تتصل بالمضامين والأشكال والتقنيات السردية ، فما هو حكمك على ما يُكتب في هذين الجنسين عربيا .
> الرّواية تتطوّر بشكل سريع كمّا ونوعًا. ولعلّ المسابقات الكبرى التي تقام لها حفّزت الرّوائيين على الكتابة وعلى التّجويد. وأمّا القصّة القصيرة فلئن كان كمّ إنتاجها محترما فإنّ من يكتبونها بحرفيّة قليلون. قد يكون السّبب في صعوبة جنسها وقد يكون في استسهال كتابتها وقد يكون في قرب جنسها من أجناس أخرى كالخاطرة والأحدوثة واليوميّات والمذكّرات والحكاية والطّرفة والنّكتة... ولكنّنا سنظلّ نحلم بالقصّة التي تُقرأ ويظلّ أثرها في قارئها عميقا لا يمّحي وبالرّواية التي تجعل من يقرأها يوقن أنّ الرّوائيّ خالق كبير .

* س7: تحصلت سنة 2018 على شهادة الماجستير ببحث يحمل عنوان" التعدد الصوتي في نماذج من الأقصوصة التونسية "، وأنــت الآن تشغل خطة متفقد اللغة الفرنسية بالمدارس الابتدائية إلى جانب تدريس علوم التربية بجامعة قفصة، فما علاقة علوم التربية بكتاباتك ؟
> ما كتبته من قصّة ورواية يدخل في باب حبّي للجنسيْن ومتابعتي لهما وانخراطي فيهما . وأمّا علوم التّربية فمجال بحوثي المهنيّة ومجال مهامّي التّربويّة. في القصّة والرّواية أكتب لأمارس الخلق بشكل مّا وأتمتّع بإنشاء عوالم سرديّة أمارس فيها هواياتي ومشاعري وملذّاتي وقيَمي. وفي علوم التّربية أكتب لأفيد طلبتي وكلّ المشتغلين بالتّدريس والتّربية.

* س8 : ترجمتك لكتاب " بيداغوجيّات التّعلّم" للباحثة الفرنسيّة " مارڨريت آلتي. هل هو رغبة أو ضرورة؟
> بذلت في ترجمة ذلك الكتاب جهدا كبيرا ثمّنته عاليا صاحبة الكتاب التي اعترفت لي بأنّه عمل لا يستطيعه الكثيرون . وقد دفعني إلى تلك التّرجمة التّطلع إلى إثراء المكتبة البيداغوجيّة العربيّة بمرجع مهمّ وأساسي والرّغبة في إفادة طلبة علوم التّربية المتوزّعين حاليّا على سبعة كلّيّات داخل الجمهوريّة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى