أدب السجون مروة التجاني - أيام في الزنزانة..

لم أكن اتوقع أن نشري لمقالات قديمة في صفحة الفيس بوك وانتشارها بين الشعب السوداني ستكون سبباً لدخولي إلى الزنزانة " الحراسات " كما تسمى في السودان ، هي المرة الأولى في مشواري الصحفي وفي عوالم الكتابة التي ادخل فيها في مأزق بسبب مقال هو " الله عارياً " ، حين فتح في مواجهتي بلاغ من النظام العام تحت المادة 125 سب الأديان و126 الردة كنت أتوقع أن يتطور الأمر ويصل إلى الموت وهو التهديد الذي تلقيته من اللواء الذي حضر خصيصاً للتحقيق معي ، لكن تذكرت قصة صديقنا " محمد صالح - البارون " الذي أتهم بالردة قبل فترة قليلة من قضيتي ليتهم بعدها بالجنون ويطلق سراحه فإرتاح بالي .. لاتزال قضايا التعبير عن الرائ ومس التابوهات القديمة تقود أصحابها للموت الأكيد ولا أملك في هذه المساحة سوى تذكر الرسام الكاريكاتوري " ناهض حتر " الذي قتل بسبب رسم يحاول فيه كسر المقدس ، سأترحم عليه وأشكره لأنه لم يكن يملك غير قلمه للتعبير ، هنا تتجلى قوة الرمز وقوة الكتابة حين يصدقها الآخرون وكأنها واقع ، اثناء التحقيق معي كانت لغة المتحدث معي وكأن كل شخصيات مقال " الله عارياً " هي الشاكية على مروة التجاني .. نظرت حولي في الغرفة فلم أجد سوى كائنات بشرية ضخمة ويرثى لحالها فكدت أضحك في وجوههم .

الدخول للزنزانة بسبب قضية رائ كان مصدر سعادة بالنسبة لي على عكس ما يتوقع الكثيرون ، في البداية كنت أظن القضية لها علاقة بمقالات المثلية الجنسية التي كتبت بسببها تعهد عند الحكومة بالا أكتب في هذه القضايا مرة ثانية .. وهكذا كنت أعتقد أن مقالات المثلية الجنسية هي السبب وراء القبض عليّ ، كنت أشعر بالسعادة المعقولة لأن الرائ أياً كان يستحق أن تدافع عنه حتى النهاية وعندما يقود إلى شرفات الموت يجب أن تواجهه بقوة كبيرة ، لم أكن وحدي حيث أستحضرت جميع الشخصيات التي كتبت عنها وكانت الوجوه التي أحبها حاضرة معي في اليوم الأول الذي قضيته في الزنزانة بمفردي ، أصدقكم القول كانت شخصيات مقالاتي وكلماتي هي سبب قوتي وتماسكي وكما قال سيدي " شارل بودلير " كنت أقول " يا أرواح من أحببت ، يا أرواح من أنشدت ، سانديني ، وأبعدي عني الكذب وأبخرة العالم المفسدة " . هكذا وجدتني قوية وسعيدة بكل مقال كتبته .. لأن فعل الكتابة هو ما أدخره لحياتي البعيدة وشيخوختي .

كنت قبل هذه القضية أعاني من الأكتئاب الشديد وتوقفت عن مزاولة العمل الصحفي لفترة طويلة ، كنت غاضبة وحزينة على كثير من أوضاع البلد وأعتقد أن لا أمل في اصلاح شئ ولا أمل في تغيير المفاهيم فعشت في عزلة طويلة كنت أكتب خلالها في صمت ، الآن بعد هذه الصدمة - الدخول إلى الزنزانة مهما كان هو صدمة ما بشكل أو بآخر - عدت للكتابة الصحفية والتي تعني بالنسبة لي إعادة سرد قصص الآخرين وملئ فراغات رواياتهم .

الدخول إلى الزنزانة يعني التعب الشديد وانعدام النوم لأيام لكن الكتابة فعل يستحق العناء لأجله ، فعل يستحق أن تعاني وربما تموت لأجل كلمة . لاتزال هذه البلاد تعاني من الموات ولا تزال عقلية القطيع هي المتحكمة في آليات التفكير وتقتل ببطء من أحبوها بصدق ولا أعني هنا بكلمة البلاد السودان بل جميع دول العالم الثالث التي لا نزال نذرف الدموع لأجلها وهو ما حدث معي في أيام الزنزانة حيث كنت أردد رائعة " سيد درويش - أهو ده اللي صار " وأحزن لهذا الواقع المأساوي . في الزنزانة أنا لا أملك غير ترديد الأغنيات والحزن .




رابط المقال الذي أتهمت بسببه
مروة التجاني - الله عارياً



مروة التجاني - أيام في الزنزانة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى