رمضان الصباغ - مادة العمل الفني..

مقدمة
عندما يظهر العمل الفنى إلى الوجود فإن المتلقى يتعامل معه ككل، دون تأمل لعناصره الأولية المكونة له، ذلك أن جميع عناصر العمل الفنى تتضافر لتقدم الانطباع أو اللذة التى يتلقاها المتأمل للعمل ككل. فهى تعمل فى حركة جدلية معا لتقدم - فى النهاية - ما يمكن أن يتلقاه المتأمل وفقا لثقافته وبيئته وتكوينه العام ورؤيته وحالته النفسية….الخ.
فإذا كان هناك من رأى أن العمل الفنى بمثابة كل عضوى موحّد، لا أهمية لأى عنصر من عناصره على حدة، وإنما يأتى الجمال - فى العمل الفنى - نتيجة لتكامل كل هذه العناصر، وأى خلل فى عنصر ما إنما يؤثر تأثيرا سلبيا على بقية العناصر، وعلى العمل الفنى ككل.
وإذا كان ذلك هو رأى سائد - يؤكد على اتساق العمل الفنى، فإن "أرنولد هاوزر"(1) قد أكد على أن هذا القول - أى كون الأثر الفنى بمثابة كل عضوى موحّد تشيع فى جميع أجزائه مبادئ صورية بعينها لا تتغير ولا تتبدل - إنما هو معتقد كلاسى، كما أكد أيضا على أن القول بأن ماله قيمة هو وحده الذى يقع بين دفتى الأثر الفنى ويتخذ مكانه بين عناصر هذا المركب لا يعنى بأى حال أن الأثر الفنى يمثل على الدوام كلا تام التكامل.


ولكن إذا كان "هاوزر" يعنى هنا أن الصيغة المصمتة التى اعتقد فيها إنما كانت نتيجة لرؤية كلاسيكية لا تنطبق على الفن الحديث أو الأدب الحـديث - وقد ضرب أمثلة بشكسبير، "وديستوفسكى"، وسرفانتس - فإن هذا إنما جاء فى سياق الحديث عن أن الفن الحديث والمعاصر لا يحمل النمطية فى الشخصيات، وإنما ثراؤه يأتى من التناقض الذى يعتمل داخل الشخصيات، والجدل بين مكونات العمل الفنى، ولا يعنى فصل العناصر المكونة للعمل الفنى - التى نحن بصدد دراستها - والتعامل معها على انفراد وإنما يعنى أن النظريات السائدة حول اتّساق العمل الفنى إنما هى نظريات تتسم بالتقليدية، وقد تجاوزها الفن الحديث والمعاصر، فقد أبدع الفن الآن أنماطاً جمالية تتعارض مع ما هو متعارف عليه، وأصبحت الهوة واسعة بين الفنانين وبين المتلقى، وكذلك بين التيارات الحديثة والتيارات القديمة فى الفن.
إن الأثر الفنى يمثل وحدة، وهذه الوحدة قائمة فى صميم الأثر الفنى بناءً على العلاقات القائمة بين عناصره، هذه العلاقات هى التى تثمر - فى النهاية عملا فنيا له صفات مميزة.
ونحن إذ نشرع فى دراسة عناصر الأثر الفنى - أى تحليل الأثر - فإننا نواجه باعتراضات، لأن تفكيك هذه العناصر ودراستها كلّ على حدة لا يعطى فى مجموعه الأثر الفنى، فليس الأثر الفنى مساويا لمجموع ما تحمله عناصره، بل هو النتيجة النهائية للعلاقة الجدلية بين مكوناته. والعمل الفنى وحدة واحدة ولا يمكن أن يفهم، أو يتم تذوقه جماليا إلا وهو ماثل أمامنا ككل، ونحن حين نستمتع به لا نكون على وعى بعناصره المكونة له.
غير أن هذه الاعتراضات يمكن الردّ عليها بأننا عندما نحكم على الأثر الفنى، فإننا نقوم بتحليله إلى عناصره، كما أن تعقيد الأثر الفنى وثراءه يجعلنا لا نستطيع دراسته ككل، ولذا وجب علينا تحليله حتى يتسنى لنا الغوص فى تفاصيله، وإن كان يجب علينا أن نفطن إلى أن هذا التحليل لم يكن إلا من أجل الدراسة فقط وفهم عناصر العمل الفنى فى عمومها، وأن أفكـارنا عن هذه العناصر ليست - فى التحليل الأخير - هى فى مجموعها ما يقوله الأثر الفنى أو ما يعبر عنه، أو هى "كل" العمل الفنى.
ولذا فإن التحليل له وظيفته المحددة، وهى مساعدة الباحث على دراسة العمل، ولا يمكن أن يكون بديلا عن رؤية العمل واستيعابه ككل. ونحن "نسئ استخدامه عندما نرتكب مغالطة التجريد الباطل.Eallcy Of Victous Abstraction أعنى تجريد عنصر واحد من موضوع كلّى عينى، ثم الاعتقاد بأن هذا العنصـر سيكون له، عندما يعزل على هذا النحو، نفس الخصائص التى كانت له عندما كان جزءًا من الموضوع. فلماذا يعد هذا الاعتقاد باطلاّ؟
لأنه حين يكون العنصر جزءًا من الموضوع، تكون له علاقات بالعناصر الأخرى للموضوع، وهذه العلاقات تؤثر فيه وتحدث اختلافاً فى طبيعتة"(2).
وعلى هذا الأساس فإن من واجبنا أن لا نغفل فى لحظة ونحن نناقش أحد عناصر الأثر الفنى أن هذا العنصر أو ذاك ليس له أى وجود حقيقى إلا فى إطار العمل الفنى.
و"للعمل الفنى وحدته المادية التى تجعل منه موضوعاً حسّيا ينصف بالتماسك والانسجام من ناحية، كما أن له مدلوله الباطنى الذى يشير إلى موضوع خاص يعبر عن حقيقة روحية من جهة أخرى"(3). أى أن العمل الفنى يتكون من مادة، هى اللون أو الصوت، أو اللفظ ، أو الحجر، ومن صـورة تحتوى هذه المادة، وتجعلها تأخذ شكلا معينا بناءً على ترتيب وتنظيم المادة، ثم هناك المحتوى أو المضمون فى العمل الفنى والذى يتضافر مع التعبير ليقدم الانفعال الجمالى والمعانى والأفكار فى العمل الفنى.
و "العمل الفنى هو بمثابة ثمرة لعملية منهجية خاصة، ألا وهى عملية تنظيم العناصر التى تتألف منها حركته. فإن هذه الحركة هى الكفيلة بان تخلع عليه طابعاً زمانيا يجعل منه موجوداً حيا تشيع فيه الروح. ومعنى هذا أن العمل الفنى لابد أن يصدر عن مهارة إبداعية تركب الحركة ابتداءً من الساكن وتحقق الزمانى إبتداءً من المكانى، وهنا يستعين الفنان بأساليب الايقاع والتنظيم والتناسب من أجل فرض ضرب من الوحدة على مافى موضوعه من تعدّد فى الأشكال أو الحركات والصور"(4).
وسوف نبدأ بدراسة عناصر العمل الفنى - المادة والصورة، والمضمون، والتعبير، وإذا كان من المتعذّر دراسة كل عنصر على حدة، فإننا سوف نحاول الإشارة إلى العلاقة بين عنصر وآخر كلما تطلب الأمر ذلك مع التركيز على العنصر المدروس فى حينه، وذلك حتى يتسنى لنا إعطاء صورة حيّة عن هذه العناصر.

المادة

مادة العمل الفنى هى العناصر الحسية التى يتألف منها، وهى قد تكون سمعية أو بصرية، وتختلف باختلاف المجال الذى يمثله العمل الفنى، فهى فى الشعـر الألفاظ ، وفى الموسيقى الأنغام والسكون، وفى مجال التصوير اللون، والسطح والكتلة والظل والنور..
وهكذا فى سائر الفنون. فلكل فن مادته. والمادة الخام تكتسب الصبغة الفنية بعد أن يتعامل معها الفنان، ويقوم بتحويرها وتنظيمها، وتنسيق عناصرها المختلفة.
و"المادة بالنسبة للعمل الفنى، هى جوهره العينى أو جسمه، وبدونها يكون العمل الفنى هزيلا خاويا، شأنه شأن كل التخطيطات الخارجية للتركيب الشكلى للوحة معينة، وهى التخطيطات التى ترد العمل إلى هيكل من المساحات غير الملوّنة والأسهم التى تشير إلى خطوط القوة"(5).
فالمادة بالنسبة للفنان هى مجال العمل، وبدونها لا يكون هناك أى عمل فنى. فلا يمكن أن تقوم القصيدة دون الكلمات، والرقص دون وجود الجسم البشرى الذى ينفذ الحركات المعبرة، واللوحة دون اللون والخط والتعامل مع الظل والنور وغير ذلك.
ويختلف دور المادة وسطوتها من فن إلى آخر، فنجدها فى فن العمارة والنحت مادة كثيفة تعلن عن نفسها، ويتعامل معها الفنان وهو يحاول قهر جمـودها وصلابتها، بينما نجدها فى فنون أخرى كالموسيقى والتصوير تكون أقل سطوة وحضورها - فى العمل النهائى - ليس بنفس الدرجة الموجودة فى النحت والعمارة.
والفنان ليس بوسعه التصرف فى المواد التى يختارها تصرّفاً كاملا فهـو "مضطر إلى أن يأخذ فى اعتباره طبيعة هذه المواد، وإلى أن يتفهم عمله بناءً على ذلك"(6). فالمادة لها حضورها ومقاومتها، كما أن إدراك الفنان لنوع المـادة يجعله قادراً على استنفاذ جميع امكانياتها وعدم الوقوع فى خطأ عدم الملاءمة بين المادة والموضوع والغرض المطلوب منه. فعمل تمثـال يقام فى ميدان أو فى العراء يختلف عن عمل آخر صغير محدود يمكن عرضه فى صالة عرض. ذلك أنه على الفنان أن يدرس المواد المستخـدمة، وخواصها، ومقاومتها للظواهر الطبيعية، وصلابتها.. وغير ذلك من خواص.
والجدير بالذكر أن صفات العمل الفنى تتوقف إلى حدّ كبير على نوع المـواد المستخدمة. فاستخدام مادة فى غير مكانها يعنى ظهور عمل فنى غير المتوقع ظهوره أو فشل فى الوصول إلى إبداع حقيقى. فالمواد قد ترفض التشكيـل على نحو معين، وتقبله على نحو آخر، ويبدو ذلك فى المواد الكثيفة وذات المقاومة العالية كالرخام فى النحت - على سبيل المثال.
وإذا كانت كلمة" مادة" لا تعبر عن الأجسام المادية فحسب بل عن كل ما يدخل فى صنع شئ ما، ولكن لكى تكون عملا فنيا يجب أن يتم تنظيمها وتشذيبها وتهذيبها حتى يكون بالوسع إدراك العمل الفنى، ويتم ذلك وفق نماذج وصور معروفة - ومحّددة تختلف من عصر إلى عصر ومن مجتمع إلـى آخر، ويكون الدور الجوهرى للفنان المبدع بالإضافة إلى قهر المادة، هو خلق نماذج وصور جديدة تتخذها هذه المادة، وهذا ينطبق على سائر الفنون.
وقد تكون سطوة المادة شديدة، فنجد أن "النحات لا ينحت ما يريد" على حد تعبير "برتيلمى" بل إنه ينحت ما يريده الشئ. "فاحترام المادة والصور الطبيعية التى نصادفها، وانعدام التناسق الذى يظهر فى الألياف أو فى التشققات، كل هذا جزء هام فى فن النحت"(7).
ومن هنا نجد أن الفنان حين يقع اختياره على المواد لا يختارها بسهولة ويسر، بل يبذل جهدا كبيرا فى عملية الاختيار التى تكون محكومة لـديه بالموضوع والرؤية التى يريد تقديمها للمتلقى، وعوامل أخرى بالإضافة إلى تلك التى تتعلق بالمادة.
فالمادة ليست جامدة - رغم مقاومتها - بل هى تستطيع توجيه مسار النشاط الإبداعى للفنان "لأنك لا تستطيع أن تصنع من الفخار ما تصنعه من الحديد الخام إلا إذا كان غصباً وافتعالا. فالإحساس الذى يبعثه العمل يكون مختلفا كل الاختلاف، ذلك لأن المعدن يتحدّاك ويستحثّك على أن تصنع منه شيئاً معينا حيثما أحسست بتماسكه ومرونته"(8).
وقد رأى "هيجل" - فى معرض حديثه عن الفن الرمزى - أن "المادة (التجسيد) تطغى على الروح (أو المحتوى). والمحتوى الروحى يكافح هنا لكى يعثر على تعبيره الكامل، ولكنه يفشل فى الوصول إليه.. ويعطينا ذلك نوعا من الفن هو الفن الرمزى Symbolic Art"(9).
وعلى هذا إذا كان الهدف هو الوصول إلى فن مكتمل فإن المواد الحسية التى يستخدمها الفنان لابد أن تقدم نفسها وهى جاهزة للاستعمال برسم الهدف الذى يراد استخدامها من أجله، أى أن تتجرد من خشونتها، وجلافتها وقساوتها، وأن تضع نفسها فى خدمة نياّت الفنان ومقاصده كيما يتمكن هذا الأخير، طبقا لمفهوم الكلاسيكية، ومن دون أن يصطدم بعقبات تخلقها المادة والشروط الخارجية، من التباس المحتوى والشكل الذى يشف عنه، ومن اعطائه الشكل المطابق والموائم أكثر من أى شكل آخر لنياّته ومقاصده هو نفسه(10).
ولكن هل دور الفنان هو مجرد تشكيل المادة؟
إن الفنان إذْ يقوم بهذا الدور لابد له من إعمال العقل أولا فى الوقوع على (المادة الخام) التى تلائم عمله، والقيام بدور إيجابى فى تهذيب المادة، وقهر قساوتها وخشونتها (فهى لم تعط نفسها له متخليّة عن كثافتها وقساوتها). ولقد قام المبدعون بتطويع المادة واكتشاف أشكال عديدة، وبذلوا جهودا مضنيـة على المستوى الذهنى واليدوى كما طبقوا تقنيات مختلفة جعلت المادة أكثر طواعية، ويسرا.
وقد كانت الفوارق - فى بعض الأحيان - بين الفنانين هى فى المهارات التقنية والسيطرة على المادة كعنصر رئيسى من عناصر الإبداع الأخرى.
ولكن هل مادة العمل الفنى مجرد شئ يقوم بتشكيله الفنان؟
فى الواقع لابد أن تكون هناك علاقة جدلية بين المادة ومهارة الفنان ورؤيتـه، فالمادة وحدها - كمادة خام - لا تحمل قيمة استاطيقية فى ذاتها، بل الفنان هو الذى يضفى عليها هذه القيمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المادة ليست مجرد أداة سلبية تتلقى كل ما يمليه عليها الفنان فى إذعان وخضوع، بل إن المادة بصفتها ذات كيفيات حسيةّ، وخواص محددة تقاوم الفنان، وتحاول أن تأخذه فى مسار معين، قد تعدل من خطط الفنان، أو تصوراته، ولكن كلما كان الفنان ماهراً وعارفاً لخواص المواد المستخدمة كلما أمكن التغلب على العقبات.
والمادة قد لا تكون فى ذاتها جميلة، ولكنها قد تعطى الفنان ادراكات حسية لمسية وعضلية تكاد تكون مشوبة بلذة، ومثال ذلك - كما يرى "برتيملى"(11) فى المواد التى يستخدمها المصوّر، منذ اختراع التصوير بالألوان الزيتية.
ولقد بدأ الفن مختلطا بالحرفة فكان دور الفنان فى البدء هو قهر المادة وجعلها تتواءم مع بعض الأغراض الإنسانية، وقد كانت الآلات بدائية وبسيطة فكان الجهد المبذول مضنياً. وهكذا "ولد قاطع الحجر أو المعمارى من الحجر، أو الحداد من المعدن، أشكالا جديدة، وكان يبدو لهم أن الأشكال تتفجّر عن المادة مباشرة، على حين تتطلبها وتثيرها حاجة اجتماعية (تشييد الكاتدرائيات…. أو القصور) (12).
ولكن هذا الوضع الخاص بالفنان قد تغير كثيراً، وكذلك بالنسبة للفن، فقد صار الفن أكثر من المهنة بكثير، كما "أن الفنان أكثر من صاحب حرفة. والذى يميز أحدهما عن الآخر قبل كل شئ هو أن صاحب الحرفة ينقل نموذجاً، فى حين أن الفنان يخترع شكلا، وهذا الشكل إنما يأتى عندما يعمل العقل، ويتلامس مع المادة ويتضح تدريجيا من عملية التنفيذ. أما العامل فهو لا يهتم بمثل هذه الأمور، فهو يتلقى مقدماً تصميم المنزل أو قطعة الأثاث، وعليه أن ينفذ ذلك بكل دقة"(13). فالفنان يتعامل مع المادة - فى كل مرة - على نحو جديد، والمادة تحاول أن تفرض مساراً معينا للعمل، وتقوم عملية صراع مع المادة تتعدل خلالها الفكرة، وتتطور - مع الفنان - بينما تعامل العامل مع المادة يكون وفق حدود معروفة سلفا ومحددة بشكل صارم.
وقد يقوم الفنان باختراع وسائل جديدة للتعامل مع المادة، ولكن العامل يتعامل بوسائل معروفة وتكرر العمل بها مرات ومرات.
ولا يقف دور المادة عند توجيه مسار التشكيل الجمالى فى أحيان كثيرة، أو تعديل مسار رؤية الفنان فى بعض الأحيان، بل يتعدّاه إلى ما هو أبعد من ذلك فنجد أن "العناصر الحسيةّ للفن تستطيع، فى ذاتها أن تثير صـوراً، وحالات نفسية وأفكاراً، وهذا يصدق بوجه خاص على (مادة) الفنون البصرية. فقد دلّت تجارب نفسية لا حصر لها، فضلا عن التجربة المعتادة، على أن الألوان والخطوط مأخوذة على حدة لها طابع انفعالى وتخيلى واضح. فاللون الأحمر عدوانى أو لامع، والأزرق منطو على نفسه أو رقيق، والخط المتعرج يبدو مضطربا على عكس القوس الطويل المنساب. وبناءً على هذه السمات كان فى استطاعة المصورين أن يتحدثوا بقدر كبير من الثقة عن دفء الألوان وحرارتها. وفضلا عن ذلك فمن الممكن أن تكتسب بعض الألوان معانى تصورية ذهنية، كما هى الحال فى اللون الأسود الذى يدل على الحزن والحداد"(14).
وما ينطبق على الألوان يمكن أن ينطبق على بعض الكلمات التى قد تحمل شحنة انفعالية أكثر من غيرها، رغم وجودها منفردة، وهذا ما يجعل

البحث فى المعجم الشعرى الخاص بالشاعر، ورصد ألفاظ محددة تحمل شحنات انفعالية معينة له أهمية كبرى عند كثير من النقاد. وقد كانت الكلمة المنتقاة ذات دور بارز فى الشعر الرومانتيكى، نجد ذلك عند "كيتس"، "وبايرون"، كما نجده فى الشعر العربى عند "إبراهيم ناجى" و "على محمود طه" …. الخ.
ولكن ليس معنى ذلك أن المادة (مادة العمل الفنى) مهيمنة إلى حدّ كبيـر، بل هذا يعنى ضرورة تفهم المادّة ودراستها، وتذوقها، ثم التعرف على التغيـرات التى تطرأ عليها عندما توضع فى سياق (أى تكون الكلمة فى سياق جملة شعرية أو اللون محاطاً بالظلال، وبألوان أخرى…. الخ) فهذا يزيد من قدرة المادة على الوفاء بالغرض المنوط بها من قبل الفنان.
فتذوق المادة وحدها غير كاف، كما أن "الاعتقاد بأن جميع الأعمال الفنية ينبغى أن تتضمن من المواد أكثرها جاذبية"(15) أمر مغلوط. فالقول بـأن هناك ألوناً جذابة وأخرى أقل جاذبية - على إطلاقه - أمر يفتقر إلى الدليل، كما أن القول بأن هناك لغة شعرية أو كلمات شعرية وهى خارج السيـاق، أمر مفرط فى التعيمم، ذلك أن الشعر الآن اصبح يستخدم لغة الحيـاة اليومية، وأمكن جعل الكلمات المتداولة - فى سياق معين - تقوم بدور أصيل فى تشكيل الجملة الشعرية. فتقدير مادة العمل الفنى لا يكون تقديرا حقيقيا إلا إذا تم إدراج ذلك فى إطار العلاقة بعناصر العمل الفنى الأخرى.
يقول "جون ديوى"
" والكيفيات الحسيّة سواء كانت اللّمس أم الذوق أم البصر، أم السمع تتطوى على صبغة جمالية. ولكنها لا تنطوى على هذه الصبغة الجمالية على

انفراد، بل من حيث هى مترابطة، أعنى أنها ليست موجودات مجردةّ منفصلة، بل هى عناصر متداخلة متفاعلة. وفضلا عن ذلك فإن العلاقات ليست مقصورة على أنواعها الخاصة، بحيث تكون الألوان مع الألوان، والأصوات مع الأصوات، بل أن أقصى ما وصل إليه الضبط العلمى لم ينجح فى الحصول على لون نقى أو طيف خالص من الألوان"(16).
وبهذا يؤكد على ضرورة تذوق العمل الفنى ككل، وأن عناصر العمل الفنى - ومكونات المادة أيضا - لا توجد منفصلة بل متفاعلة ومتداخلة مما يفرض على المتلقى أن يتعامل معها ككل، بل ويستعصى عليه غير ذلك.
ومع أهمية المادة، وضرورتها إلا أن المادة - فى حد ذاتها - كما سبق أن أوضحنا - ليست استاطيقية فى ذاتها، ولذا فلابد من أن تتخذ المادة صورة (شكلا) حتى يتسنى إدراك العمل الفنى، إذ يتضح أن الفن إنما هو "تشكيل ، هو أعطاء الأشياء شكلا، والشكل وحده هو الذى يجعل الإنتاج عملا فنيا. كما أن الشكل أو الصورة ليس عملا عارضاً أو طارئاً أو ثانوياً"(17).
ولكن ما هى الصورة؟ أو ما الشكل؟
يرى "جون ديوى John Dewey" أن الصورة إنما تشير إلى طريقة خاصة فى النظر إلى الأشياء والإحساس بها، وتقديم المادة المختبرة بحيث تكون على استعداد دائما لأن تصبح بطريقة فعالة ناجعة عنصراً لبناء خبرة جديدة من أولئك الذين تقل موهبتهم عن موهبة المبدع الأصلى"(18). و"الصورة العنصر العقلى القابل للفهم فى موضوعات العالم وأحداثه"(19).
وإذا كانت المادة ذات سطوة على الفنان، فإنها ذات تأثير كبير على الصورة أو الشكل. فهى تتحكم إلى حد كبير فى شكل العمل الفنى والقالب الذى يتخذه، وذلك تبعا لنوعيتها أو كثافتها ولكن هذا لا يعنى ما يؤكده "أصحاب النزعة الصوفية من أن ثمة شكلاً محددا (كامناً) فى مادة بعينها، ولا أن رغبـة الإنسان فى تشكيل المواد هى (نزوع ميتافيزيقى نحو الشكل)، ولكن لكل مادة خواصها المحددة التى تسمح لها بأن تتشكل فى صور محدّدة وإن كانت متعددة"(20).
وهكذا نجد أن الأشكال المعمارية تتأثر بنوع المادة التى تستخدم لبنائها فيختلـف المسكن المبنى بفرع الشجر عن غيره الذى يستخدم كل أنواع التقنيـة الحديثة، سواء فى الشكل ( من حيث الارتفاع - والاتساع والتنوع فى القوالب). "كما تؤثر المادة تفصيليا فى التصميم. ولعل هذا ما جعل البعض يضع المادة فى مقابل (الصورة) على اعتبار أن المادة هى العنصر اللامعقول، أو الهيولى المهوشة المتقلبة بطبيعتها، والتى تجئ الصورة فتطبعها بطابعها"(21).
ووضع المادة فى مقابل الصورة كان نتيجة للقول بأن الصورة أزلية أبدية على حين اعتبرت المادة متغيرة متبدلة، فالمادة لا تتمتع بالاستقرار الذى تتمتع به الصورة. وقد سيطرت هذه الأفكار على العديد من فلاسفة الجمال لقرون عديدة. غير أن "سوريو" اعترض على هذه الفكرة - وقرر "أن الصورة كيفية باطنة فى الشئ نفسه، بحيث يصح أن يقال إن الصورة هى الشئ نفسه من حيث هى موضوع لا من حيث هى امتداد محض، وليست الصور علامات أو رموزاً، بل هى وقائع مليئة ذات حياة مستقله"(22).
فالصورة ليست منفصلة عن المادة - لدى سوريو(23) - كما أن الشكـل هو الذى يحدّد طبيعة الشئ وما هيته، وليست مهمة علم الجمال سـوى دراسة عالم الصور، أعنى تلك الوقائع الموضوعية التى تتكشف للفنان حين يدرك العالم الحسّى أو حين يخلق بعض الأشياء.
والعلاقة بين المادة والصورة تبدو واضحة، إذ أن المواد لابد ن تتخذ شكـلا حتى يكون من الممكن إدراكها، كذلك الشكل ( الصورة) لابد أن يكون متعلقاً بمادة ما. فالمادة والصورة ليستا متعارضتين، بل تكمل إحداهما الأخرى، "ولا يمكن أن تعيش إحداهما فى عزلة عن الأخرى، فلا مادة دون صورة ولا صورة دون مادة، والمادة التى لن تكون إلا مادة - نقصد المادة الأولى التى تحدث عنها المدرسيون - تصبح إمكانية خالصة لا تتمتع بوجود ذاتى خاص لها، ولن تكون فى ذاتها إلا لعدم. والمادة والصورة يعتمد كل منهما على الآخر، ويمارس أيضا تأثيره على الآخر".(24)
ولكن اتصال المادة والصورة فى العمل الفنى لا يعنى كونهما نفس الشئ، بل هذا يشير إلى أنهما لا يظهران فى العمل الفنى كشيئين متمايزين فالعمل الفنى ليس إلا مادة اتخذت صورة. "فالدفء والجاذبية اللذين تشتهر بهما ألوان (رنوار) لا يرجعان فقط إلى الدرجات اللونية ذاتها بل أيضا إلى طريقة وضعهما الشكلى فى اللوحة، و إلى موضوعات (رنوار) الوديعة أو المحببة إلـى القلوب، وإلى ذلك الهدوء العام الذى يشيع فى أعماله. فتلك أمثلة للتكامل الناجح بين المادة وبين الأبعاد الشكلية أو التعبيرية. أما حيث يكون هناك تعارض بين هذه الأبعاد، فإننا نشعر بوجود تنافر كامن فى العمل"(25).
وإذا كان التكامل الناجح بين المادة والأبعاد الشكلية والتعبيرية هو أساس نجاح العمل الفنى، فإن ذلك إنما ينجم عن تفهم كامل لطبيعة المادة المستخـدمة وملاءمتها للصورة. والصورة تتوقف على نوع المواد المستخدمة وخواصها، من حيث الصلابة والمقاومة - على حد تعبير ج سامسون(26) - فإن النحات يريد أن ينحت تمثالا للحرية، ولكنه ليس حراً. ربما يتمكن من اختيار نوع الحجر، لكن للحجر كثافة وعروقاً وألواناً وعقداً ولابد له وأن يتكيف وإياها، بل لابد أن يخضع لها.. ويتعين عليه أن يقرر الفكرة التى تجعل منه هو شبيها بالحجر.
"فالمادة هى التى توجه الخيال، وتقود الإبداع وتشكل التنفيذ الفنـى"(27).ولذا وجب على الفنانين مراعاة ذلك. وينطبق ذلك على كل الفنون سواء كانت نحتا أو تصويرًا أو موسيقى. فصياغة العمل الفنى تصبح ناقصة إذا لم يتم اعتبار عناصر المادّة - خاصة العناصر التى تقاوم التشكيل - كالصـلابة والعروق فى الحجر، أو الخشونة فى أصوات المغنيّن أو حالة هذه الآلة أو تلك التى يتم العزف عليها. ذلك أن إدراك هذه العناصر إنما يؤدى إلى توافق الصورة مع المادة على يد الفنان. والمادة تتطوى على نصيب من سرّ الفن، وعلى الفنان أن يتحسس أسرارها - على حدّ تعبير "أوديلون ريدون"(28).
وإذا كانت المادة تتمتع بهذه السطوة والقوة، والقدرة على توجيه الخيال، والصورة. "فهل يعنى هذا أن المادة تأتى أولا وكأنما هى حقيقة جاهزة معدّة من ذى قبل، ثم يأتى بعدها البحث عن الصورة أو اكتشاف الصورة التى يمكن أن تتجسمها تلك المادة؟ وهل يمكننا القول بأن ثمة قيمة استاطيقية تنطوى عليها المادة "(29). وأخرى تنطوى عليها الصورة التى تجعل هذه المواد معبرة؟ وهل نقرر أن كل الموضوعات صالحة للمعالجة الجمالية أو نقول بأن طائفة قليلة منها هى التى يمكن تخصيصها لهذا الغرض نظرا لما تمتاز به من طابع ذاتى خاص يجعل منها موضوعات سامية - على حد قول "جون ديوى"(30).
يجيب "جون ديوى" بأن المادة التى يتركب منها أى عمل فنى إنما تنتمى إلى العالم المشترك أكثر مما تنتمى إلى عالم الذات، ومع ذلك فإن فى الفن تعبيراً عن الذات لأن الذات تتمثل تلك المادة بطريقة خاصة متمايزة لكى تعاود إخراجها إلى العالم المشترك فى صورة يكون من شأنها بناء موضوع جديد. وإذا كان الإنتاج عملا فنيا جاء الأسلوب فريداً لا مثيل له، ولكن عندما تكون طريقة الإنتاج هى هى بعينها دائما، فإننا نكون بإزاء عمل آلى. وإذا كان الطابع المميز للعمل الفنى هو أنه نسيج وحده فذلك لأن الطريقة التى تعالج بها المادة العامة (أو العناصر المشتركة) تحيلها إلى مادة جديدة حيوية(31).
إن الصورة هى تنظيم لعناصر المادة وتشكيلها فى صورة جمالية، مع وضع طبيعة المادة نفسها فى الاعتبار، وإذا كانت الكلمة هى أداة الأديب، فإن دور الأديب ليس مجرد رصف الكلمات فى سياق - أى فى صورة - تجعلها ذات قيمة استاطيقية لم تكن موجودة عندما كانت الكلمات منفردة. وهذا الأمر ينطبق أيضا على جميع المواد المستخدمة فى سائر الفنون الأخرى.
والجدير بالذكر أن الفنان عندما ينهض بعملية الإبداع لا يكون عمله مجرد خليط عشوائى من الأصوات - فى الموسيقى - أو الألفاظ - فى الشعر - أو الألوان - فى التصوير -….الخ بل هو يقوم بعملية انتقاء، وتنظيـم للمادة، ويخضع لبعض القواعد والقوانين التى تفرضها بعض الفنـون، مثل السلم الموسيقى فى الموسيقى، أو العروض فى الشعر، والاتزان والمنظور فى التصوير.. وغير ذلك. (وإن كان الفن الحديث قد تجاوز الحدود، واخترق بعض القوانين، التى كانت راسخة - فى الشعر على سبيـل المثال - الخروج على العروض، وابتداع قصيدة النثر، والخروج على القواعد الجمالية فى التصوير باستخدام الخط المستقيم - اقامة الاتزان علـى التناقض والتضاد - الخروج على المنظور). وهذا التغير لم ينف القواعد نهائيا، وإنما أوجد جمالية جديدة.
وإذا كانت كل الشواهد تشير إلى ضرورة الاتصال والارتباط بين المادة والصورة، فإن هذا لم يمنع وجود بعض المدارس أو الاتجاهات التى فصلت بينهما - فعلى حدّ تعبير "جون ديوى" فإن المدرسة المثالية تقيم تفرقتها بين المادة والصورة لصالح الكيفيات الحسيةّ. ويرى "ديوى"(32) أنه فى كلتا الحالتين لم تكن الخبرة الجمالية موضعاً للثقة بحيث تولد مفاهيمها الخاصة التى تتكفل بتأويل الفن، وإنما الملاحظ أن المفاهيم قد فرضت من الخـارج فرضاً فنقلت جاهزة إلى مجال التجربة، من أنظمة فكرية ركبّت دون أدنى إشارة إلى الفن نفسه أو دون الرجوع إليه.
إن العلاقة بين المادة والصورة علاقة جوهرية، فنحن لانجد المادة منفردة أبدا فى العمل الفنى، وكذلك الصورة. فالعناصر المحسوسة للعمل الفنى تنتظم فى صورة حتى ولو كانت هذه الصورة يعوزها الانتظام والدقة أو التناسق. كما أن العلاقة بين المادة والصورة ليست علاقة ميكانيكية بسيطة، بل هى علاقة جدلية معقدة، تنجم عن التفاعل والتأثير المتبادل بين الطرفين وهما دائما فى حالة اتّصال، واندماج. وليس القول بالفصل بين المادة والصورة إلا انعكاساً لم يكتنف طبيعتنا من جمود، ورغبة فى التنميط والتحديد والبعد عن التفاعل الحيوى مع الواقع.




هوامش الفصل الأول

1- انظر: هاوزر، أرنولد: فلسفة تاريخ الفن - ترجمة رمزى عبده جرجس - مـراجعة زكى نجيب محمود - الهيئة العامة للأجهزة والكتب العلمية - القاهرة - د.ت. ص ص 400 ، 410.
2- ستولنيتز ، جيروم: النقد الفنى - دراسة جمالية وفلسفية - ترجمة فؤاد زكـريا - الهيئة المصرية العامة للكتاب. - الطبعة الثانية - القاهرة - 1980 - ص 323.
3- إبراهيم ، زكريا: مشكلة الفن - مكتبة مصر - القاهرة - د.ت - ص 32.
4- نفس المرجع - ص ص 36 ، 37.
5- ستولينتز ، جيروم: مصدر سابق - ص 327.
6- برتيلمى ، جان: بحث فى علم الجمال - ترجمة أنور عبد العزيز - مراجعة نظمى لوقا - دار نهضة مصر - بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين - (القاهرة - نيويورك) - يوليو - 1971 - ص 184.
7- انظر : نفس المرجع - ص 188.
8 - Bosanquet, Bernard: Three Lectures On Aesthetics, London, Macmillan, 1923. P.p.59. 60.
عن ستولنيتز، ج : مصدر سابق - ص 328.
9- ستيس، ولتر: فلسفة هيجل - المجلد الثانى - فلسفة الروح - ترجمة إمام عبد الفتاح إمام - دار التنوير - الطبعة الثالثة - بيروت - 1983 - ص 190.
10- هيجل ، فردريك: الفن الرمزى - الكلاسيكى - الرومانسى - ترجمة جورج طرابيشى - دار الطليعة - الطبعة الثانية - بيروت - 1986 - ص 208.
11- برتيلمى ، جان: مصدر سابق - ص 178.
12- لوفافر، هنرى: فى علم الجمال - ترجمة محمد عيتانى - دار المعجم العربى - الطبعة الأولى - بيروت - 1954 - ص 90.
13- برتيلمى ، جان: مصدر سابق - ص 211.
14- ستـولنيتز ، ج: مصدر سابق - ص 329.
15- نفس المصدر - ص 330.
16- ديوى ، جون: الفن خبرة - ترجمة زكريا إبراهيم مراجعة زكى نجيب محمود - ( دار المهضة العربية - مؤسسة فرنكلين) - القاهرة - نيويورك - سبتمبر 1963 - ص ص 202 ، 203.
17- فيشر ، ارنست: ضرورة الفن - ترجمة أسعد حليم - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - 1971 - ص 201.
18- ديوى ، جون: مصدر سابق - ص 184.
19- نفس المصدر : ص 96.
20- فيشر ، ارنست: مصدر سابق ص 202.
21- ديوى ، جون: مصدر سابق - ص ص 196 ، 197.
22- إبراهيم ، زكريا: فلسفة الفن فى الفكر المعاصر - مكتبة مصر - القاهرة - د.ت. - ص 298.
23- انظر : نفس المصدر - ص 298.
24- برتيلمى ، جان: ص ص 172 ، 173.
25- ستولنيتز ، جيروم: مصدر سابق ص 332 ، 333.
26- راجع برتيلمى - مصدر سابق - ص 185.
27- نفس المصدر - ص 185.
28- نفس المصدر - ص 186.
29- نفس المصدر - ص 187.
30- ديوى ، جون: مصدر سابق - ص 181.
31- انظر نفس المصدر ص ص 182 ، 183.
32- نفس المصدر - ص ص 220 ، 221.

الدكتور رمضان الصباغ

* رمضان الصباغ - مادة العمل الفنى


* عُشّاق المفكر والأديب الفنان أ.د/ رمضان الصبّاغ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى