الفرفار العياشي - شفافية الشر!..

مقاطعة ثلاث منتوجات كشف الوجه الحقيقي لشركات جشعة , المقاطعة جعلت الشر مرئيا !
ما فعلته مقاطعة لثلاث علامات لشركات تجارية من ارباك للمشهد السياسي لم تستطع انجازه جميع الأحزاب و النقابات التي ترافعت عن التغيير لاكثر من اربعين سنة; هو انجاز يستحق التأمل و التفكير في طبيعة الحدث و أبعاده ؟؟
حين كتب الفيسلوف الفرنسي جون بودريار مقاله حول شفافية الشر سنة 1990 اعتبر ان كل المقولات التي بشرت بميلاد انظمة ديموقراطية , و اتساع الفضاء العقلاني بفضل الثورة التكنولوجية لم تكن سوى اوهام نشرتها العولمة .
فالثورة الاعلامية التهمت الواقع , كما تلتهم شبكة العنكبوت الفريسة , لربما هذا سبب كافي لماذا تسمى فضاءات التواصل بالشبكة لانها تلتهم كل ما يعلق بها , لأتسمح بالخروج و الانفلات لمن دخل اليها و علق بشبكتها لانها تصنع شبكة خيوط رقيقة و ناعمة لكنها جبارة في تكبييل الضحية من اجل التهامها
هكذا اكتسح العالم الافتراضي العالم الواقعي و التهمه , كما التهمت الهوية الافتراضية الهوية الاصلية .
مقولات جون بودريار حول موت الواقع تجد مبرراتها في التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و القيمية المرتبطة بعصر العولمة و سيادة المنطق التقنو- اداتي . حيت قيمة كل شئ تحدد بكونه مجرد اداة
بلاشك ما نلاحظه من نزوح جماعي , و اقامة شبه دائمة بفضاءات التواصل الاجتماعي و خارج الواقع يمنح تاكيدا على صلابة نظرية موت الواقع الفعلي وفق تصورات نظرية بودريار و هشاشة الواقع الفعلي و المعيش امام العالم الافتراضي .
و انت جالس بالمقهى كفضاءعمومي و المكان المعتاد حيت للضجيج و القهقهات وفوضى الكلام تتصاعد من كل ركن من جوانب المقهي هذا الضجيج تحول الى صمت و لا يسمع الا ضجيج الالات التي تصنع القهوة – في مفارقة عجيبة الآلات تتكلم و الإنسان صامت - هذا الصمت يخيل لك ان المقهى قد أصبحت مسجدا تمارس فيه طقوس عبادة صامتة حيت كل شخص منزوي في هاتفه النقال , يعيش عوالمه الافتراضية بعيدا عن الآخرين, حتى و ان كان معهم ؟؟ لان الحوار بين الأصدقاء او الأهل رهين بتوقف الهاتف سواء بسبب نفاذ البطارية او غياب الشبكة .
فشبكات التواصل الفيس بوك نموذجا تصنع واقعا جديدا و عالما جديدا و قيما جديدة , حيت كل فرد يعيش عزلة قاتلة و وحدة غريبة حتى و ان كان محاطا بأصدقائه ووسط اسرته , فهو يتفاعل , يتحاور , يناقش , يمازح البعيد لكنه لا يكلم من يجلس معه و لا ينتبه انه انصرف قبل ساعة ؟؟
الانزياح الى الافتراضي هو بمثابة إعلان عن موت الواقع هو عنوان لمرحلة جديدة تعاد فيها صياغة وجودنا بقيم جديدة و أحلام و رهانات جديدة أي إعادة بناء هوية افتراضية جديدة ؟؟؟
فالإنسان الافتراضي الذي لا يحمل أي بعد سوى افتراضيته , بعيدا عن كل القيم و المعايير و العادات القديمة و التي كانت تشكل عبئا عليه , عكس الواقع الافتراضي يمنحه حرية لإعادة تشكيل هويته و فق مايريد و ليس وفق مايريد المجتمع ؟؟
الحاجة الى الحرية يقود الى تورة على المؤسسات بما في دلك الأسرة و المدرسة و الحزب و النقابة و الجمعية و كل المؤسسات الاجتماعية المخولة بجعل الانسان كائنا اجتماعيا و سياسيا مرتبط بقيم مدينته و جماعته و بلده ؟؟؟
الفضاء الافتراضي هو فضاء للحرية يمنح فرصة اكبر للتعبير عن الذات بعيدا عن الرقابات الاجتماعية و المؤسساتية , فحجم الأرقام و عدد زوار الشبكة يعكس بالضرورة ان المواطن كان يحتاج الى فضاء للحرية ؟؟
بالرجوع الى نتائج فعل المقاطعة كفعل صلب و عنيد استطاع ان يحقق من نتائج ما عجزت عنه المؤسسات الحزبية و النقابية و التي جعلت من التغيير هدفا و شعارا لدرجة ان الاحزاب اليسارية في مرحلة ما من تاريخ المغرب كانت تطلب الجفاف و قلة المطر حتى يتضرر الفلاحون من اجل الثورة على النظام !
هو مؤشر كافي لكشف حالة الإفلاس التي أصابت المنظومة الاشتراكية حيت الاستعانة بفلاح مغلوب على امره لمواجهة نظام عجزت الاحزاب نفسها عن اسقاطه . وهو نفس السيناريو الذي لجأ ت اليه شركات الجشع بعد ان عجزت عن مقاومة المقاطعة الافتراضية , و جعلت الفلاح البسيط كحاجز لمنع الصدمات حين ثم ترويج كم كثير من التصريحات ان توقف استهلاك الحليب هو قرار يضر بالفلاح و ليس بالشركة ! ففعل المقاطعة انطلق من منصات التواصل الافتراضي و مازال مستمرا بفضل سرعة انتشار الاخبار و تداولها و مقاسمتها , حيت اصبحت الشبكة اطارا للتعبئة من اجل توحيد الجهود لاستمرار فعل المقاطعة ؟؟
فالنجاح الذي حققته المقاطعة كان أساسه افتراضيا , و تحول إلى نتائج واقعية ملموسة أرغمت شركات الارباح و الجشع على الاعتراف بخسائرها .
ربما قرار الاعتراف بالهزيمة من خلال التوسل و طلب الصفح و المصالحة جعل الشركات تكشف عن حقيقتها انها مؤسسات للشر , و مصدر شرها ان لا تفكر الا في أرباحها و لو على حساب معاناة الفلاحين و البسطاء ؟؟
فاجمل ما انتجته المقاطعة كفعل هو انها كشفت بكل شفافية شر الشركات , و التي ظلت تراكم الاموال و الارباح , و في اول أزمة قررت تحميل الخسارة لمواطن بسيط لا يتكلم فقط لانه يتألم ؟؟
فنجاح فعل المقاطعة كفعل افتراضي كان سببه توفير مساحة كبير ة و غير مقيدة لتواصل و التلاقي بعيدا عن الرقابة و القيود , اظافة الى القضاء على مفهوم الزعامة التقليدية حيت الزعيم يفعل كل شئ و يفاوض بكل شئ لانه يعرف ان امكانية تغيير ه غير ممكنة نظرا لبيرقراطية التنظيم و صعوبة التاثير فيه ؟
فالزعامة على الشبكة الافتراضية هي زعامة لامكانية و لازمانية و لا شخصية وهو ما يعني نهاية الزعيم في مدلوله السياسي .
الامر الذي يفسر سر دعوة احد النقابيين الحكومة الى التحكم في الفيس بوك , لانه ادرك ان التغيير الافتراضي يجسد الخطر الحقيقي الذي يهدد مصالحهمم المحمية داخل مؤسسات جامدة لا تتحرك و لا تتفاعل مع مطالب المواطنيين .
فالعالم الافتراضي عبر نموذج فعل المقاطعة استطاع ان يكشف عن عوالم مخيفة عن شركات بمثابة قطاع طرق تفعل كل شئ من اجل حماية ارباحها حتى لو اقتضى الأمر مراكمة معاناة الفلاحين .
أن سلطة المجال الافتراضي انه فتح المجال أمام الجميع حتى اولئك المهمشين و الذين يسرقون الويفي من احدى المقاهي ليعبروا عن ذواتهم وعن مشاكلهم تجسيدل لمقولة المفكرة حنا ارندرت ان قيمة الحق في تملك الحق , فسرقة الويفي هو حق من اجل ممارسة حق خوله الدستور , و قيمة الحق لا تتحقق الا بتملكه و حيازته فعليا حتى لو كان بطريقة افتراضية و في مجال افتراضي .
من اجمل ما انتج العالم الافتراضي انه انه انحاز للهامش و للمهمشين و جعل المؤسسات التقليدية مؤسسات بلا وظيفة , و ستدخل مرحلة العطالة وكشف عمق الشر الذي تحمله شركات تعادي المواطن من اجل أرباحها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى