مهند يونس - كوب من المطر.. قصة قصيرة

كانت هناك هذه السيدة الكبيرة في السن، خلال فترة تواجدي في الصيدلية، اعتدت على التعامل معها، فهي تأتي مساءً خلال مناوبتي، واعتادت على شراء كميات اضافية من الأدوية تقيها شر الخروج المتكرر في الشتاء، أو هذا ما أقنعتها به، خوفًا عليها ولا يخلو هذا الخوف من بعض الطمع في جعلها تشتري أكثر، أدوية الضغط والسكر والنقرس، والمسكنات، كانت تجلب كيسًا كبيرًا، وتخبرني، هذا وهذا وهذا وهذا.
أعود في الذاكرة لأستحضر ذلك كله، إلى قبل سنة، لكن الآن فهي بالنسبة لي زبونة سابقة ومريضة دائمة، أشتاق لها كثيرًا كأنها جدتي، حتى أني لم أشطب إسمها من دفتر الديون. فوجئت أيامها بأحد أبنائها، أخبرني: أنا ابن السيدة الفلانية. فأنا عرفتها هي ولم أعرف أبناءها، قال لي: البقية في حياتك. كان معه بعض الأدوية التي لم تستكملها، أراد ارجاعها ولو بسعر أقل، فهو بحاجة إلى كل قرش. تأسفّت له وعزيته بوفاتها، ثم لبيت طلبه.
أتذكرها الآن، بعدما رحلت، وضعتُ كيس الأدوية التي أرجعها على جانب، ظل الكيس في الدرج منذ السنة الماضية، لكن المطر أتّى وأعاد لي ذكرى تلك السيدة، بالأمس ذهبت إلى المقبرة، أمضيت طول النهار هناك حتى المساء، تعرفت على قبرها بصعوبة، ليس من عادتي زيارة القبور ولا أعلم لماذا أفعل ذلك مع امرأة غريبة، لكني وصلت القبر، والكيس بحوزتي، كان هناك كرسي، ولم يكن هناك حارس، استعرت الكرسي، وجلست هناك طول اليوم. صباحًا ومساءً وعشاءً، بذرت لها، حبوب الضغط والسكر والنقرس والمسكنات، كلٌ بموعده. لم أسكب الماء لها، فقد كانت تمطر.

مهند يونس.



.

تعليقات

نرفع في المتبقي من أيام هذا الشهر قصص الصيدلاني مهند يونس الذي غادر الحياة بمحض أحزانه والامه في ذات 29 من مثل هذا الشهر من سنة 2017، وهو في السنة الثانية والعشرين من شبابه
مهند كان مفعما بالحياة مثلما كان مثقلا بالجراح والاحزان التي طفحت بما يكفي لينهار أزاء جبروتها..
مهند يونس الفتى الجميل الذي كان يردد دائما:
”الحياة جميلة ولكن الألم أكبر منها“
نجدد على روحه الطاهرة الطيبة الرحمات والمغفرة
فأحسن عزاء للأحباب هي تذكرهم...
 
أعلى