مهند صلاحات - رسالة للقاتل

(قصفت طائرة اسرائيلية سيارة نقل عمال دون أن يكون لهم أي ذنب سوى أنهم فلسطينيون في طريقهم للعمل، وخلّف القصف الى جانب الشهداء أيتام صغار ونساء أرامل.. إحدى هذه النساء كانت تكتب رسالة)
منذ سنوات وهي تمارس نفس العادة، محاولة النسيان، وتبكي لنسيان كتابه المُتاح للآخرين المسافرين معه في حافلةٍ صغيرة مغادرة تقلهم للعمل.
وتسأل نفسها خائفة: هل كان فنجان قهوته الأخير معها مُرّاً كما ينبغي؟
واليوم أيضاً هذا الفجر لم يتأخر قليلاً لتنام أقل وتنتظر مجيء الشمس لغيابها مرة أخرى كي يمضي اليوم.
تنظر من خلف النوافذ المغلقة لمشهد النجوم، لحلول الليل.
تبكي لأنها لا تُحسن شيئاً آخر الآن وفي هذه اللحظة غير محاولة نسيان مشهد الحافلة التي غادرت تحمله معها لعمله في يوم اشتد فيه غضب الطغاة المحتلين.
وتتساءل: لم يسمون الليل ليل؟ وماذا يصبح اسمه ان مضى بلا نوم؟
ولماذا الليلة سوداء، ولماذا لا يتغير لونها اذا كنا حزانى أو مفارقي أحباب؟
ومن وضع قوانين الأسماء في اللغة وأطلق على هذه العتمة ليل؟
من وضع قوانين اللغة..؟
لا يهمها اسماؤهم.. بإمكانها ان تخترع لغة تخصها وحدها تسمي بها شعورها، فهذه الأبجدية أتفه من احتواء حزن طفلها الذي فقد أباه، أقل حتى من هذا الوجع الذي يهوى استيطانها.
لم يكن لينقذها شيء في فجر تلك الليلة سوى رنين الهاتف ليطمئنها على وصوله الى عمله سالماً ليقول لها كعادته حين يصل: أنا لست ضد البكاء شوقاً وخوفاً فهو مفيد. ثم ان كأساً من الماء سيعيد السوائل التي فقدتها من البكاء.
لكن الهاتف جاء بعكس ما تنتظر ليقول لها بأن طائرات الأعداء قصفت الحافلة وهي بالطريق وغداً جميع من فيها شهداء.
لا يهم تقييم الحزن وليس بالضرورة أن ما يؤلم الناس يؤلمها ولا العكس صحيح.. كتبت رسالة الى قائد الطائرة التي قصفت الحافلة، وألقت بنسخة منها في الهواء لتصل السماء..
كتبت فيها:
ملح..
تعرف أيها الطيار المجنون لم كتبت ملح الآن..؟
لو كنت انساناً ستفهم.
أعرف انك لن تقرأ هنا لتفهم او لا تفهم ما نكتبه نحن ولا ما تكتبه دموع عيوننا، ففي الجرح ملح.
حتى هذا لم يعد مهماً فكل ما هو مهم الآن..
ربما إغماضة.. طويلة ولا نهائية لكم، فلا شيء يمكن ان يجعل الليل وقت للنوم سوى رحيلكم للأبد.
أرأيت نجيد اختلاق العناوين الطويلة لحفلة الموت
ملح
وجرح
ودم ينساب فوق الرقاب
من جاء بك الى أرضنا لتحدد لنا موعد الموت؟
من سمح لك بأن تكون أداة القدر؟
من جعلك علينا قصاب؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى