كرة القدم محمد بشكار - ثقافة المونديال..!

قد يورطني فنجانٌ بالمقهى في التفرج ملء المضاضة على كرة القدم، لكن ليس بدرجة هوس تلحس العقول، لأني أبقى صامداً، لا أرغي وأزبد أو أقلب الطاولة، بل إن رغوتي لا تتجاوز حواف الفنجان بفعل القهوة التي أحاول قدر ما أملك من حاسة ذوق، أن لا أجعل الكرة تشربها بدلي، فأفقد متعتها البنية وأنشف أسفاً..!
وما أكثر ما تستنفر الحَميَّة عروقي، حين يتعلق الفؤاد بقميص المنتخب المغربي، فأبقى صامداً دائما، أشجعه في نفسي درءاً للغوغائية وحباً في الوطن؛ لكن هذه الحماسة التي كادت من فرط شاعريتها تصبح ديواناً، ما فتئت تبرد يوما تلو الآخر في مجمرة القلب حتى صارت رماداً، بسبب توالي الهزائم التي أحبطت كل شعور إنساني، في انتظار استيقاظ أولي الكرة والعزم والأمور..!
قد يتساءل لاعب بوسواس الأفكار، ما الذي حذا بي لدحرجة الحديث عن كرة القدم في ملحق ثقافي لا يحفل إلا بشؤون القلم؛ إنه المونديال الذي اجتاح بشعائره وطقوسه الأسطورية الموصولة التاريخ بأكروبوليس اليونان والإغريق، كل الشعوب، فغدا في ذاته ثقافة تستبد بكل العقول، لأجدني بدل أن أسقط ككل التفاح في جاذبية الفرجة، أفكر في من يتفرج، وكيف تغادر روحه الجسد بذات السرعة البرقية التي تلج فيها الكرة الشباك، فلا يبقى بجِواري سوى جثة صريعة بنشوة قصوى؛ لأجزم بأن كل الثقافات بل حتى بعض الديانات، فشلت في أن تؤلف بين أفئدة الناس، إلا هذا الشيء الأضأل حجماً، استطاع بثقافته الكروية، استنساخ الرؤوس، وحَشْدَ الجمهرات الغفيرة في الملاعب والمقاهي والمنازل حول شتى القنوات العالمية، دون أن ننسى ما ينهمر مع عرق الناس، على مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والرياضية والفنية، من سيول مالية، لا تجتاح في طريق استقرارها بجيوب سماسرة اللعب الكبار، إلا التفكير الإنساني..!
إنه جنون المونديال الذي لم يترك في الرأس عقلا؛ عجباً كيف ما زلت أفكر..!

(افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" اليوم الخميس - 2014/6/26)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى