إيمان محمد - مني وزهرة القطف

وصلت مني برفقة والديها الي المنطقة الساحلية الجميلة القريبة من المدينة فوجدتها قد لبست حلتها الخضراء الجميلة كعادتها في فصل الربيع، فراحت تركض فرحة وهي تلامس بساقيها الصغيرتين العشب الأخضر الرطب فتثير من حولها المئات من الحشرات الصغيرة الطائرة منها والنطاطة، والتي بدأت بالهروب تاركة الزهور البرية المتناثرة بينها، وقد شكلت بتموجاتها الداكنة لوحة متقنة مليئة بالألوان تشبه تلك التي تغمس ريشتها الصغيرة بها عندما تحب أن ترسم علي الأوراق البيضاء في حضانتها التي بدأت ترتادها منذ أول العام.

فجأة وقع نظرها علي عينين كبيرتين تنظران اليها بدهشة واستغراب!! اقتربت مني منهما متفحصة بفضول، فهي لم تشاهد عيوناً دون رأس أو جسد من قبل!!!، مدت اصبعها الصغير تحاول ان تتعرف اليهما باللمس أكثر فانطبقتا علي بعضيهما البعض لتصبحا عيناً واحدة؟ قبضت مني علي تلك العين الغريبة المسطحة بإصبعيها الصغيرتين فسمعت من يصيح بها:

(أي.. أي.. أنت تؤلمينني.. اتركيني.. اتركي جناحي!!!) صاحت مني مستغربة: عيون تطير.

ضحكت زهرة القطف وقالت: فراشة! تلك العيون اسمها فراشة، كانت ضيفتي تتناول من رحيق أزهاري فطورها، لقد أفزعتها.. هربت منك؟

مني مستغربة: ولكن لها عينان كبيرتان.

زهرة القطف وهي تبتسم: إنها عيون وهمية مرسومة علي جناحيها الرقيقين تتخفي خلفهم حتي تخيف وتبعد عنها الطيور..!

مني: الآن فهمت لكن قولي ما اسمك أيتها الزهرة الأرجوانية؟

زهرة القطف: أنا يسمونني زهرة القطف، يأخذون مني الدواء والعطور والألوان.

أجابتها مني وقد لاحظت شيئا غريبا علي جذورها وما هذا الشيء الذي يتطفل عليك، هل تطعمينه أيضا.

زهرة القطف: إنها نبتة الذنون وهي تتطفل علي بأن تخرج من جذورها أنابيب رفيعة تلتصق بجذوري حيث يمتص كامل العصارات المغذية منه.

مني: وهل هناك نباتات وحشرات أخري تتطفل عليك.

زهرة القطف: أجل فهناك نبات السويد والهرم والشعيران وهي ترافقني علي الدوام.

مني: لكن هل تتألمين إذا قضم أحدهم أوراقك سواء أكان انسانا غير مسؤول أو أي كائن آخر؟!

ضحكت زهرة القطف منها وقالت: نحن النباتات لا نتألم، ليس لنا جهاز عصبي مثلكم لنحس به ولا جهاز للهضم! ولكن قد نصاب بالمرض أو نموت من الجوع أو العطش، أو بكل بساطة نختنق من قلة التنفس.

استغربت مني منها وقالت: تتنفسين وتأكلين وتشربين؟ لا أري فماً لك فكيف تفعلين؟

قهقهت زهرة القطف وقالت: أنا أتغذي وأشرب من التربة عن طريق جذور لي مدفونة فيها؟

مني: غريب فمك تحت التراب؟

زهرة القطف: لا، أنا لا فم لي، أنا لي جذور تشبه القصبة الرفيعة التي تشربين العصير بها، وأطرح عن طريق أوراقي ما يزيد من الماء ولهذا تجدينني أنمو في المناطق الساحلية أي القريبة من البحر وتجدينني غضة وطرية ونضرة وأزهاري وردية باهرة، وأنمو في تربة شديدة النعومة، وسيقاني بيضاوية حيث يشكل مع اللون الوردي والأخضر العشبي تحفة فنية لا نظير لها!!

مدت مني يدها الصغيرة تتفحص أوراقها الخضراء وزهورها القرمزية الجميلة ثم قبضت عليها براحة كفها وهزتها برفق ثم قالت: لا تقولي بأنك تتنفسين كما تتكلمين معي؟!

أخذت زهرة القطف تتمايل بدلال وهي تضحك وتقول: أنت تدغدغينني وعلي ما يبدو لم تصدقينني، ما رأيك إذا قلت لك بأنك بحياتك لي تدينين؟

تفاجأت مني بها وبغرورها بعد أن أطلقت سراحها وقالت: كيف؟! بهذا أيضا تتدخلين؟

زهرة القطف بفخر: لم لا، فأنا التي أصنع الاكسجين وأنظف جو المدينة المقيت المليء بالمازوت والكربون وتلويث البشر وأعطي بدلا منه الهواء النظيف الذي تتنفسين.

مني وقد شعرت بالغيرة: وإن قطفتك كهدية لأمي فماذا تفعلين؟

زهرة القطف بشيء من الزهو: تكوني قد أكملت عطائي وزينت المائدة بزهوري، فنحن نطعم ونفرح وفي كل يوم نعطي الآلاف منا دون أن نكل أو نمل أو نستكين، وأصبحنا في كل حديقة منزلية.

وما إن همت مني بقطاف زهرة القطف حتي وجدت نفسها بين ذراعي والدها وهو يصيح بها: أين ذهبت تعالي لكي تتناولي فطورك وهو يطبطب علي ظهرها برفق: هيا.. هيا.

سُرت مني وقد وجدت المائدة جاهزة تتوسطها كأس فيها ماء وبعض من أزهار القطف فقالت وهي تمسك صحنها المزخرف: فراشة انظر بابا.. هذه فراشة، ماما أليس كذلك؟ وتلك أزهار القطف الجميلة ورائحتها العطرة، ويوجد منها العديد من الألوان.

تفاجأت والدة مني بها وقالت: من علمك كل هذا؟

نظرت مني الي أزهار القطف فرأتها تبتسم وتشير اليها بان تحفظ سرها،.. سر الحياة.. سر الوجود، إذا كان لسرهم في قلبها من مكان فرددت ببراءة: ماما هذه فراشة وهذه زهرة القطف.

ايمان محمد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى