زكريا تامر - الأدغال

جرت في المقهى مباراة صاخبة في لعبة الكونكان بين معروف السماع ورشيد القليل، كثر مشاهدوها وتطايرت في أجوائها التعليقات الحماسية الساخرة المتحدية، وانتهت بهزيمة رشيد، فتباهى معروف بانتصاره، ونصح خصمه بلهجة ممازحة بمواصلة التدرب ليل نهار قبل اللعب مع أساتذة مثله. فاغتاظ رشيد، ومزق أوراق اللعب، وقذف بها إلى الأرض، ونصح معروف السماع بصوت مرتفع سمعه كل رواد المقهى بأن يخجل قليلاً ولا يتمادى في التباهي أمام رجال يعرفون جسم أخته أكثر مما تعرفه أمها. فأحنى معروف رأسه، ولم يفه بكلمة، وأنصت لأصوات هامسة يسمعها عادة وحده.
همس الأرنب: (اهرب تنج).
همست النعامة: (دفن الرأس اليوم يليه دفن بقية الجسم غدًا).
همس الضبع: (من لا يأكل يؤكل).
همست الحية: (ملمسي ناعم، والموت في أنيابي).
همس الذئب: (إذا لم تكن ذئبًا أكلتك الخراف).
همس الغراب: (لكم أنا مشتاق إلى النعيب!).
ولم يتكلم الأسد، واكتفى بالزئير الحانق متأهبًا للانقضاض على فريسته. ونهض معروف واقفًا كأنّه يهمّ بمغادرة المقهى، وفجأة لطم رشيدًا لطمتين على خده الأيمن وخده الأيسر، فبوغت رشيد وبهت إذ كان يتوقع شتائم متبادلة يليها تماسك بالأيدي يليه تدخل الوسطاء. واستل معروف سكينه بحركة سريعة، وطعن رشيدًا في صدره وعنقه ثلاث طعنات، فصاح رشيد: (أخ! قتلتني!).
وابتعد الأسد عن فريسته ملطخ الفم بالدماء، وغادر معروف المقهى هاربًا ويده لا تزال ممسكة بالسكين التي تقطر دمًا. وتنبه وهو يركض بأقصى سرعة إلى أنه وحيد أبويه، لا أخت له ولا إخوة.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى