زكريا تامر - الزلزال

كان حميد الحفيان رجلاً فقيراً، كثير الشكوى من البطالة، يحدّث الناس أحياناً عن أصدقائه الجان وقوتهم وقدراتهم الخارقة، فيقولون له سـاخرين : إذا كان كلامك صحيحاً ، فلماذا لا تطلب العون منهم؟
وفي أحد الأيّام، تسلل حميد الحفيان إلى اجتماع مخصص لأهمّ الرجال في حارتنا، وهددهم بأنّه لن يمنع أصدقاءه الجان من تحويل الحارة جحيماً لا تطاق أهواله إلاّ إذا دفعوا له راتباً سخيّاً كلّ شهر، فطُرد طرداً مهيناً كأنّه اقلّ قيمة من ذبابة، وليته لم يطرد، فما حدث في الحارة بعد طرده لا تأويل له سوى أن تهديده لم يكن كاذباً :
الشيخ جبر الأحمدي خرج من بيته، فتعثر، وكسرت ساقه اليمنى .
نزيه الفاضل يدخل عيادته المريض مصاباً بالزكام، فيخرج منها مصاباً بالسرطان .
نهاد المتزمل المحامي يخسر القضايا تلو القضايا حتّى بات الناس يتشاءمون منه .
عباس المعطي كلّما عقد صفقة تجارية لم يجن منها سوى الخسائر الفادحة .
سليمان العبود المشـهور بحيائه قال لزوجته بصوت عال أمام أهـــل الحــارة : لماذا البخل؟ إستأجري حماراً بدلاً مني.
واجتاحت البغضاء حارتنا، فالأزواج يتشاجرون مع زوجاتهم شجاراً ينتهي في مخافر الشرطة والمستشفيات والمحاكم الشرعية، والعشاق يتبارون في إذاعة الأسرار المخجلة، والأصدقاء تناسوا ما بينهم من صلات عميقة وتحوّلوا أعداء ألداء، والنساء يمشين في الشوارع بثياب تري ما كان لا يرى، ويشتغلن كالرجال، والأبناء يبصقون على آبائهم وأمهاتهم، ورجال الشرطة يخشون المرور السريع في الطرقات، ورجال الحارة كفّوا عن التردد إلى المسجد.
ولم يجد رجال الحارة مهرباً من أن يقصدوا حميد الحفيان متوسلين إليه أن يتدخل لمنع أصدقائه الجان من العبث بالحارة، ووعدوه بتخصيص مبلغ كبير من المال يتسلمه كلّ شهر وهوّ قاعد في بيته، فضحك حميد الحفيان، وأقسم أنه سيحاول إقناع أصدقائه الجان بعدم التدخل في شؤون الحارة، ولم يكن قسمه كاذباً، وعادت الحارة بعد أيام إلى ماكانت عليه، وعادت النساء إلى ارتداء الملاءات السود ولا يخرجن من بيوتهن إلاّ برفقة أمهاتهن أو أمهات أزواجهن وتحمر وجوههنّ خجلاً حين يلمحن رجلاً، وعاد الأبناء إلى تقبيل أيدي أبائهم وأقدام أمهاتهم، وعاد مخفر الشرطة مهاباً، وتعانق الأصدقاء باكين، واكتظّ المسجد بالمصلين، ولكنّ الشيخ جبر الأحمدي وحده ظلّ لا يستطيع السير إلا بمعاونة عصا غليظة.
وفي يوم من الأيام، عُثر على حميد الحفيان في بيته مقتولاً، ولم يعرف قاتلــه، واستولى دائنوه على بيته، وعرضوه للبيع في المزاد العلني، فلم يوافق أحد على شرائه، وترك البيت مهجوراً مهملاً، تسطع مصابيحه الكهربائية ليلاً، وتنبعث من داخله ضحكات مرحة ساخرة.

* من كتاب ( سنضحك ) 1998

زكريا تامر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى